قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن “الجيش اللبناني” اعتقل تعسفيا ورحّل آلاف السوريين، بينهم أطفال غير مصحوبين بذويهم، إلى سوريا بين أبريل/نيسان ومايو/أيار 2023.
قال سوريون مرحّلون إن الجيش اللبناني تجاهل وضعهم كلاجئين أو مخاوفهم من تعرضهم للاضطهاد في حالة إعادتهم. قال رجل إن الجيش السوري احتجزه تعسفيا، وعذبه، وجنّده قسرا في قوات الاحتياط العسكرية السورية بعد ترحيله في أبريل/نيسان. الترحيل بإجراءات موجزة، الذي تصاعد منذ 1 يناير/كانون الثاني، استهدف عموما السوريين الذين ليس لديهم وضع قانوني في جميع أنحاء لبنان. على الحكومات المانحة التي تدعم الجيش اللبناني أن تحث السلطات اللبنانية على وقف عمليات الترحيل هذه، وضمان أن الأموال التي تقدمها لا تسهم في انتهاكات الحقوق أو تديمها.
قال رمزي قيس، باحث لبنان في هيومن رايتس ووتش: “يستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة لعدد السكان وسط أزمة اقتصادية شديدة، لكن هذا ليس عذرا للإمساك بالسوريين ورميهم خلف الحدود ليقعوا في قبضة حكومتهم المتعسفة. يعيش السوريون في لبنان في خوف دائم من إمكانية اعتقالهم وإعادتهم إلى ظروف مروعة، بغض النظر عن وضعهم كلاجئين”.
في مايو/أيار ويونيو/حزيران 2023، قابلت هيومن رايتس ووتش هاتفيا أو شخصيا 11 رجلا سوريا رحّلهم الجيش اللبناني إلى سوريا، بالإضافة إلى خمسة أقارب لأشخاص اعتُقلوا ورُحّلوا تعسفيا. كما قابلت هيومن رايتس ووتش 10 ممثلين عن منظمات المجتمع المدني الدولية والوطنية وأعضاء في منظمات إنسانية يعملون على وضع اللاجئين السوريين في لبنان.
في 8 يونيو/حزيران، وجّهت هيومن رايتس ووتش رسائل تحتوي نتائج بحثية إلى الجيش و”الأمن العام” اللبنانيَّين وطلبت الرد. رد الجيش اللبناني في 22 يونيو/حزيران، قائلا إن الجيش ينفذ قرار “المجلس الأعلى للدفاع” في 24 أبريل/نيسان 2019 بترحيل السوريين الذين دخلوا لبنان بشكل غير نظامي بعد أبريل/نيسان 2019. كما قال الجيش إنه يتصرف وفقا لنتائج الاجتماع الوزاري في 26 أبريل/نيسان، بـ “التأكيد على التدابير والإجراءات المتخذة تنفيذا لقرار المجلس الأعلى للدفاع […] من قبل الجيش والأجهزة الأمنية كافة بحق المخالفين خاصةً لجهة الداخلين بصورة غير شرعية وغير الحائزين على الوثائق الرسمية والقانونية”.
نفى الجيش الترحيل التعسفي أو المنهجي للسوريين، لكنه أكد أن عمليات الترحيل تتم كجزء من العمليات الأمنية، بناء على “تهديدات أمنية مؤكدة”.
لكن في 15 من 16 حالة راجعتها هيومن رايتس ووتش، دخل المرحَّلون لبنان قبل 2019 ورُحّلوا 10 قبل الاجتماع الوزاري في 26 أبريل/نيسان.
قال ثلاثة من الأقارب الخمسة الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنهم لم يسمعوا عن أفراد عائلاتهم منذ اعتقالهم وترحيلهم. تلقى اثنان مكالمات هاتفية من أقاربهما بعد عدة أيام من الترحيل. كان أحدهم محتجزا لدى “الفرقة الرابعة” في الجيش السوري، وهي وحدة نخبة يقودها شقيق الرئيس بشار الأسد وشاركت في قتل آلاف المتظاهرين خارج نطاق القضاء والاعتقال التعسفي لعشرات الآلاف في مختلف أنحاء البلاد. أما الآخر فجُنّد قسرا للخدمة في قوات الاحتياط العسكرية السورية.
