كثيرا ما نرى بعض المسؤولين وغير المسؤولين يتصرفون في الملك العام وفي الشأن العام بأريحية، غير مبالين بأي شيء، كما لو أنهم يقومون بذلك في ضيعانهم الخاصة، والحال أن الأمر يتعلق بفضاءات محددة ومجالات مقننة قانونيا على أساس أنها ملكية عمومية تابعة للدولة المغربية التي تمتلك سيادتها وتنظمها ترسانة قانونية واساسها مدعم بنصوص دستورية، كما أنها اختصاصات تحددها النصوص الدستورية ..
وكما يتعلق الأمر بوطن ضحى من أجل استقلاله شعب بأكمله منهم من مات شهيدا ومنهم من ذاق مرارة السجن والتعذيب ومنهم من فقد والديه وتربى حضن اليتم والفقر، وتشرد كما لو انه مهاجر غير شرعي ، في بلده الذي من أجله ضحى كل أهله لينعم بالأمن المطلق والرفاه ، لكن ليس الرياح تجري بما تشتهي السفن. فلقد خابت كل الآمال وسقطت في بئر عميق بفعل بعض المتسلطين على زمام الأمور بطرق مختلفة، لكنها كلها ليست شرعية، فصار الشعب بجميع شرائحه يجد صعوبة كبرى في التنقل على الرصيف وفي الطرقات بفعل احتلال الملك العام بالمدن وبالشواطئ ، بحيث لا تجد في بلدك مكانا لتقف فيه وتشعر بترابه وتنعم بحلاوة الشعور بأن لك موطئ قدم في وطنك ، ليت الأمر وقف عند هذا بل تعدى كل التصورات فلقد انقض أهل الجشع وأصحاب االتوجسات والتوجهات الكمبرادورية ليسطوا على الأراضي ويقيموا تجزئات سكنية تباع بأثمنة خيالية تجعل من المواطن المغربي يسلب منه حق السكن بفعل هذه الممارسات التي تتعدى كل الأوصاف..
وكل ما يمكن القول عنها أنها غير إنسانية ولا تتماهى مع الرصيد النضالي لشعب كافح من أجل الحرية والعيش الرغيد ، والأدهى والأكر هو ليتهم اكتفوا بذلك بل استولوا على المناصب في مؤسسات واجهزة الدولة كالبرلمان وبعض الإدارات العمومية وصاروا يسكنونها كأنها مناصب متوارثة وبالتالي تجدهم أينما وليت وجهك فهم هناك هم والآمرون وهم الناهون، والقرارات لم تعد سوى قراراتهم وبالتالي ومن الطبيعي أن تكون قرارات ومخططات تحوي مصالحهم وتحميها وتجنبها كل المتابعات القضائية . إن الجشع وخرق القانون، صار طبيعة متأصلة في الفئة الاجتماعية التي تجد الدعم والحماية ربما من لدن بعض مراكز القرار لأن بعضها هو جزء منها أو هكذا تريد أن تظهر أمام الملأ، أو من الشريحة الوسيطة التي تقوم بالتنفيذ، وتقوم بدور الوقاية وغض الطرف عن كل اختلالات تشوب خرق القانون، مما يساعد هؤلاء المتنفذين بمزيد من قضم الحقوق والتعالي على القوانين وابتلاع كل ما يصادفهم في الطريق غير مبالين بالأخرين ولا بسلطة القانون، لأنهم يعتبرون أنفسهم هم القانون ، لذا نجدهم انطلاقا من مناصبهم المتحصل عليها عبر شتى الطرق يعدلون القوانين والمساطر المالية والاقتصادية لتتماهى مع مصالحهم وتفتح لهم أبواب الإثراء بسرعة وبدون تكاليف تذكر.. .
