هل هي علامات صحوة أوروبيّة؟

ما الذي سمعه رئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون، من زعماء الصين، ليطلق تصريحه غير المسبوق بدعوة أوروبا إلى انتهاج سياسة مستقلة عن واشنطن، والنأي بنفسها عن مواجهة مع الصين، وهل تراه اختار، قاصداً، أن يدلي بهذه الأقوال إلى مجلة أمريكية بالذات، هي مجلة «بوليتيكو»، على متن طائرته الرئاسية، في طريق عودته من بكين، لتكون الرسالة التي أراد إيصالها أبلغ وأشدّ وقعاً، وتصل مباشرة إلى آذان من يعنيهم الأمر في البيت الأبيض ودوائر صنع القرار في واشنطن؟

لم يكتف ماكرون بهذا التصريح، ففي مقابلة لاحقة مع صحيفة فرنسية أعاد دعوته أوروبا إلى «الاستيقاظ»، مضيفاً «أولويتنا ألّا نتكيّف مع أجندة الآخرين في مختلف مناطق العالم»، بل وأكثر من ذلك، اعتبر أن ما وصفه ب«الاستقلال الاستراتيجي» هو «معركة أوروبا»، محذراً من أن «تسارع الاحتكار الثنائي»، الصيني الأمريكي، قد يؤدي إلى خسارة «الوقت والوسائل».

هذه الدعوة الفرنسية التي يصحّ أن نطلق عليها «الحكيمة»، قيلت مراراً على هيئة نصيحة قدمت إلى أوروبا من جهات عدة، تنشد استقرار الوضع الدولي، وتجنّب مواجهات دولية ستكون مدمرة للجميع، من دون استثناء، وستكون أوروبا، بالذات، هي أكبر الخاسرين، ولكن هذه النصيحة لم تجد لها آذاناً صاغية، خاصة بعد أن توسع «الناتو»، ودخل إليه كل من هبّ ودب، من دول صغيرة، خاصة من شرق أوروبا، محكومة بعقدة «الشبح الروسي»، ولو كان في مواقع القرار الأوروبي عقلاء يزنون الأمور بحكمة ورويّة ما كان للنزاع في أوكرانيا أن يتوسع ويتفاقم، بل كان بالإمكان تجنب اندلاعه لو جرى احترام اتفاقات مينسك من قبل واشنطن والعواصم الأوروبية، وصنائعهم في كييف.

أضاع الأوربيون فرصة سانحة للاستقلال بقرارهم عن واشنطن، حين اختار الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، النأي ببلاده عن الدعم المطلق لما يوصف ب«أمن أوروبا»، والتركيز على وضع الداخل الأمريكي، وعزز هذا النهج بتقارب مع موسكو لتفادي المواجهة، لكن صيحات الفزع تصاعدت يومها في العواصم الأوربية، التي احتفى زعماؤها بعودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، ومعه نهج المجابهة مع موسكو ليصل إلى اندلاع حرب أوكرانيا التي أضرت بأوروبا، وباقتصادها، بالذات، فيما أمريكا بمنأى من مخاطرها، وهي التي تواصل تسعيرها.

العبرة في الأفعال لا في الأقوال، لذا علينا الانتظار لنرى ما إذا كانت دعوات ماكرون ستتحول إلى نهج استراتيجي أوروبي جديد، وليست مجرد أقوال أطلقت على متن طائرة في السماء الفاصلة بين بكين وباريس.

حسن مدن

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

يرحم الله الرحماء.. فلنكن رحماء.. عن المغرب وليبيا نتحدث

لم يمضِ يوم واحد على الزلزال المريع الذي ضرب المغرب في العاشر من سبتمبر العام الحالي 2023 والذي وقع ضحيته الآلاف من الضحايا.. حتى فوجئ العالم بخبر سيلٍ جارف ضرب ليبيا وخلّف بدوره الآلاف من الضحايا والمنكوبين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
28 + 26 =