قال شخص قابلته هيومن رايتس ووتش إن “المخابرات العسكرية” السورية اعتقلته مع 12 شخصا آخرين بعد ترحيلهم واحتجزتهم في “الفرع 235″، المعروف بـ “فرع فلسطين”، في دمشق. قال إنهم تعرضوا لتعذيب شديد، بما فيه بالصعق بالكهرباء، والضرب بأنبوب ماء، والتعليق بالسقف من أيديهم.
رغم عدم وجود إحصاءات عامة رسمية عن أعداد الاعتقالات أو الترحيلات، قال مصدر إنساني إنه منذ أبريل/نيسان 2023، نُفّذت أكثر من 100 مداهمة، و2,200 اعتقال، و1,800 ترحيل للاجئين السوريين. قال عاملون في المجال الإنساني إن موجة الترحيل في 2023 هي الأشد خطورة.
كما قابلت هيومن رايتس ووتش ثلاثة أشخاص رحّلهم الجيش اللبناني بعد اعتقالهم في 31 ديسمبر/كانون الأول 2022، من قارب يغرق فيه أكثر من 200 شخص يحاولون الفرار إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، بينهم رجل وابن أخيه الصغير.
في جميع حالات الترحيل الموثّقة، لم يمنح الجيش اللبناني المرحّلين فرصة الاعتراض على ترحيلهم. عندما قال المرحّلون للجيش إنهم مسجلون كلاجئين لدى “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، ويخشون إعادتهم إلى سوريا، تم تجاهل مناشداتهم. أفاد ستة أشخاص عن تعرضهم لانتهاكات أثناء ترحيلهم، منها الضرب، والتهديد، والتحرش الجنسي، والمعاملة المهينة، التي شملت تعصيب العيون، والصفع، والإجبار على الوقوف لساعات.
ترحيل السوريين بإجراءات موجزة من قبل الجيش اللبناني ينتهك بوضوح القانون اللبناني، الذي يتطلب إجراء عمليات الترحيل من خلال سلطة قضائية أو، في حالات استثنائية، بقرار من المدير العام للأمن العام بناء على تقييم الظروف الفردية.
كما أن عمليات الترحيل هذه تنتهك التزامات لبنان بصفته طرف في “اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب” وبموجب المبدأ في القانون الدولي العرفي القاضي بعدم الإعادة القسرية – عدم إعادة الأشخاص قسرا إلى بلدان يواجهون فيها خطرا واضحا يتمثل في التعرض للتعذيب أو غيره من الاضطهاد. ينتهك احتجاز الأطفال وإساءة معاملتهم، وتشتيت العائلات، وغيرها من الانتهاكات التزامات لبنان الخاصة بحقوق الطفل.
تؤكد الوكالة الأممية المكلفة بتوفير الحماية الدولية والمساعدة الإنسانية للاجئين، “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، أن سوريا غير آمنة وأنها لن تسهّل عمليات العودة الجماعية في غياب شروط الحماية الأساسية.
على السلطات اللبنانية إصلاح أنظمة الإقامة، واستئناف عمليات التسجيل في مفوضية اللاجئين، والإعفاء من رسوم تجديد الإقامة، وإنهاء ممارسة احتجاز اللاجئين وترحيلهم على أساس انتهاء صلاحية وثائق الإقامة. على السلطات أيضا إلغاء قرار المجلس الأعلى للدفاع الصادر في مايو/أيار 2019 بشأن ترحيل اللاجئين السوريين الذين يدخلون البلاد بشكل غير رسمي. قالت هيومن رايتس ووتش إن هذه التغييرات لن تحمي حقوق اللاجئين فحسب، بل ستعزز المزيد من الاستقرار في لبنان من خلال ضمان عدم دفع اللاجئين السوريين إلى الفقر المدقع.