وهل هم كذلك؟ لا نعلم أو ربما قد نعلم لما نرى نتائج تصرفاتهم الرعناء التي لا تجد من يردعها، هل هم فوق السلطة أم أن سلطتهم تفوق السلطة ؟ او تتفوق على السلطة؟ من أين يستمدون تلك الجرأة على القفز على القوانين؟ لدرجة أنهم يتصرفون في البر والبحر المغربيين كما لوأن هذه البلاد ضيعة لأحدهم؟
إن هذه الظاهرة المجتمعية والسياسية التي أفرزتها جملة من العوامل التاريخية والسياسية والاقتصادية ،لم تكن لتكون قوية وتتمتع بمناعة تصعب على كل من يريد إضعافها أو معاقبتها وفق قواعد القانون ، لو لم تكن لها وقاية وحماية في مكان ما من السلطة، لأن هذه الطبقة تتحرك على مساحة البلاد طليقة لا تقيدها ولا تردعها كل الترسانة القانونية ولا يتحرك أي جهاز من أجهزة الدولة من سلط تنفيذية وتشريعية وقضائية لوضع حد لتصرفاتها التي تقضم حقوق المواطنين سواء باحتلال الملك العام ، او القفز على تصاميم العمران وحذف المناطق الخضراء منها وتقزيم المساحات السكنية التي تحددها المعايير الدولية لسكن الإنسان ، أو تسلطها على مجال التربية والتعليم حيث تم خوصصته وفق القواعد الربحية بل على أسس تضرب في العمق كيان الدولة وهويتها مما قد يزعزع كيانها لأنه تعليم تنقصه الهوية الوطنية لأنه بين يدي برجوازية همها الوحيد الربح والربح السريع فقط ، هذا دون الحديث عن برامج تعليمية لا تحث على البحث العلمي ولا على استعمال العقل ، بقدر ما تهتم بتعليم سطحي براق خال من جوهر فكري يجعل من المتعلم عنصرا أساسيا في بنية الدولة وعمادها ، وفي كل القطاعات ، هذه الفئة تصول وتجول، ففي مجال الصحة حيث يتم المتاجرة بصحة المواطنين دون حسيب ولا رقيب ، وكذلك الأمر في مجال الصيدلة وصناعة الأدوية أما في مجال التغذية فحدث ولا حرج وما موجة الغلاء التي كانت “تسونامية” على جيوب المواطنين كلهم وخاصة الطبقة المتوسطة التي غالبا ما تكون هي المحرك الاقتصادي لأي بلد لأنها تتوفر على مداخيل قارة وتستهلك بشكل سخي مما يحرك عجلة وسلسلة المؤسسات خاصة في مجلات التغذية والألبسة والترفيه . . ..
إن الدولة بكل مكوناتها تظل رهينة هذه الظاهرة التي تضعف أسسها وتجعل كل أجهزتها في خدمة شرذمة من المتسلطين وعصابة بكل معانيها تعمل من أجل إضعاف الدولة كما وقع في لبنان والأرجنتين والبرازيل في عهد “بولسونارو” ، لأن ليس لهم ما يخشونه ، لأن هم منذ البداية وضعوا رجلا هنا في الوطن ، يستغلون خيراته ، ورجل أخرى في الخارج حيث يضعون أموالهم في أبناك سويسرا،لذا وجب الحذر مما هو آت ،واتخاذ ما يستلزمه الوضع من إجراءات تحسبا لتحولات في الوضع العام للبلاد ، التي قد تنذر مما هو أسوء ، خاصة وأننا إزاء تحديات عديدة منها ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي. فعلى الصعيد السياسي يجب التدخل السريع من طرف كل الفاعلين السياسيين والقوى الحية في البلاد ،لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مجال الحريات، وتصفية الأجواء السياسية العامة والتخفيف من التوتر الاجتماعي جراء السياسة الحكومية التي لم تحرك ساكنا بخصوص الغلاء المستشري في المواد الغذائية الضرورية ،بوضع إجراءات استعجالية كالرفع من الأجور بما يتناسب على الأقل بمستوى ارتفاع الأسعار وتقديم مساعدات سريعة في شكل مواد غذائية بطرق لا تهين كرامة المغربي ، والعمل على تغيير العقليات السائدة بتغيير مناهج التعليم الذي يركز على الفردانية والوصولية وتهميش الجماعة والمجتمع ، وإشاعة العمل الجماعي والحرص على خيرات البلاد بتكثيف محطات قانونية وقضائية ومجتمع مدني ، لتصفية المجلات كلها من تلك الشرذمة التي تستنزف خيرات واقتصاد الوطن المغربي منذ زمن طويل .
