المعركة الاعلامية او الوجه الاخر للحرب هنا أوكرانيا المتحضرة… ولا بواكي للعراق وسوريا

طبعا لقد علمتنا الازمات المتعاقبة في العالم الثالث انه لا بواكي للمستضعفين و المهمشين ,و ان أطفال العامرية و اطفال غزة و اطفال البوسنة و اطفال اليمن و سوريا و غيرهم ليسوا كاطفال اوكرانيا الذين يهددهم بوتين باللجوء , و ليس في هذه المقدمة ما يعني أن ما اقدم عليه بوتين مبرر و لكن الاكيد ان في تعاطي المجتمع الدولي مع حق الامم و الشعوب في الامان و الاستقرار يخضع لسياسة المكيالين و ما هو مكفول و مضمون للبيض و المتحضرين غير ممكن لغيرهم من اصحاب البشرة الداكنة و السمراء و اصحاب الهويات الافريقية و الشرق اوسطية فهؤلاء غير متحضرين و لا نعرف ما هي حدود مصلكح العالم المتحضر و غير المتحضر او كيف تقبل حقوق البشر في الحياة ان تخضع للمزايدات و ان تمنح لشعب دون اخر …

كما أن لكل الحروب سواء كانت خاطفة او طويلة ضحاياها و هم غالبا من المدنيين الذين يدفعون ثمن اخطاء و جشع و صراعات السياسيين و العسكريين , فان لكل الحروب العسكرية الميدانية وجه أخر يتمثل في الحرب الاعلامية التي ترافق المعارك في مختلف تطوراتها و التي غالبا ما يستند اليها المؤرخون و الباحثون و الدارسون لتدوين الاحداث و تسجيلها و قد تكون تلك الاحداث لكشف الحقائق التاريخية او كذلك لتزويرها و تزييفها ,و الحقيقة أن احدث هذه الحروب التي تسجل اليوم بين روسيا و بين اوكرانيا و حلفائها في الغرب و التي يتابع العالم تطوراتها لم تخرج عن هذه الدائرة .

-سقوط القناع

وقد اسقطت هذه الحرب القناع عن الوجه الحقيقي للاعلام في الغرب وفرضت هذه الحرب التي تدخل يومها الخامس جملة من نقاط الاستفهام حول موضوعية و مصداقية الحرب الاعلامية المرافقة لها ,ندرك جيدا أنه لا مكان للاخلاق والقيم في لعبة المصالح و الحروب و أن ما فرضته اتفاقيات جنيف الرابعة في هذا الصدد بشأن احترام حقوق الاسرى و ضمان حماية المدنيين و سيارات الاسعاف ليست سوى تجميلا لواقع قبيح و فظيع بعد فشل الخيارات الديبلوماسية و الانسياق وراء التصعيد و لعبة السلاح و مع ذلك فان في التعاطي الاعلامي لفئة من الاعلاميين و لا نقول كل الاعلاميين في الغرب مع هذه الحرب يؤكد ازدواجية المعايير في التعاطي الاعلامي للغرب مع هذه الحرب .

طبعا لسنا في اطار استعراض لمبرارات هذه الحرب التي لجأ اليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ,و سواء كان الدب الروسي يحلم باستعادة امجاد الاتحاد السوفياتي الذي تفكك او سواء كان يبحث عن ضمان امنه القومي و التصدي لتهديدات الحلف الاطلسي على ابوابه عبر بوابة اوكرانيا أو سواء ايضا وقع في فخ الناتو و وقع على سقوطه في مستنقع اوكرانيا الذي سيمنح الغرب كل الاسباب لمحاصرته وخنقه اقتصاديا قبل تركيعه لإحقا فان الواضح حتى الان ان اللعبة الاعلامية المرافقة لهذه الحرب اسقطت الكثير من الاقنعة التي طالما روجت لحياد و استقلالية السلطة الرابعة في التعاطي مع الاحداث .