على الحكومات التي تموّل الجيش اللبناني الضغط عليه لإنهاء عمليات ترحيل السوريين بإجراءات موجزة. على الحكومات المانحة أيضا وضع تقييم عام لحالة حقوق الإنسان والضغط على لبنان للسماح بآلية إبلاغ مستقلة لضمان عدم مساهمة التمويل في انتهاكات حقوق الإنسان أو استمرارها.
قال قيس: “على مانحي لبنان ضمان أن جميع المساعدات والمعدات المقدمة لدعم الجيش اللبناني لا تموّل فعليا الإعادة القسرية للسوريين ليواجهوا مستقبلا مجهولا. تُظهر شهادات العائدين بشأن تعذيبهم وتجنيدهم الإجباري في حرب دموية قتلت وهجرت مئات الآلاف أن سوريا ليست آمنة للعودة”.
خلفية
يستضيف لبنان أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري فروا منذ العام 2011، ما يجعله البلد الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة للفرد في العالم. وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة تجتاح البلاد، يعيش 90٪ من اللاجئين السوريين في لبنان في فقر مدقع.
حتى يناير/كانون الثاني 2015، كان السوريون الفارون من الحرب قادرين على دخول البلاد بدون تأشيرة وتجديد إقاماتهم دون مقابل تقريبا. لكن منذ ذلك الحين، منعت “المديرية العامة للأمن العام” مفوضية الأمم المتحدة للاجئين من تسجيل اللاجئين السوريين وفرضت شروطا مقيِّدة ومكلفة لتجديد الإقامة، ما منع عديدا من اللاجئين من الحفاظ على وضعهم القانوني في البلاد. وفقا لنتائج آخر “تقييم الاحتياج” للاجئين السوريين في لبنان في 2022، فإن 17% فقط من اللاجئين السوريين يحملون إقامة قانونية.
يعني افتقارهم إلى الوضع القانوني أنهم لا يستطيعون التنقل بحرية عبر نقاط التفتيش في جميع أنحاء البلاد، ويجدون صعوبة في الحصول على خدمات مثل الرعاية الصحية أو التعليم، وتسجيل المواليد، والوفيات، والزواج. اتخذ المجلس الأعلى للدفاع قرارات عدة في العام 2019 زادت الضغط على اللاجئين السوريين في لبنان، منها الترحيل بإجراءات موجزة لمن يدخلون لبنان بشكل غير نظامي، وهدم بُنى تأوي اللاجئين، واستهداف السوريين الذين يعملون دون تصريح. أدى ذلك إلى مجموعة من التعليمات القسرية والممارسات الخاصة المصممة لضمان أن يشعر اللاجئون السوريون في نهاية المطاف بأن ليس لديهم خيار سوى العودة إلى سوريا.
في بيئة من الإجراءات القسرية المتزايدة ضد اللاجئين المصممة لإجبار الناس على التفكير في العودة إلى سوريا، أجرى لبنان عدة حملات من الاعتقالات والإعادة القسرية للاجئين السوريين منذ العام 2012. منذ العام 2017، دعا سياسيون بارزون في لبنان بشكل متزايد إلى عودة اللاجئين إلى سوريا، ومارست السلطات ضغوطا على مفوضية اللاجئين لتنظيم عمليات العودة رغم الظروف المزرية داخل سوريا. قالت مفوضية اللاجئين إنها لا تستطيع تعزيز أو تسهيل عودة اللاجئين قبل أن تقرّر أن الظروف في سوريا آمنة. يعمل الأمن العام على تسهيل العودة “الطوعية” للاجئين منذ مايو/أيار 2018.
في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش عام 2021، قال الأمن العام اللبناني إنه “أعاد” 6,345 سوريا بين 25 أبريل/نيسان 2019 و19 سبتمبر/أيلول 2021، تنفيذا لقرار المجلس الأعلى للدفاع. رغم أن المديرية العامة للأمن العام هي السلطة اللبنانية المسؤولة عن الترحيل، فإن عمليات الترحيل بإجراءات موجزة في لبنان بين أبريل/نيسان ومايو/أيار نفذها الجيش اللبناني، وهو ارتفاع مقلق في عدد اللاجئين الذين أُعيدوا قسرا إلى سوريا.