إن القضاء على هذه الاختلالات لن يكون إلا عبر طريق واحد ونهج وحيد، انه البناء الديموقراطي، وكل العالم توصل لذا الحل لكل المشاكل عبره ، وتقويته من خلال الاحتضان الشعبي له عبر المشاركة السياسية والوقوف سدا واحدا، كلما تم الخروج عنه من خلال ممارسات جهة من الجهات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية التي تريد الاستحواذ عن المنهجية الديموقراطية وطمس معالمها في القرارات الحكومية والتشريع البرلماني والإحكام القضائية.. فالديموقراطية هي الدرع الواقي والمانع لكل الأفعال والأعمال والاختلالات التي تحد من تسريع عجلة التنمية في كل أبعادها وترسي قواعد العدل والمساواة بين كل المواطنين بحيث لا يمكن أن تنمو مثل تلك الطفيليات الاجتماعية والاقتصادية والمالية التي تعتبر نفسها ومصالحها فوق أي اعتبار ولا تحت أي قانون ،والبنية الديموقراطية تكسب الوطن والمواطنين مناعة ضد الاستبداد والفردانية والفساد وكل مظاهر التخلف المادي والمعنوي،¸كما أن الديموقراطية تقوي التربية على السلوك السوي الذي يجعل من المواطن ينظر لنظيره على قدم المساواة ويعطيه العلم والمعرفة والتأكيد على أنه في وطن العدالة وتوزيع الخيرات وفق الجهود المبذولة وليس وفق معايير أخرى كالانتماء القبلي أو الحزبي ، بل يبقى المعيار الوحيد هو الانتماء للوطن من خلال ممارسة سليمة واحترام القانون والعمل من أجل نمو وازدهار البلاد. لذا فلكي نكون كما سلف القول بلدا يعتمد في تعامله في الشأن العام والسياسة العامة الداخلية والخارجية، فلا بد من الاستمرار في تنمية العمل الديموقراطي واكتساب المناعة ضد كل خلل قد يعيدنا القهقري وتسود الفوضى التي تخلق ذلك الجو العام بعدم الأمان والاستقرار في كل المجالات.
أخيرا لن نستطيع أن ندخل العصر الحديث بالعقليات السائدة والتي يعمها قاسم مشترك ألا وهو الجهل الذي تنتج عنه عدة سلوكيات وتصرفات سلبية منها الأنانية والانتهازية والوصولية، والتي تقوي الجشع والعيش في محيط يمجد المال ويمحي الإنسان ويقلل من قيمته في كل عملية تنمية البلاد، ولنكون كذلك لابد أن لا تعتبر هذا الوطن ضيعة لأحدهم بل هو وطن للجميع، نتقاسم خيراته ونتحمل تكلفة تنميته والدفاع عنه، كل وفق قدراته المادية ومقدراته المالية والاجتماعية والفكرية. كما أن الجهل السياسي هو الأخطر من كل أنواع الجهل، لأنه هو السبب والمصدر لكل الآفات التي تصيب المجتمعات المتخلفة، من رشوة وتحايل وكل أشكال التدليس والغش في كل المجلات والمواد. وهي السبب في ان البعض منهم يعتبر هذا البلد ضيعته، وهل المغرب ضيعة لأحدهم؟ . .
الحسين أربيب – موقع لكم