بعد 20 عاماً من اجتياح العراق … جريمة بدون مجرم.. مأساة شعب وحطام أمة

كيف يمكن احتساب عشرين عاما من الاحتلال من عمر الشعوب , هل يكون بعدد الصواريخ والقنابل التي انهالت عليه أم بعدد ضحاياه من المدنيين ومن النساء و الشيوخ والاطفال أم بعدد ما هدم من مدارس و جامعات و منازل وما تفجر من مساجد ومن دورالعبادة أم بعدد ما نهب من ثرواته و متاحفه أم يكون بما تسبب فيه الاحتلال من دمار و خراب و من تراجع و افلاس للعراق و لشعوب المنطقة التي تحولت الى حطام ؟

الاكيد أن من انتهك حرمة العراق الذي كان بقرار امريكي ودعم بريطاني واخترق سيادته غير معني بهذا الطرح ولا يبدوأن الادارات الامريكية المتعاقبة من الجمهوريين أوالديموقراطيين تتجه الى الاعتراف بالمسؤولية عما حدث و يحدث في العراق أوالاقرار بان خطرأسلحة الدمارالشامل كان كذبة ستتضح لاحقا بهدف تدمير العراق والدفع الى تقسيمه و اخضاعه للطائفية البغيضة بعد ان وجدت ايران الارضية مهيأة للانتقام من العراق والدفع بملايين الايرانيين الشيعة بعبور الحدود العراقية والهيمنة على المشهد ..

قبل يومين أصدرت الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدعوى ارتكاب جرائم حرب في حق اطفال اوكرانيا …وكان يمكن أن يكون لهذه الدعوى معنى و يكون للجنائية الدولية مصداقية لو انها لاحقت من تسبب في مقتل و تشريد و ضياع ملايين الاطفال العراقيين والسوريين و الافغان و اليمنيين و السودانيين والفلسطينيين الذين لم يعرفوا غير الاحتلال و الهوان و التصفية العرقية و القتل البطيئ …

-هكذا بدأ الدمار

في العشرين من مارس 2003 وعند الساعة 5:35 فجراً، بدأت الحرب، وأطلق عليها الأميركيون اسم «عملية حرية العراق” و في التاسع من افريل 2003 انتهت العملية …تم نشر نحو 150 ألف جندي أميركي و40 ألف جندي بريطاني في العراق للشروع في عملية عسكرية واسعة رافقتها مات المظاهرات الاحتجاجية في العالم ضد الحرب …ثلاثة اسابيع كانت كافية لانهاء الحرب وحسم مصير العراق وحسم مصير النظام العراقي والسيطرة على بغداد، ومنذ ذلك التاريخ لم يتم العثورعلى أي اثرلاسلحة الدمارالشامل التي تحدث عنها توني بلير و رامسفيلد وغونداليزا رايس وجورج بوش الابن عندما حذروا من على منبر الامم المتحدة أنها اسلحة ستدمرالعالم خلال ثلاثين دقيقة …كانت حربا جوية بامتياز نقلت تطوراتها شبكة سي ان ان لحظة بلحظة , وبعد 24 ساعة وصلت الغارات إلى القصر الرئاسي…في 25 مارس، عَبَر 4 آلاف جندي من المارينز مدينة الناصرية، النقطة الأساسية في الطريق نحو بغداد، التي لا تزال تبعد 370 كلم، عابرين نهر الفرات…

في الرابع من أفريل، بينما تحدى صدام الغزاة بنزوله في حي سكني، وإلقائه التحية على السكان.في 7 أفريل، استولى التحالف الدولي على 3 قصور رئاسية في بغداد.

في التاسع من أفريل، انهار النظام. وبقيت صورة إسقاط تمثال ضخم لصدام في وسط بغداد عالقة في الذاكرة.

انتُزِع التمثال بدبابات أميركية من قاعدته، ثم داس عليه العشرات من العراقيين الفرحين أمام الكاميرات وأنظار العالم كله. ..