لم يكن لأي من السوريين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش وضع قانوني نظامي في لبنان أو بطاقات إقامة سارية، والتي يصعب الحصول عليها بالنسبة لمعظم اللاجئين السوريين. وفقا لتحليل حديث، يفتقر 83٪ من اللاجئين السوريين إلى الإقامة القانونية، وهو أدنى مستوى على الإطلاق. في جميع الحالات التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، كان المرحّلون مسجلون أو معروفون لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين. في العام 2016، نشرت هيومن رايتس ووتش تقريرا يوثق كيف فرضت السلطات اللبنانية تعليمات منعت فعليا كثيرا من اللاجئين السوريين من الحصول على تصاريح إقامة أو تجديدها، ما زاد مخاطر الاستغلال والانتهاكات بحق الفارين من الاضطهاد والحرب.
في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وثّقت هيومن رايتس ووتش أن اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى سوريا بين 2017 و2021 من لبنان والأردن واجهوا انتهاكات حقوقية جسيمة واضطهادا على يد الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، ما يبرهن أن سوريا ليست آمنة للعودة. كافح العائدون أيضا من أجل البقاء على قيد الحياة وتلبية احتياجاتهم الأساسية في بلد دمره النزاع.
تلقى الجيش اللبناني تمويلا كبيرا من المانحين الدوليين للبنان في السنوات الأخيرة. من الأمثلة، 22 مليون جنيه إسترليني بين 2019 و2022 من الحكومة البريطانية، و6 ملايين يورو من “الاتحاد الأوروبي” في ديسمبر/كانون الأول 2022، و72 مليون دولار من الحكومة الأمريكية في يناير/كانون الثاني 2023 للجيش وقوى الأمن الداخلي كدعم مالي مؤقت لستة أشهر.
بين 2017 و2022، قدمت وزارة الدفاع الأمريكية للبنان 963 مليون دولار على شكل “خدمات أمنية من خلال المساعدة ونقل الأسلحة”، وزودت وزارة الطاقة الأمريكية لبنان بمبلغ 29.1 مليون دولار للمساعدة في أمن الحدود والموانئ. في ديسمبر/كانون الأول 2022، تعهدت المملكة المتحدة بتقديم 13 مليون جنيه إسترليني أخرى للجيش اللبناني بين 2022 و2025.
الترحيل بعد الإنقاذ من البحر
في 31 ديسمبر/كانون الأول 2022، بدأ مركب يحمل أكثر من 230 شخصا بالغرق في البحر الأبيض المتوسط، بعد ساعات على انطلاقه من ساحل طرابلس في شمال لبنان. قال ركاب المركب لـ هيومن رايتس ووتش إن الجيش انتشلهم وأنقذهم، ثم أعادهم إلى طرابلس. وبعد أن خضعوا لفحص طبي، حققت مخابرات الجيش اللبناني معهم وصادرت وثائقهم الثبوتية وهواتفهم.
قال ثلاثة سوريين كانوا على المركب إن الجيش اللبناني وضع السوريين الذين أُنقذوا من الغرق في شاحنات تابعة للجيش، في الساعات الأولى من صباح 1 يناير/كانون الثاني، واقتادتهم إلى نقطة تفتيش عسكرية في شدرا، شمالي لبنان، ثم نقلتهم إلى الحدود السورية في وادي خالد. هناك، أعطى الجيش تعليمات للمرحَّلين باجتياز الحدود إلى الجهة السورية، حيث كان ينتظرهم عناصر من “الفرقة الرابعة” السورية.
احتجزت الفرقة الرابعة المرحَّلين في خيمة بلاستيكية زراعية، ثم طلب عناصرها، بالتعاون مع المهربين الذين قال المرحلون الذين تمت مقابلتهم إنهم كانوا موجودين، ما بين 100 و400 دولار للإفراج عنهم إلى الداخل السوري أو إعادة تهريبهم إلى لبنان. وقالوا إنهم رأوا عناصر الفرقة الرابعة ينسّقون عملية الدفع مع المهرّبين. قال أحد المرحَّلين إن الفرقة الرابعة احتجزت الذين لم يتمكنوا من الدفع.
