هل حين تحتدم معارك الإبداع يتجه الأديب نحو تأمل ذاته؟ ما من شك في أن إثارة الرمز والرمزية في الخيال الأدبي لا يمكنه أن يتم من غير تبيان العلاقة التي تربطهما باللغة والسيميائي، ومن ثمة بمجال العلامة باعتباره مجال الاشتغال.
الرمز والعشق في مدارات المتخيل يقول أحمد شوقي في قصيدة “لعل هنا ماء” أَمْسَحُ رَذَاذَ هَمَزَاتِ إِيرُوسْ مِنْ أُذُنَيّ، أَبُوحُ بِشَوْقِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، عَابِرَةٌ لِلْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَة، أصِفُهَا – كلاسيكيا – بِالْقَمَرِ.
غدا اسم إيروس في ثقافته الدلالية والرمزية محور خطاب العاشق الموجه لموضوع الرغبة، وبهذا المعنى يحمل العاشق عند الأديب أحمد أشرقي حلمه في جسد امرأة واحدة.
فهو لا يملك إلا صورة واحدة لمحبوبته كي يتأملها عبر الأزمنة والأمكنة، فهي معه دائما في مخيلته يستطيع مقابلتها متى شاء. إن طقسه الوحيد يتمثل في اسباغه على امرأته باسم “القمر” يعبر به عن فثنته بها في تصوره ويتمتع بمناداتها به.
كتابة المحو
إن الممارسة الإبداعية المزعجة تشكل بالنسبة للمبدع سلطة معرفية لكنها ذات طبيعة رقابية تضع الأديب وأدبه تحت المجهر. قد تحد من حريته التي يجتهد في توسيع هوامشها، كما أنها أحيانا قد تصدر عنها موافق تحط أو ترفع من قيمته الإبداعية.
في قراءتنا السرديات الأديب أحمد أشرقي لمسنا بوضوح أنه ثمة شعرية تعلن عن نفسها، فالذات غير محتجبة أو نائية، بل في صميم بناء النص، إذا نحن بصدد ذات تعلن حضورها، بل تتنوع في أشكال حضورها. إنها ليس معطى جاهز بل هو اندفاع تجربة، نجد عوامل كثيرة تلعب في انتقاء الشاعر لمفردات نصه الشعري، منها موهبته الشعرية وقدرته اللغوية المرتبطة بحجم معجمه اللغوي، إنها موفقة في اختياره للمفردات. البلاغي والرمزي في السرد.
المعنى لم يعد هو ما يشغل الشاعر. فالتنوع والتعدد الدلاليان ولا نهائية المعنى، يجعلا المعنى فيه لا يتم إلا تساؤلات
يعمد الأديب أحمد شرقي في بناء القصيدة الأسلوب البلاغي داخل الحقول الدلالية، فالمعاني عنده هي التي تحيك القصيدة فتشكل البنية على شكل صور منطوقة فتصير إخبار.
