سوق البزورية في دمشق يحافظ على هويته المعمارية رغم سنوات الحرب الطويلة

دمشق ـ تشدك رائحة التوابل، وكذلك رائحة السكاكر المنتشرة في أرجاء سوق البزورية الأثري الذي يقع إلى الجنوب من الجامع الأموي الشهير بدمشق، كما تبهرك ألوان البهارات والأعشاب والسكاكر المعروضة بطريقة فنية لافتة للانتباه، ويكتمل المشهد ويزداد بهاء بالازدحام الكبير في هذا السوق والناس تشتري منه ما لذّ وطاب.

ورغم سنوات الحرب العشر في سوريا، وقربه من المناطق التي كانت تحت سيطرة الفصائل المسلحة، ما زال هذا السوق صامدا ومتألقا وبقي يستقبل زبائنه يوميا بروائحه العطرة الممزوجة بعبق التاريخ.

ويعدّ سوق البزورية في دمشق القديمة، واحدا من أهم المعالم التاريخية للعاصمة السورية، حيث كان مستودعا للقوافل وللبيع والتوزيع إلى مختلف أرجاء مدينة دمشق بينما كان يتطوّر باتجاه التنوع مما جعله سوقا مركزيا حتى هذه الأيام.

ويمتد سوق البزورية جغرافيا بين قصر العظم وسوق الصاغة القديم شمالا، إلى سوق مدحت باشا مقابل فتحة حارة مئذنة الشحم جنوبا، ومن ثم ينعطف شرقا ليضم إليه قسما من الشارع المستقيم وسوق مدحت باشا، وهو مغطى بساتر قوسي معدني من شماله وحتى جنوبه، ولا تزال حوانيته منذ تأسيسه تتخصص ببيع الأعشاب الطبية والبزور والفواكه المجففة والتوابل والشموع والسكاكر والشوكولاتة والملبّس الدمشقي الشهير الذي يباع بكثرة في مناسبات الأعراس والموالد النبوية.

أفراد من عائلات دمشقية يتوارثون الحوانيت في البزورية أبا عن جد محافظين على عراقة هذا السوق وأصالته

وتتوارث هذه الحوانيت عائلات دمشقية قديمة وعريقة ما زال أحفادها يستثمرون هذه المحلات ويشغلونها بنفس تجارة آبائهم وأجدادهم، محافظين على عراقة وأصالة هذا السوق.

وينقسم سوق البزورية إلى ثلاثة أقسام هي، سوق العطارين ويشمل القسم الأول منه قسم سوق الغذائيات، والقسم الثاني للحلويات والمكسرات والقسم الثالث للبهارات والتوابل المختلفة ذات المنشأ المحلي أو القادمة من الهند وشرق آسيا.

وأشار أبوعبدو بلعيد، وهو صاحب متجر قديم بسوق البزورية، إلى أن هذا السوق يحظى بسمعة طيبة لدى الناس، وهو سوق متخصص بالتوابل والسكاكر والحلويات المجففة.

وقال أبوعبدو، وهو “شيخ كار” في صنعة تجفيف الفواكه لوكالة (شينخوا) بدمشق “هذا السوق من أقدم الأسواق في المنطقة، ويحظى بسمعة طيبة لدى غالبية السوريين، ويزوره الناس من كل البلدان”، مبينا أن “هذا السوق يحتوي على عدة صناعات وهي صناعات عريقة شكلت هوية هذا السوق في ما بعد”.

وأضاف أبوعبدو الذي جلس على كرسي خشبي قديم وأمامه أصناف من الحلويات المجففة “من يزور سوق الحميدية الشهير، لا بد أن يزور سوق البزورية”، موضحا أن روائح السكاكر والتوابل لا بد وأن تجذب الناس إليها، مضيفا “من لم يزر سوق البزورية كأنه لم يزر سوريا”.

وتابع يقول إن “والدي توارث هذه الصنعة عن جده، وأنا أخذتها عن والدي، وبدوري سأعطيها إلى أولادي وهكذا”، مؤكدا أن كل أصناف الفواكه المجففة الموجودة حاليا في المحل، مصنعة بنفس الطريقة التقليدية التي اعتمدها جده منذ قرابة المئة سنة تقريبا.