أحد اللاجئين السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين، الذي رُحِّل مع ابن أخيه بعد إنقاذهما من المركب الغارق، قال: “باعتنا الفرقة الرابعة للمهربين، والمهربون باعونا لأُسرِنا”.
وقال آخر: “30 شخصا تقريبا لم يكن معهم مال، لا نعرف أين هم”.
مداهمة منازل سوريين
جميع المرحَّلين الذين تمت مقابلتهم، باستثناء الأشخاص الثلاثة الذين احتُجزوا في البحر، قالوا إنهم اصطُحبوا إلى مراكز عسكرية محلية لفترة وجيزة، أو إلى المعابر الحدودية مباشرة. صادر الجيش، في بعض الحالات، هواتفهم وممتلكات شخصية أخرى. وقالوا إن عناصر الجيش رفضوا طلبات اللاجئين أن يتصلوا بأهلهم أو محاميهم. جميع عمليات الترحيل التي خضع لها الأشخاص الذين تمت مقابلتهم حصلت في غضون ساعات من توقيفهم الأول.
رحّل الجيش اللبناني السوريين الذين تمت مقابلتهم عبر معبرَيْ المصنع ووادي خالد الحدوديَّين. وادي خالد هو معبر غير رسمي يقع في شمال عكار ويجاور حمص في المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة السورية. أما المصنع، فهو معبر حدودي رسمي يقع في الجزء الشرقي من لبنان. في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش، قال الجيش اللبناني إنه يرحِّل السوريين عبر الحدود الدولية إلى الأراضي السورية “من حيث أتوا”، وأضاف، بما أن السوريين “عبروا هذه المناطق الحدودية دون أن يتعرضوا لأي خطر أو اضطهاد، فإن هذه الأماكن تُعتبر آمنة بالنسبة لهم”.
في 19 أبريل/نيسان، رحّلت السلطات رجلا وزوجته وأربعة من أطفاله الخمسة، بعد مداهمة الجيش منزلهم في عاليه، مباشرة بعد أن أوصل ابنته ذات السبعة أعوام إلى المدرسة. ورغم توسلاته المتكررة لإحضار ابنته من المدرسة قبل ترحيلهم، رفض الجيش طلبه، ما أدى إلى تفريق العائلة.
نفى الجيش، في رده، أن تكون الأسر تتعرض للتشتيت، وقال إن في عمليات الترحيل يتم “احترام مبدأ وحدة العائلة مع مراعاة عدم فصل الأطفال عن ذويهم، وفي كثير من من الأحيان تم تحقيق رغبة العائلة بالإنضمام إلى رب العائلة الذي يقتضي إبعاده أو العكس وأية طلبات أخرى ضمن الأطر القانونية والإنسانية”.
يشير بحث هيومن رايتس ووتش إلى أن منذ أوائل أبريل/نيسان 2023، يقوم الجيش بمداهمات وتوقيفات تعسفية في المناطق التي يُعتقد أن السوريين يعيشون فيها، بما في ذلك المباني السكنية والمخيمات غير الرسمية في جميع أنحاء البلاد، ومنها جونيه، وبرج حمود، وعاليه، وقب الياس، وسهل البقاع.
قال ثلاثة أشخاص، أُوقفوا أو شهدوا على توقيفات في جونيه، إن عناصر الجيش اقتحموا مبنى يسكنه سوريون في حدود الساعة 5 صباح 10 أبريل/نيسان. وأضافوا أنه دخل العناصر، الذين كان بعضهم يرتدي أقنعة، إلى الشقق وأمروا جميع الرجال بإبراز أوراق الإقامة. ثم جمعوا أولئك الذين انتهت صلاحية إقامتهم وكبّلوههم ووضعوهم في الشاحنات العسكرية، بغض النظر عما إذا كانوا مسجلين لدى المفوضية.