يقول في قصيدة : لَعَلَّ هُنَا مَاءً ذِكْرَى آيِلَةٌ لِلْخُلُود، وَزَبَدٌ مَنْضُود. بِمَعِيَّةِ السَّرَابِ، أُحْيِي طُقُوسِيَ الْقَدِيمَةَ الْجَدِيدَة، أُنَاجِي تِلْكَ السَّفِينَةَ الْبَعِيدَة. يصبح الدال واقع مادي و صورة ذهنية منقولة ورمز. ويقول في نفس القصيدة أَنْهَمِرُ هَمْسًا نَلْتَقِطُ صُورَةً “سيلفي” تَلُوحُ مِنْ خَلْفِيَّتِهَا، تِلْكَ الرَّصِينَةُ، دُونَ مَاءٍ، دُونَ غَيْمٍ وَدُونَ زَبَد.. ان الثملات الجسدية والنفسية تتفاعل لتخلق شبكة من الدلالات التي يحيل البعض منها إلى الآخر. حَتَّى السَّرَابُ غَاب، وَتَرَكَهَا مَعِي دَاخِلَ الْإِطَارِ، نَرْسُو مُتَرَاصَّيْنِ، فالنص الظاهر ما هو إلا عبارة عن سلسلة من الإنفعالات التي تتشكل في النص. والتي تمكن قراءتها من استجلاء ما تخفيه وما تظهره نَحْجُبُ الْفَرَاغَاتَ وَالْبَيَاضَات، أَنْتَظِرُ أَنْ، تَمُدَّ الْأَمْوَاجُ الصَّغِيرَةُ أَصَابِعَهَا، وَتُرَبِّتَ عَلَى كَتِفِي، وَتَنْتَظِرُ هِيَ، أَمْوَاجًا كَبِيرَةً، قَدْ تَغْمُرُ تَرَدُّدَهَا.. تَوَهَّمْنَا الْغَرَقْ! كما يكشف هذا النص مظهرا من مظاهر الصور الصوتية في القصيدة من محاكاة دلالية وصوتية تدعم المسار الدلالي للقصيدة. إن المرأة هي موضوع الحلم واليقظة وهي من تمة تتشكل من الآني والذاكرة. يقول في قصيدة “لَعَلَّ هُنَا مَاءً” بِمَعِيَّةِ السَّرَابِ، أُحْيِي طُقُوسِيَ الْقَدِيمَةَ الْجَدِيدَة، أُنَاجِي تِلْكَ السَّفِينَةَ الْبَعِيدَة.
يقول الطبيب النمساوي، مؤسس مدرسة التحليل النفسي وعلم النفس الحديث: Sigmund Freud لا شيء من الحياة النفسية يضيع، ولا شيء مما تكون يختفي. فكل شيء يتم الإحتفاظ به بهذا الشكل أو ذاك، وقد يعود إلى الظهور في بعض الحالات والظروف.
يقول الأديب أحمد شرقي في قصيدة “دَوَائِرُ الْخَلَاص” يَا رَفِيقِي: وَسِّعْ دَائِرَةَ الْأَصْفَادِ قَلِيلًا، أَوْ لِأَقُلْ، حَرِّرْ يَدَيَّ، وَدَعْنَا نَحْسُبُ، سَوِيًّا السُّحُبَ. لَا فِرَارَ مِنْ هُنَا، أَحْمَق، مَنْ يَرْتَمِي فِي أَحْضَانِ، الْفَرَاغِ الْمُطْلَق. الإنتقال من الرمز إلى العلامة. هو الانتقال من مرحلة إلى أخرى. إنه الاشتغال الذي يتم من الناحية المنطقية والزمنية قبل التشكيل الرمزي تتجلى هذه التشكيل الرمزي في قصيدة: “دَوَائِرُ الْخَلَاص”. أَيُّهَا الْفَذّْ، حُلَّ الصَّفَد، شُرْطِيٌّ مِثَالِيٌّ أَنْت، لَا إِنْكَارَ هُنَالِك، لَا تَجْزَع، سَأَقُولُ لَهُمْ إِنَّ دَمِي عَرَبِيّ، وَإِنِّي، ابْنُ تِلْكَ الْبُقَع. أَيْ نَعَمْ، عَضَلَاتُكَ نَمَّيْتَهَا، بِالْمُقَابِلِ، قَلْبُكَ تَشَنَّج. حَرِّر يَدَيَّ مِنَ الْأَغْلَالِ وَأَعِدُكَ، أَنَّنِي، سَأَتَمَرَّنُ عَلَى الْحُبّ، سَأُعَانِقُ أَوَّلَ شُرْطِيٍّ أُصَادِفُهُ فِي الْمَطَارِ.
هل سيفوق الأديب القاص أحمد أشرقي وسبر أغوار الشعرية
المصري عيد عبد الحليم يصدر كتاب "ضحايا حريق الفن"، ويسلط الضوء على سيرة 55 شخصاً من جيل المسرحيين المصريين الذين ماتوا في الحريق الذي اندلع بمسرح محافظة "بني سويف" عام 2005.