شبَّه وزيرالدفاع الأميركي في ذلك الوقت، دونالد رمسفيلد، الحدثَ بـسقوط جدار برلين. ..غرقت بغداد في الفوضى, على وقع عمليات السلب و النهب للوزرات و المتاحف والمؤسسات و القصور الرئاسية لم يكن المتحف الوطني في العاصمة الذي يضم 7 آلاف عام من التاريخ، بمنأى عن عمليات النهب…

سقطت كركوك والموصل، أكبر مدن الشمال، دون مقاومة، بيد الأكراد الذين انسحبوا بعد ذلك لصالح الأميركيين. ثم استسلمت تكريت ، معقل صدام.

في الأول من ماي أعلن الرئيس الأميركي من على متن حاملة الطائرات في كاليفورينا نهاية المعارك، ..اختفى الرئيس العراقي صدام حسين عن الأنظار لأشهر، رغم أن واشنطن أعلنت، في جويلية تخصيص 25 مليون دولار جائزةً لمن يعثرعليه.

بعد مطاردة استمرت 9 أشهر تم اعتقال الرئيس العراقي في 13 ديسمبر 2003، بعد العثورعليه مختبئاً في حفرة بقبو مزرعة قرب تكريت…ظهرالزعيم الذي حكم العراق بقبضة من حديد في مظهر يرثى له …تعددت الروايات و ذهب البعض الى ان حارسه من وشى به …أعدم صدام بعد محاكمة صورية فجر عيد الاضحى في 30 ديسمبر 2006 …وغرق العراق في الفوضى والتفجيرات الارهابية والصراعات الطائفية ..

-عندما تبخرت اسلحة الدمار الشامل

مطلع أكتوبر2003، أكد تقريرلمفتشين دوليين عدم العثورعلى أسلحة دمار شامل…لم يعرف أبدا عدد الضحايا العراقيين وعديد التقارير تتحدث عن مليون ضحية جراء الحرب .

حين أنهت القوات الأميركية انسحابها من العراق، في ديسمبر2011، بعد 8 سنوات و9 أشهر، كانت حصيلة النزاع هائلة.من حرب الشوارع في الفلوجة، وصولاً إلى الاقتتال الطائفي والانتهاكات في سجن أبو غريب، تواترت الصدمات على الشعب العراقي و تواترت الخروقات والتهديدات للمنطقة التي ستتحول الى حطام على مدى السنوات ..بين 2003 و2011، قُتِل أكثر من مائة ألف مدني، بحسب منظمة ضحايا حرب العراق فيما أعلنت الولايات المتحدة عن 4500 قتيل في صفوف قواتها وطواقمها.ولكن تبقى الحصيلة النهائية غير معلومة و كأن ضحايا الحرب الامريكية في العراق لا يستحقون كشف الحقائق المنسية …

في ماي 2022، أثارالرئيس الأسبق، جورج بوش، ضحك الحضور بزلة لسان وقع فيها أثناء حديثه عن أوكرانيا، مندداً بـ«الغزوغيرالمبرر إطلاقاً والوحشي للعراق”…زلة لسان ولكنها تعكس ما يخالج نفس صاحبها من دعا واطلق الحرب المدمرة في العراق …منحت أمريكا جنودها الحصانة من الملاحقة ومنعت المتورطين في الحرب المدمرة على العراق المسائلة أو المحاسبة …

سقطت كل دروس العراق وكأن ما حدث لا يفترض اعادة قراءة ظروف وملابسات تلك الحرب التي تكاد نتائجها تقرأ على شوارع العراق التي غرقت في صراعاتها الطائفية والاقتتال بين السنة والشيعة والتي سيفاقمها ظهور الجماعات المسلحة ودواعش العصر…أكثر من سبع مائة عملي تفتيش قامت بها فرق الهيات الدولية شملت كل المواقع ولم تعثر على اثر لاسلحة الدمارالشامل …

-من العراق الى القوة الغاشمة

نشرت صحيفة «الفايننشال تايمز» البريطانية تقريرا أمس بعنوان “حرب العراق تركت المجتمعات الغربية دون تغيير”، يذكرالتقرير إنه بعد 20 عاما من حرب الولايات المتحدة وحلفائها على العراق عام 2003 لم تتغير المجتمعات والسياسات الغربية أيضا، والدليل أنه بعد حرب العراق بثماني سنوات تقريبا كانت هناك حرب أخرى في ليبيا في 2011…