قال أحد المرحّلين جراء هذه المداهمة: “دخل أحد العناصر [إلى الشاحنة] وقلب قمصاننا على رؤوسنا كي لا نعرف وجهتنا”. اقتيد الموقوفون إلى ثكنة عسكرية للتحقيق والتصوير، بدون إعلامهم أنهم على طريق الترحيل. وقال اثنان منهم إنهم وُضعوا، مجددا، في شاحنات عسكرية أوصلتهم إلى معبر المصنع الحدودي إلى سوريا.
لم يعلم الموقوفون بترحيلهم إلا بعد طلبهم نزع القمصان عن رؤوسهم ليتمكنوا من التنفس بسهولة. وقال أحدهم: “عندما نزعوا الكنزة عني، عرفت إلى أين نحن ذاهبون. أعرف هذه الطريق. حفظتها”.
عند معبر المصنع الحدودي، سلّم الجيش اللبناني الموقوفين إلى فرقة أخرى من الجيش التي أعادت إليهم ممتلكاتهم المصادرة، ثم اصطحبتهم إلى منطقة مقفرة خلف الحدود حيث تركتهم. وقال أحدهم: “قالوا لنا، إياكم أن تعودوا وإلا أطلقنا النار”.
وقال أحد المرحّلين الآخرين في ذلك اليوم إنه فر من الجيش السوري وجاء إلى لبنان قبل توقيفه بسبعة أشهر فقط. بعد ترحيله، أوقفته السلطات السورية واحتجزته في سجن “الفرع 235” التابع لـ “المخابرات العسكرية” السورية، المعروف باسم “فرع فلسطين”، في دمشق.
أضاف أنه و12 شخصا آخرين محتجزين هناك تعرضوا للتعذيب. وإنه التقى بأشخاص رُحِّلوا بعد مداهمة نفذها الجيش في برج حمود.
قال: “عندما وصلت إلى فرع فلسطين، حطموني. حلقوا شعرنا ونتفوا لحانا بأيديهم. عند اصطحابي إلى التحقيق كنت أسمع […] صرخات النساء والأطفال وهم يعذَّبون”.
بعد الإفراج عنه، أمرته المحكمة العسكرية بأن يخدم في الجيش السوري في إدلب، لكنه هرب من سوريا بعد فترة قصيرة.
التوقيف والترحيل عند نقاط التفتيش
قابلت هيومن رايتس ووتش زوجة شخص أوقف عند نقطة تفتيش غير رسمية في قب الياس، بالإضافة إلى أربعة أشخاص أوقفوا عند نقاط تفتيش دائمة وأخرى غير رسمية في مختلف المناطق اللبنانية، بما فيها بلدة مجدليا في الشمال، والبقاع الغربي، وقب الياس.
في 3 مايو/أيار، غادر رجل وابن عمه منزله في مخيم غير رسمي في سهل البقاع للعمل في بيروت. وعند وصولهما إلى نقطة التفتيش في قب الياس، سألهما العناصر ما إذا كانا سوريَّين، ثم أوقفوهما ووضعوهما في شاحنة عسكرية لأنهما لم يبرزا أوراق إقامة صالحة.
كانت صلاحية إقامة أحدهما قد انتهت، أما الثاني فقد كانت أوراقه في المنزل. وكلاهما مسجل لدى المفوضية. رُحِّلا عن طريق وادي خالد وتُركا في منطقة مقفرة خلف الحدود اللبنانية. وقالا إن عناصر من الجيش السوري وصلوا بعد ذلك بقليل.
قال أحدهما: “بمجرد رحيل الجيش اللبناني، سمعنا صراخا من الجهة الأخرى. سمعنا جنودا من الجهة السورية يصرخون ’ابقوا مكانكم‘!”. فهربا من الخوف واختبآ تحت شجرة إلى أن تمكنا من الاتصال بأهلهما وتدبير خروج آمن من المنطقة. أضاف: “لا أعرف ماذا حل بالآخرين – لم ننظر حتى إلى الخلف كي نعرف ماذا حل بهم”.
أُوقِف رجل آخر عند نقطة تفتيش غير ثابتة في أبريل/نيسان عندما كان ذاهبا إلى عمله في البقاع الغربي. رحّله الجيش في اليوم نفسه عن طريق معبر المصنع الحدودي، حيث سُلِّم، بالإضافة إلى 10 أشخاص آخرين، إلى نقطة تفتيش عسكرية سورية. احتُجز لمدة ثلاث ليالٍ وحقق معه الجيش السوري. قال: “في إحدى الليالي، دخل جندي ونادى على ثمانية أسماء، أخرجوهم من الغرفة ولم نرهم منذ ذلك الحين”.
