ما الذي يمكن أن يفعله مارك زوكربيرغ كأقوى رجل غير منتخب في الولايات المتحدة؟

في يوم الخميس 3 سبتمبر/أيلول، أعلن مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، “خطواتٍ جديدة لحماية الانتخابات الأمريكية”. وتشمل حظر الإعلانات السياسية الجديدة في الأسبوع الذي يسبق يوم الانتخابات، وإرفاق وسوم بالمشاركات التي تحتوي على معلومات مضللة، خاصةً تلك التي تتعلق بفيروس كورونا ومنشورات السياسيين التي تعلن فوزهم قبل الانتهاء من احتساب جميع النتائج.

ويمكن للمرء، وسيفعل الكثيرون، مناقشة مدى فعالية هذه التدابير في منع فوضى ليلية الانتخابات في ظل الجائحة (وحتى هذه اللحظة، يظل وسم “المنشور المضلل” المنتظر على فيسبوك غامضاً، لدرجة أنه يسبب ارتباكاً إضافياً للناخبين. كذلك، يتجاهل حظر الإعلانات السياسية الجديدة قبل أسبوع من التصويت، الكميات الهائلة من المعلومات المضللة التي يتعرض لها الأمريكيون عاماً بعد عام). ولكن ما يبدو محلاً لاتفاق الجميع هو مدى تغلغل فيسبوك في نسيج الديمقراطية.
وذكّرتني قراءة مدونة حماية الانتخابات للسيد زوكربيرغ بجملة من مقال مهم نُشر في عام 2017 للصحفي ماكس ريد. فقبل ثلاث سنوات، صُدم ريد بتعهد مماثل من السيد زوكربيرغ “لضمان نزاهة” الانتخابات الألمانية. وكتب أن الالتزام كان مثيراً للإعجاب، لكنه أيضاً اعتراف ضمني بقوة فيسبوك الهائلة، “إنه إعلان بأن فيسبوك يدعي مستوى من السلطة مماثلاً لسلطة دولة أو أكبر، كونه كياناً ذا سيادة وذاتي التنظيم فوق الدولة تعمل فيه الدول أنفسها”.
وتتركز هذه السلطة في قرارات رئيسه التنفيذي، الذي له السيطرة على التصويت في الشركة. وإليك كيف وصف كريس هيوز، أحد مؤسسي فيسبوك، قبضة السيد زوكربيرغ الحديدية على الشركة في صحيفة New York Times الأمريكية في العام الماضي:
نفوذ مارك مذهل، ويتجاوز بكثير تأثير أي شخص آخر في القطاع الخاص أو في الحكومة. فهو يتحكم في ثلاث منصات تواصل أساسية، فيسبوك وإنستغرام وواتساب، يستخدمها المليارات من الأشخاص يومياً. ويعمل مجلس إدارة فيسبوك باعتباره لجنة استشارية أكثر منه مشرفاً؛ لأن مارك يتحكم في نحو 60% من القوة التصويتية. ويمكن لمارك وحده تحديد كيفية تكوين خوارزميات فيسبوك لتحديد ما يراه المستخدمون في صفحتهم الرئيسية، وإعدادات الخصوصية التي يمكنهم استخدامها وحتى الرسائل التي تصل إليهم. ويضع كذلك القواعد لكيفية التمييز بين الخطاب العنيف والتشهيري والعدواني فحسب، ويمكنه اختيار تنحية منافس ما من خلال الاستحواذ عليه أو حظره أو استنساخه.
إذا كان وصف السيد هيوز يبدو مبالغاً فيه، فقد يكون ذلك بسبب صعوبة فهم مدى تركز السلطة بهذا الشكل.
أخبرتني سيفا فيدهياناثان، أستاذة الدراسات الإعلامية بجامعة فيرجينيا: “أعتقد أننا نقلل من قوة فيسبوك دائماً. من الصعب حقاً على البشر أن يتخيلوا في رؤوسهم الحجم والتأثير الفعلي لهذه المنصة. فما يقرب من واحد إلى ثلاثة أشخاص يستخدم هذا الشيء. إنه لا يشبه أي شيء رأيناه في تاريخ البشرية. ولست متأكداً من استعداد حتى مارك زوكربيرغ للتفكير في تأثيره. ولست متأكداً من أنه كان ليتمكن من النوم على الإطلاق إذا فكر يوماً في قدر قوته”.
أصبحت قوة فيسبوك الآن ذاتية الاستدامة. ويقدم هذا الأسبوع مثالاً رائعاً على ذلك. ففي يوم الثلاثاء 1 سبتمبر/أيلول، كشف موقع فيسبوك ومنصات أخرى عن عملية سرية تديرها وكالة أبحاث إنترنت مدعومة من الكرملين لزرع الانقسام قبل الانتخابات الرئاسية من خلال إنشاء شبكة من الحسابات والمواقع المزيفة. لكن هذه المرة، وظَّفت الوكالة صحفيين أمريكيين مستقلين دون دراية منهم لإنشاء المحتوى.