وأضاف أبوعبدو أن هذا السوق منذ أن أنشئ ما زال محافظا على هويته الأثرية وطرازه المعماري، مؤكدا أن هذا النمط يشكل هوية السوق ويعطيه جمالا ورونقا خاصا.

دمشق القديمة

بدوره، قال محمود السيوفي (60 عاما) وهو شيخ كار أيضا في صناعة السكاكر والحلويات بسوق البزورية القديم إن “هذا السوق من أقدم الأسواق بالعالم، وهو منذ القدم متخصص ببيع التوابل والسكاكر والبقوليات والأعشاب الطبية”، مشيرا إلى أن “صناعة السكاكر والفواكه المجففة هي من أهم الصناعات في سوريا، وغالبية الدول تأخذ الحلويات من هذا السوق”، مؤكدا أن كل زائر عربي أو أجنبي يحمل معه هدية لأصدقائه من هذا السوق لأنها علامة فارقة ومعروفة لدى الناس.

وأضاف محمود أن “والدي عاش قرابة المئة عام وظل محافظا على هوية هذه الصناعة التي أصبحت في ما بعد علامة تجارية معروفة”، مؤكدا أن صناعة السكاكر خالية من الملونات، وهي صناعة تراثية تقليدية.

وتابع يقول إن “هذا رغم سنوات الحرب التي مرت على سوريا سابقا، لم يتأثر هذا السوق بكل ما جرى وبقيت محلاته مفتوحة، وبقي متألقا كما كان وسيبقى متألقا ومزدهرا”، مشيرا إلى أن منتجات هذا السوق تصل إلى معظم الدول العربية والأجنبية.

وقال إن “أصحاب المهن في السوق يتمتعون بالروح الطيبة، والكل يريد الخير للآخر، والتنافس هنا شريف والكل يريد أن يقدم الأفضل لكي نحافظ على سمعة هذا السوق”.

سوق البزورية لا تزال حوانيته منذ تأسيسه تتخصص ببيع الأعشاب الطبية والبزور والفواكه المجففة والتوابل والشموع والملبّس الدمشقي الشهير

وأضاف محمود أن السوق يضم إلى جانب حوانيته الصغيرة أجمل منشأتين معماريتين قديمتين في دمشق هما “خان أسعد باشا”، أكبر وأكمل خانات دمشق القديمة وأجمل خانات الشرق الأوسط، وحمام نورالدين الشهيد، أشهر حمام دمشقي ما زال يستقبل الراغبين في الاستحمام بحمامات السوق بتقاليدها المعروفة وبين نظامها العريق.

وروى وليد المصري، وهو المسؤول الإداري عن هذا السوق، بإسهاب عن هذا السوق وأهميته التاريخية والأثرية، والأزمنة التي مرت عليه، مؤكدا أن هذا السوق ما زال متألقا ومحافظا على طرازه المعماري.

وقال المصري إن “هذا السوق يتوسط مدينة دمشق وكان وما زال قبلة الناس الذين يزورن دمشق”، مبينا أن أهمية السوق تأتي من كونه يقع إلى جوار الجامع الأموي الشهير، وهو محاط بعدة أسواق متخصصة مشهورة بدمشق، مؤكدا أن سوق البزورية له هوية خاصة تختلف عن باقي الأسواق.

وأضاف المصري البالغ من العمر (48 عاما) إن “هذا السوق يحتوي على كل ما يحتاجه الناس من توابل وحلويات وأعشاب طبية وكلها صناعات محلية تقليدية تراثية”، مشيرا إلى منتجات هذا السوق وصلت إلى العديد من الدول، لاقت استحسانا وطلبا.

ميادين – العرب اللندنية

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

واشنطن تزيد الرسوم الجمركية على منتجات صينية بقيمة 18 مليار دولار

تشمل الرسوم الجمركية الجديدة حوالي عشرة قطاعات صناعية تعتبر “استراتيجية” مثل أشباه الموصلات والمعادن الحيوية والمنتجات الطبية وحتى السيارات الكهربائية، حيث تشهد الأخيرة على سبيل المثال ارتفاع الرسوم الجمركية عليها من 25% إلى 100%.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
11 + 4 =