لا خلاف أنه لا حياد مع القضايا السيادية للاوطان و لا مكان للحياد في التعاطي مع قضايا الارهاب الا ان ما أقدم عليه عدد من المراسلين الاوروبيين و الامريكيين على قنوات يفترض انها تحترم الحد الادنى من اخلاقيات المهنة مثير للاشمئزاز ليس لانهم اعلنوا العداء للدور الروسي فهذا من حقهم و ليس لانهم نقلوا ما يحدث على الارض من معارك فهذا ايضا من حقهم حتى و ان لم يكن نقل الحقائق متكاملا و لكن لاسباب تتعلق بتجاهل و اسقاط القيم الانسانية التي يدعي الغرب تبنيها والدفاع عنها و التي تنتصر للمساواة بين البشر .

ولاشك انه عندما يخاطب مراسل قناة سي بي اس المشاهدين بخطاب يشدد على ان ما يحدث في اوكرانيا يتعلق بمواطنين ينتمون لعالم متحضر و ليسوا مثل الاجئين في شمال افريقيا وفي العراق وافغانستان فان في ذلك توجه عنصري مفضوح و بغيض , وعندما تصرخ مراسلة مخاطبة العالم الحر بان ما يحدث في دولة من القرن الواحد و العشرين و ليست العراق او افغانستان فان في ذلك ايضا نظرة متعالية تنم عن سقوط اخلاقي بلا حدود وانه عندما يقول مراسل صحفي مخاطبا مواطنيه “انظروا الى لباسهم و سياراتهم انهم مثلنا مثل أي عائلة اوروبية فان في ذلك ايضا دعوة صريحة لتبرير قتل الافارقة و اصحاب البشرة الداكنة ممن يختلفون عن الاوروبيين البيض وعندما تصرخ مراسلة شابة مخاطبة العالم “نعم لقد حصل ما لم يكن احد يتوقعه هذا ليس بلد من بلدان العالم الثالث هذه اوروبا ” فان ترجمة كلامها يعني ليس مهما ان يموت الافارقة ليس مهما ان يموت العراقي واليمني والليبي والصومالي و السوري فحياة هؤلاء لا تساوي شيئا امام حياة الاوروبيين و في ذلك اخطر رسالة يمكن ان يمارسها الاعلام وهي ربما تتجاوز خطرالحرب ذاتها لان فيها عقلية عنصرية لها تداعياتها على العلاقات بين الشعوب في العالم ..

وحتى نكون اكثر دقة و ننسب ما لقيصر لقيصر فالكلام صدر عن تشارلي داغاتا مراسل “سي بي اس” مكتب لندن والذي قال “لا تتوقع أن ترى في أوكرانيا نوع الصراع العسكري الذي ابتُلي به الشرق الأوسط.” متحضرة وأوربية نسبيًا مقارنة بدول مثل العراق وأفغانستان.وأضاف: “هذا ليس مكانًا – مع كل الاحترام الواجب – مثل العراق أو أفغانستان، حيث يدور صراع محتدم منذ عقود، هذه مدينة حضارية وأوربية نسبيًا.”

-اعتذار ولكن

صحيح ان المراسل عاد و اعتذر بعد حملة استنكار واسعة عبر المواقع الاجتماعية قائلًا: “لقد تحدثت بطريقة آسف لقولها،” مضيفًا أنه كان يحاول إيصال أن أوكرانيا لم تشهد “هذا الحجم من الحرب” في السنوات الأخيرة، على عكس البلدان الأخرى و لكن في موقفه ما يعكس الكثير عن نظرة الغرب و اعلام الغرب عندما يتعلق الامر بدول العالم الثالث , اما زميلته كيلي سوبيلا مراسلة” ان بي سي ” فقالت مخاطبة الملايين في العالم “هؤلاء ليسوا لاجئين عراقيين أو سوريين , وأضافت: “هؤلاء لاجئين من الجارة أوكرانيا وهذا بصراحة سبب استقبالهم في بولندا هم مسيحيون وبيض ويشبهون سكان بولندا بشكل كبير.”..الى جانب ذلك فقد نقلت بعض الصور التي لم ينتبه لها أصحاب القنوات الغربية كيف منع شبان افارقة من امتطاء القطار وهم يحاولون الهروب من الجحيم ,و كيف تم انزال اخرين من العربات و ابعادهم لا لشيء الا لان بشرتهم داكنة و مختلفة ..

