“ستينية” الاستقلال تكرس التناغم بين الرئاسة والجيش في الجزائر

سعى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لاستثمار مناسبة احتفال الدولة بذكرى تأسيسها الستين، لتوجيه جملة من الرسائل للداخل والخارج، لاسيما حول العلاقة القائمة بين السلطة السياسية والمؤسسة العسكرية، والتي كثر حولها الجدل في الآونة الأخيرة.

تبادل الرئيس عبدالمجيد تبون، وقائد أركان الجيش الفريق سعيد شنقريحة، رسائل ودّ بمناسبة الاحتفالات الجارية بالذكرى الستين لاستقلال البلاد، مما يكرس حالة التناغم بين مؤسستي الرئاسة والجيش، ويبعد الرهان على ما يتردد في أوساط ضيقة من خلافات بين الطرفين وصراع بين أجنحة السلطة.

تبادل رسائل ود بين تبون وشنقريحة لقطع الطريق على المشككين.

ودعا الرئيس الجزائري، في كلمة تضمنتها افتتاحية مجلة “الجيش” (لسان حال المؤسسة العسكرية الجزائرية)، إلى تمتين الجبهة الداخلية وإلى تماسك صفوف الجزائريين، لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية والأخطار المحدقة بالبلاد، واعتبر “لمّ الشمل” آلية طبيعية لتحقيق اللحمة المنشودة بين مؤسسات الدولة ومفاصلها.

و”لمّ الشمل” هي مبادرة سياسية أطلقت خلال الأشهر الأخيرة من أجل استقطاب رموز المعارضة السياسية المتواجدين في المهجر، في إطار طبعة جديدة من مسلسل المصالحة الوطنية المفتوح منذ العام 2005، ولم يتم إلى حد الآن الكشف عن تفاصيلها ولا آلياتها، واكتفت الخطابات المسوقة لها بالحديث عن روحها ومعالمها الأساسية فقط.

ويبدو أن السلطة في البلاد بصدد استغلال الرمزية التاريخية للذكرى الستين للاستقلال الوطني، من أجل تمرير أجندتها السياسية وإطلاق رسائلها للرأي العام الداخلي والخارجي، خاصة وأنها خصت الذكرى باستعراض عسكري ضخم تطلب غلقا جزئيا للمجال البري والجوي للعاصمة من الأول إلى السادس من يوليو الجاري.

السلطة الجزائرية تستغل الرمزية التاريخية للذكرى الستين للاستقلال الوطني، من أجل تمرير أجندتها السياسية

وذكر الرئيس تبون في افتتاحية مجلة الجيش “في هذه الذكرى المجيدة التي نستحضر فيها بطولات أسلافنا ونحيي ذكرى مقاومات شعبنا وانتصاراته، أدعو الشعب الجزائري في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخنا إلى لم الشمل ورص الصفوف وتوحيد الجبهة الداخلية، قصد كسب معركة التجديد التي نخوضها لكسب الرهانات وتحقيق تطلعاتنا وغايتنا المنشودة في جزائر قوية، شامخة مثلما أرادها شهداؤنا الأبرار”.

وشدد على “تمسك القيادة السياسية للبلاد بالطابع الاجتماعي للدولة مهما كانت الظروف، تماشيا مع مبادئ ثورتنا وبيان أول نوفمبر”، مبرزا “الإصلاحات الرامية إلى إنعاش الاقتصاد الوطني، من خلال تسريع تنميتها وتنويع صادراتنا خارج المحروقات، وهـو ما سينعكس إيجابا على الجانب الاجتماعي للمواطنين”.

وتابع “كما تأتي الإجراءات التي اتخذتها مؤخرا ضمن هذا التوجه، سواء ما تعلق بتحسين الوضع الاجتماعي لمواطنينا، حيث استفاد في هذا الإطار أكثر من مليون من شبابنا من منحة البطالة كحل ظرفي في انتظار توفر فرص عمل تمكنهم من ولوج عالم الشغل، وهو ما سيأتي حتما كنتيجة للسياسة المنتهجة في مجال التنمية الاقتصادية، أو بشأن تحسين القدرة الشرائية للجزائريين من خلال رفع رواتب الموظفين في حدود ما تسمح به الإمكانيات المالية للدولة”.

وتبدو رسالة الرجل الأول في الدولة جلية للشارع الجزائري، للالتفاف حول الخيارات الحكومية القادمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي يترجم مخاوف السلطة من ارتدادات مرتقبة لقانون مراجعة آليات الدعم الشامل، ولذلك فهو يبحث عن تأييد للمشروع من خارج المؤسسات الرسمية، ليمتد إلى الطبقة السياسية والمجتمع المدني والشارع الجزائري بشكل عام.