لكن هناك طبيعة قاتمة لهذه الأخبار. فقد ساعد النمو غير المسبوق لفيسبوك وسيطرته على سوق الإعلانات الرقمية، إلى جانب جوجل وغيرهما، في تسريع انهيار نماذج الأعمال الصحفية المحطمة. وأدى ذلك إلى اندماج وإغلاق المطبوعات وتسريح الصحفيين في كل مكان. وأدت هيمنة الأخبار على فيسبوك وخوارزميات التوزيع المُتقلِّب إلى ظهور الصفحات والمواقع شديدة التحزب لملء الفجوات والاستفادة من قدرة المنصة على تحقيق الدخل من المشاركة؛ مما أدى بدوره إلى إتاحة وفرة من المعلومات المضللة سريعة الانتشار والمعلومات المضللة التي لم يكن فيسبوك قادراً (أو ربما راغباً) في ضبطها بشكل مناسب.
لقد جعلت مجانية فيسبوك للجميع منه المنصة المفضلة للتلاعب السياسي. ويستخدم هؤلاء الفاعلون السيئون الآن الصحفيين المستقلين الذين فقدوا وظائفهم بسبب انهيار صناعة الإعلام التي ساعد فيسبوك في تسريعه. وفي نهاية المطاف، يتخذ فيسبوك إجراءات لإزالة الجهات الفاعلة السيئة، ويؤكد للبلد التزامه بالديمقراطية ويعزز دوره بوصفه حامي الانتخابات الحرة النزيهة.
يفوز فيسبوك من كل الاتجاهات، فحجمه وقوته يخلقان حالة من عدم الاستقرار، وعلاج ذلك، وفقاً لفيسبوك، هو منح الشركة سلطة إضافية.
هذه الدورة غير مستدامة؛ فقد أظهر هذا الصيف أن المنصة كانت ناقلاً رئيسياً للقوى الأشد زعزعة لاستقرار الحياة الأمريكية. وقد ساعدت في تأجيج المؤامرات حول حركة QAnon الخطيرة. وقد وفرت التنظيم لحركات الميليشيات وضخَّمت دعواتها إلى العمل، التي ارتبطت بحالات وفاة في المدن الأمريكية أثناء الاحتجاجات. كذلك فشلت سياسات الاعتدال في الكشف عن الانتهاكات الصارخة للقواعد المتمثلة في حرمان الناخبين من حق التصويت، ووجدت نظريات المؤامرة التي تنتشر على المنصة طريقها مراراً وتكراراً إلى فم الرئيس ترامب.
ويبدو أن موظفي فيسبوك يفهمون أن الوضع لا يمكن الدفاع عنه ويتحدثون داخلياً ضد قيادة زوكربيرغ. فقد قال أحد الموظفين لموقع BuzzFeed News في الأسبوع الماضي بعد اجتماع للشركة استجابةً لأحداث العنف في كينوشا بولاية ويسكونسن: “يبدو أنه غير قادر حقاً على تحمُّل المسؤولية الشخصية عن القرارات والإجراءات في فيسبوك”.
ومع بقاء شهرين فقط على الانتخابات، ينصب تركيز الأمة على نزاهة العملية الانتخابية. ومع تهديد الرئيس بتقويض نتائج الانتخابات، لا يمكن أن تكون المخاطر أكبر. كذلك كتب زوكربيرغ يوم الخميس 3 سبتمبر/أيلول: “مسؤولية حماية ديمقراطيتنا تقع على كاهلنا جميعاً”.
ولكن ماذا يعني أن تكون إحدى تلك المؤسسات المكلفة بحماية الديمقراطية مبنيةً، في حد ذاتها، بشكل أقرب للديكتاتورية؟
واختتم السيد ريد في نهاية مقاله قائلاً: “لقد نما فيسبوك كثيراً، وأصبح مستخدموه راضين بشكل لا يليق بالديمقراطية”. وتبدو كلماته حكيمة اليوم لأن فيسبوك، الذي لا يخضع لرقابة أو تنظيم الحكومات، يضع نفسه في خط الدفاع الأساسي لحماية تلك المؤسسات.
في البداية، قد يمنح التعهد الانتخابي الأخير لزوكربيرغ شعوراً بالارتياح (فشخص ما، يفعل شيئاً!). لكن خطته هي الاعتراف بامتلاك قوة عظمى من شأنها أن تجعل الأمريكيين غير مرتاحين. وفي سعينا لدرء استيلاء رجل قوي محتمل على السلطة في أحد الحقول، لا ينبغي أن نسمح لرجل أقوى بالاستيلاء على السلطة في حقلٍ آخر.

تشارلي وارزيل – صحيفة New York Times الأمريكية

 الموضوع مترجم عن صحيفة New York Times الأمريكية. 

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

 كيف يفسّر انقلاب الخطاب الأميركيّ تجاه الحرب على غزّة؟

لقد وجدت أميركا نفسها في مواجهة دول العالم التي بدأت تطالب بوقف الحرب المجنونة من خلال جلسات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى، وهو ما أحدث خشية من توسّع دائرة المواجهة والصراع بشكل أكبر يصعب السيطرة عليه..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
19 × 1 =