نعم لكل الحروب ضحاياها وبين الضحايا الحقيقة التي قد تضيع في محاولات تزوير التاريخ و تزييفه استباقا لمحطات قادمة يدركها جيدا المتوثبون الذين يتقنون قراءة الاحداث و استباقها خلال و بعد كل الصراعات و الحروب التي يتحول فيها المدنيون من نساء و اطفال و لاجئين الى وقود ا في قبضة معركة خطط لها الحكام المتناحرون لاعادة رسم الحدود او اعادة فرض المصالح الاستراتيجية فرضت عليهم و لم يكن لهم فيها رأي او دور لكل حرب وسائلها الدعائية في التاثير على الراي العام و التاثير على صناعة القرار التي قد تختلف من زمن الى اخر باختلاف و تطور الالة الدعائيةو اللوبيات المتداخلة و المتحكمة في الاعلام

-منع وسائل الاعلام الروسية

وفي مسارالحرب الاعلامية ايضا فقد اعلنت ارسولا فون دير المفوضية الاوروبية منع بث كل من قناة “روسيا اليوم و” سبوتنيك “معتبرة ان الاتحاد الاوروبي لن يسمح للالة الدعائية للكرملين بنشر الانقسامات داخل الاتحاد

وأن هدف التحالف الأوروبي لا يسمح بنشر معلومات تقوض مهمته .

صحيفة تلغراف البريطانية لم تتخلف عن المعركة حيث نشرت مقالا يذكر صاحبه “انهم يبدون مثلنا اوكرانيا بلد اوروبي يشاهد مواطنوها نتفليكس و لديهم حسابات انستغرام و يصوتون في انتخابات حرة ..

بعض السياسيين انساقوا في غمرة حماستهم الى المعركة العنصرية و ربما يكون من المهم مستقبلا رصدها و تقديمها للمقارنة .

ليست هذه اول مرة التي تتداخل فيها المعارك العسكرية بالمعارك الاعلامية الحربية , و قد ادركت الولايات المتحدة الأمريكية أهمية الإعلام او السلطة الرابعة في المعارك السياسية و الاقتصادية و لعل اخطرها كان خلال الحرب على العراق ومارافقها انذاك من تحكم في المشهد الاعلامي في تلك الحرب , بل انه ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية كان سلاح الاعلام وازنا وحاسما واستراتيجياً في تحديد مسار الحروب , ودور الإعلام في الحرب يكون في نقل ما يحدث على مستوى جبهة القتال في مرحلة اولى والتاثير على الرأي العام وكسب عقول البشر وقلوبهم من خلال الدعاية والحرب النفسية في مرحلة ثانية ..

في الحرب العالمية الثانية كان للراديو دور فاعل ومؤثر كوسيلة دعائية وفي حرب فيتنام كانت تجسيداً مهماً لدور التلفزيون، أما حرب الخليج الثانية فقد تزامنت مع بداية الفضائيات التلفزيونية التي تمثلت في شبكة “سي إن إن “ثم جاءت الحرب على أفغانستان لتصنع الشهرة الدولية لقناة الجزيرة..

لا احد بامكانه ان ينكر وزن و قيمة الاعلام الامريكي و الاوروبي في تحويل الانظار و توجيه اهتمامات الراي العام الدولي الى صور الدبابات الروسية المدمرة على الطرقات بعد ان كان الاهتمام مسلطا على المخاطر الامنية التي دفعت بوتين الى هذه الحرب …نعم اخطا بوتين عندما لوح بوضع قوة الردع النووي للجيش الروسي في حالى تاهب قصوى فقد حكم على نفسه بذلك ان يخرج من دائرة الدفاع عن الامن القومي الروسي الى دائرة الخطر الداهم لامن و سلامة و استقرار اوروبا ..

اسيا العتروس – كاتبة تونسية

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

خان يونس تتعرض لقصف عنيف.. محكمة العدل الدولية تصدر قرارها الجمعة بشأن فرض إجراءات طارئة ضد إسرائيل إثر اتهامها بجرائم إبادة.. فيديو

قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في غزة إن هناك عددا كبيرا من الضحايا إثر اشتعال النار في مركز يؤوي 10 آلاف نازح في خان يونس بعد تعرضه لقصف إسرائيلي، مؤكدة أن النيران اندلعت في مباني المركز، وأن الإصابات عديدة والناس محاصرون والاحتلال يمنع الوصول الآمن إلى المكان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
11 − 2 =