قالت زوجة رجل سوري إن جنودا أوقفوه، في أبريل/نيسان، عند نقطة تفتيش غير ثابتة أثناء عودته إلى المنزل في قب الياس. أضافت أنه كان قد جاء إلى لبنان في 2017 هربا من الخدمة في الجيش السوري. وأنه رغم معرفة المفوضية به، رحّله الجيش اللبناني بعد فترة قصيرة من توقيفه ولم تسمع عنه منذ ذلك الحين.
سوء المعاملة والضرب
قال ستة أشخاص إنهم تعرضوا لسوء المعاملة بعد توقيفهم، بما في ذلك الضرب، والتهديد، والمعاملة المهينة، والتحرش الجنسي.
قال الرجل وابن عمه إن الجنود ضربوهما على وجهيهما، وأجبروهما على الوقوف لساعات متواصلة، وأهانوهما. في قاعدة عسكرية في قب الياس، أجبرهما الجنود مع موقوفين آخرين على مشاهدة صور إباحية وسخروا منهم بعبارات جنسية، واصفين ما سيحدث لهم في السجن بعد إعادتهم إلى سوريا.
قال أحدهما: “بمجرد نزولنا من الشاحنة، توجه الجندي نحونا وأمسكني أنا وابن عمي من رقبتينا من الخلف بشدة. لا تزال رقبتي تؤلمني […] ثم صفعني بظهر يده بقوة شديدة على وجهي. وكان الجنود في الشاحنة يصوبون بنادقهم نحونا. وقال لهم الجندي الذي أمسكنا أن يطلقوا النار علينا إذا حاول أحد الهرب”.
قال ابن عمه: “أوقفونا إلى الحائط وأيدينا خلف رؤوسنا. وكانوا يضربون كل من يتحرك، صفعوني مرتين. كان بعضهم يقول، ستذهبون إلى رئيسكم المحبوب، ماهر الأسد، [قائد] الفرقة الرابعة. بدأ أحد الرجال بالبكاء لأنه تم تعذيبه طوال أربع سنوات من قبل الفرقة الرابعة”.
قال الرجل الذي رُحِّل إثر المداهمة في جونيه إن الجنود عصّبوا عينيه وأعيُن مرحَّلين آخرين بعد وضعهم في شاحنات متجهة إلى الحدود اللبنانية-السورية. عند معبر المصنع، صعد جنود إلى الشاحنات وأخذوا يضربونهم. أضاف: “صفعني أربع مرات، ثم ضربني بيديه كلتيهما. وضربوا الرجل بجانبي. ضربوا جميع من كانوا في الصف الأخير [في الشاحنة]”.
بعدما أوقف الجيش اللبناني الرجل وامرأته وأولادهما، كبلوا أيدي الأب، والأم، وطفلهما البالغ من العمر 17 عاما بقيود بلاستيكية. وعند آخر نقطة تفتيش للجيش اللبناني في المصنع، رأى الجنود يضربون ابنه. قال: “بدأ الجندي يضربه. صفعه بقوة خمس مرات، ثم اقترب جنديان آخران يحاولان ضربه”.
أفاد شخصان أيضا بأنهما تعرضا لسوء المعاملة بعد تسليمهما إلى الفرقة الرابعة السورية. قال أحدهما: “بعدما سلّمونا للفرقة الرابعة، عاملونا [الفرقة الرابعة] بطريقة سيئة جدا. قالوا لنا ’يا حيوانات‘، وسبّوا أمهاتنا… وضربوا الناس بالبنادق. ركلونا. كنا مجبرين على فعل ما يقولون. سألونا، ’ماذا لو اتصلنا بأبيك وقلنا له إنك متَّ؟ ماذا لو ذهبت لتقاتل في إدلب؟‘”.
ميادين – هيومن رايتس ووتش