كما أن الدول الغربية مازالت تستخدم القوة الغاشمة في العالم، على الرغم من النتائج المدمرة للحرب التي مازال العراق يدفع ثمنها وعلى الرغم من أن المنطقة كلها تدفع الثمن، الذي من جوانبه صعود تنظيم “داعش “الإرهابي وإطلاق يد إيران في المنطقة…

في العام 2023، لا يزال العراق بعيداً عن الديموقراطية التي تطلع اليها و راودته قبل 20 عاماً، فالنزاعات الدامية والفساد وعدم الاستقرار هيمنت على البلد الذي بات تحت تاثير ايران ..

و بدل البحث عن اسلحة الدمارالشامل اصبحت المهمة في العراق مرتبطة بنشر الديموقراطية … لكن الولايات المتحدة كانت تجهل كلّ شيء عن العراق.و الجيش الامريكي لم يفهم لا طبيعة المجتمع العراقي ولا طبيعة النظام الذي أطاح به.

لقد فتح الغزو الباب أمام سلسلة من الأحداث والهجمات الدامية التي ستشكل الشرارة في اندلاع حرب طائفية ووقوع أعمال عنف غير مسبوقة استمرّت حتى العام 2008…لكن الخطر الاكبرالذي تعرّض له العراق، كان سيطرة تنظيم “داعش” على مناطق واسعة من البلاد في صيف العام 2014 شملت نحو ثلث مساحة العراق، وانتهت أواخر العام 2017 عندما أعلنت بغداد “الانتصار” العسكري على التنظيم المتطرّف بعد معارك ضارية.

بالمحصلة انهارت مؤسسات الدولة و تم حل الجيش و حزب البعث وأصبح العراق يعيش حالة فوضى هدامة و لم تكن خلاقة كما روجت لذالك وزيرة الخارجية غونداليزا رايس …و تحول النفط الى لعنة بعد ان كانت مصدر ثراء و نعمة على العراق , وتوترت العلاقات بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي ويسعى للمزيد من الصلاحيات، خصوصاً بشأن ملفّ صادرات النفط التي تخرج من الإقليم…

يحتل العراق اليوم المرتبة 157 من بين 180 دولة من أكثر الدول فسادا في العالم، وفقا لمنظمة الشفافية الدولية…و العراقيون يعانون من انقطاع في التيار الكهربائي لساعات طويلة كل يوم وغياب شبكات توزيع المياه الصالحة للشرب، وانتشار الفقر الذي يضرب ثلث سكان العراق البالغ عددهم 42 مليوناً ، يعاني البلد على الرغم من احتياطاته النفطية الهائلة من بنى تحتية متهالكة…

يبدو المشهد العراقي على درجة من القتامة في ظل منطقة ملتهبة أو بالاحرى حطام امة ما انفكت تفرط في مقومات سيادتها و تتحول الى ساحة مفتوحة لكل التدخلات والخروقات التي لن يكتب لها أن تزول قبل عودة الوعي المفقود وانهاء نزيف الشعوب المستمر و الاقتتال الدموي والانهاك للعقول المجمدة والافكار المصادرة …

الحديث عن ملاحقة الجناة و من اجرموا في حق العراق وفي حق شعبه وكل شعوب المنطقة مسألة غير مطروحة اليوم في عالم تقوده العولمة المتوحشة و لكنه متروك للاجيال القادمة التي يتعين أن تقرر ما سيكون عليه عراق كل العراقيين …

اسيا العتروس – كاتبة تونسية

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

العراق سوء طالع ..أم سوء إدارة

كما يمتاز بوفرة المياه الجوفيّة المتجددة، التي يتجاوز مخزونها الخمسة مليار متر مكعّب، يُضاف إليها مياه نهري دجلة والفرات وروافدهما . كما يملك العراق مواقع سياحية ذات قيمة حضارية دولية , ومراقد ومزارات دينية لمختلف الأديان والطوائف يؤمها ملايين الزوار سنويا على مدار العام..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
24 ⁄ 8 =