وفي تلميح إلى التكامل السائد بين مؤسستي الرئاسة والجيش، ودحض ما يتردد حول خلافات وصراعات بين أجنحة السلطة، أعرب الرئيس تبون عن إشادته بما أسماه “الدور الفعال والريادي للجيش الوطني الشعبي، في مجال إعطاء دفع للصناعات الوطنية عبر المساهة بفعالية في المجهود الوطني لترقية وتطوير الاقتصاد الوطني، والتركيز في المرحلة القادمة على تعزيز النسيج الصناعي الوطني وتطوير الصناعات العسكرية، على نحو يمكّن من استحداث مناصب شغل لشبابنا والتوجه للتصدير، بعد تلبية احتياجات السوق الوطنية”.

رسالة تبون تبدو جلية للشارع الجزائري، للالتفاف حول الخيارات الحكومية القادمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي يترجم مخاوف السلطة من ارتدادات مرتقبة لقانون مراجعة آليات الدعم الشامل

وتعهد الرئيس الجزائري بـ”مواصلة مسار تطوير قدرات الجيش على كل الأصعدة، من خلال مواصلة تنفيذ برنامج تطوير القوات المسلحة، ومن ثم الرفع من قدراتها القتالية وجاهزيتها العملياتية، من أجل مواكبة المستجدات التكنولوجية المتسارعة، وسأواصل إيلاء أهمية قصوى للتكوين في الجيش الوطني الشعبي، بما يترتب على ذلك من تحسين مستمر للبرامج المعتمدة في مجال التكوين والبيداغوجيا، وكذلك تكييف مختلف طرق التعليم في مختلف مدارس الجيش الوطني الشعبي، لتواكب التطورات المسجلة في المجال التكنولوجي”.

وفي تبادل لرسائل الغزل بين رأسي المؤسستين، ذهب الرجل الأول في مؤسسة الجيش الفريق سعيد شنقريحة في نفس الخيار، وعبّر عن ذلك في رسالته بمناسبة الستينية بالقول “الجزائر تطمح في المرحلة القادمة لولوج الأسواق الإقليمية والدولية من خلال الصناعات العسكرية، من منطلق أن الأمن والاقتصاد ثنائية متلازمة يعمل الجيش على تطوير الصناعات العسكرية والمساهمة في الحفاظ على النسيج الصناعي الوطني”.

وأكد أن “المعركة الحيوية التي يتعين على شباب الجزائر خوضها وكسب رهانها هي معركة الوعي التي تعد مصيرية وخطيرة، وذلك من خلال التسلح بالقيم الوطنية الأصيلة والحفاظ على أمانة الشهداء”، داعيا إلى “الحفاظ على المكتسبات الثمينة المحققة على أكثر من صعيد والانخراط بقوة في مشروع النهوض بالوطن وتحويل مشروع الجزائر الجديدة إلى واقع ملموس”.

وتابع “نحيي الذكرى الستين للاستقلال بمنتهى الفخر، ونقف إجلالا وعرفانا للأسلاف الذين قدموا تضحيات لا تقدر بثمن كعربون للحرية والانعتاق من استعمار استيطاني بغيض، منذ المقاومات الشعبية مرورا بالنضال السياسي إلى ثورة التحرير المجيدة”.

ولفت إلى أن “قناعة من الشعب بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، خاض شعبنا ثورة ملحمية من بين أعظم الثورات في المعمورة ضد الاحتلال، إذ كسرت الثورة شوكة الاستعمار الفرنسي وأحبطت كل مخططاته الجهنمية، فثورة نوفمبر جسدت ملحمة بطولية فريدة من نوعها في تاريخ الإنسانية”.

وأشار شنقريحة إلى أن “القيادة العليا للجيش بذلت مجهودات مضنية على نهج عصرنة وتحديث قدرات قوام المعركة في ظل دعم رئيس الجمهورية وزير الدفاع الوطني لبلوغ الأهداف المسطرة. في ظل انشغالنا الدائم بعصرنة قوام المعركة لقواتنا المسلحة تمكنّا بفضل عمل دؤوب من قطع أشواط كبيرة لبلوغ أقصى مستويات الجاهزية، التي تمكننا من مواجهة أي تهديدات مهما كان نوعها وطبيعتها ومصدرها”.

صابر بليدي – صحافي جزائري

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

الدين والدولة في المغارب

يخيّل إليّ أن النقاش الفكري والسياسي، الذي خيض في الدول المغاربية منذ فترات الاستقلالات الوطنية الأولى، عن علاقة الدولة الوطنية بالدين الإسلامي، لم ينبن على أي أساس ديمقراطي، بل هو بالأساس تحكّمي تمنطق بالشرعية التي فازت بها القوى السياسية والمسلحة التي كافحت من أجل الاستقلال ومن إملائها، في بعض الحالات، بالقوة التحكّمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
15 + 28 =