لم يكن مستغرباً أن يعلن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إغلاق باب الوساطات الرامية إلى إنهاء القطيعة والتوتر بين الجزائر والمغرب، في حديث أدلى به، أخيرا، لصحيفة لوفيغارو الفرنسية، لكن المستغرب أن يعتبر قرار قطع علاقات بلاده الدبلوماسية مع المغرب في أغسطس/ آب من عام 2021 “كان بديلاً عن نشوب حرب بين الدولتين”، الأمر الذي يثير تساؤلاتٍ بشأن الأسباب الحقيقية وراء القرار، وحول ممكنات نشوب حرب بين البلدين في ظل الظروف الراهنة، التي بلغ فيها التوتر في علاقاتهما مرحلة غير مسبوقة.
ويشير قول الرئيس الجزائري إن الوساطة بين البلدين “غير ممكنة” إلى استمرار التوتر الذي طبع العلاقات عقودا طويلة، وإلى رغبة القيادة الجزائرية في قطع الطريق أمام أي مبادرةٍ للوساطة بين البلدين، سيما وأن تقارير إعلامية أشارت إلى وساطة ملك الأردن، عبد الله الثاني، بوساطة، خلال زيارته الجزائر مطلع الشهر الماضي (ديسمبر/ كانون الأول)، تتضمّن تطبيع العلاقات وإعادة تشغيل أنبوب الغاز الجزائري، الذي يصل إلى إسبانيا مرورا ًبالأراضي المغربية، وبالتالي أراد تبّون أن يرسل رسالة إلى كل من يحاول التوسّط لإنهاء التوتر بين البلدين، مفادها بأن النظام الجزائري لن يتجاوب مع أي جهودٍ وساطةٍ في هذا المجال.
وكان لافتاً أن يقول الرئيس تبون، إنه “خلال 60 سنة من استقلال الجزائر، بقيت الحدود أكثر من 40 سنة مغلقة بين البلدين”، لكن ما لم يقله أن فترة تطبيع العلاقات بينهما كانت بفضل وساطة من السعودية، قادها الملك، فهد بن عبد العزيز، ونجح في الجمع بين الملك الحسن الثاني والرئيس الشاذلي بن جديد في مناسبتين، تكللت الأولى بعقد الاجتماع الأول بينهما في 26 فبراير/ شباط 1983 على الحدود بين البلدين، والثانية حين نجح مسعاه بعقد اجتماع آخر بين قادة البلدين في 4 مايو/ أيار سنة 1987، وأعلنت بعده كل من المغرب والجزائر تطبيع العلاقات بينهما في 16 مايو/ أيار 1988، ومهّدتا بذلك الطريق لتأسيس اتحاد المغرب العربي في فبراير/ شباط 1989 بمراكش، ثم جرى توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة بوليساريو في 26 سبتمبر/ أيلول 1991، برعاية الأمم المتحدة، لكن مسار تحسين العلاقات بين البلدين توقف بعد استقالة بن جديد، وتعيين “مجلس أعلى للدولة” مكانه، ليمسك قادة الجيش الجزائري زمام الأمور.
القطيعة والعداء بين البلدين طاولا مختلف المستويات الرسمية، السياسية والاقتصادية، ووصلا إلى ميدان الرياضة
ويأتي كلام تبون بالتزامن مع ظهور مؤشّرات على نشوب سباق تسلح بين الجزائر والمغرب، حيث خصّصت الجزائر موازنة ضخمة للجيش، بلغت 22 مليار دولار، وهي أكبر موازنة يحصل عليها الجيش الجزائري منذ استقلال البلاد، فيما رفعت المغرب ميزانية وزارة دفاعها لعام 2023 لتصل إلى نحو 17 مليار دولار، بهدف شراء أسلحة لتجديد ترسانتها العسكرية.
ويعود التأزم والتوتر بين الجزائر والمغرب إلى العام 1963، حين اندلعت بينهما ما سمّيت “حرب الرمال” على خلفية خلاف حدودي على جزء من رمال الصحراء الكبرى، ثم تفاقمت الأزمة التي تحولت إلى عداء بين قادة نظامي البلدين، بسبب قضية الصحراء الغربية، وخصوصا بعد إعلان “بوليساريو” قيام الجمهورية الصحراوية في 1967، ولم تعترف بها سوى الجزائر، واستمر التوتر بين البلدين على الرغم من الانفراجة في ثمانينيات القرن العشرين المنصرم، وبلغ ذروته مع إعلان الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في 24 من أغسطس/ آب 2021. إلى جانب حظرها تحليق الطائرات المغربية في مجالها الجوي، في ظل استمرار إغلاق الحدود البرّية بين البلدين منذ صيف 1994.
استبعاد الحرب بين المغرب والجزائر لا يلغي إمكانية حصول حادثة ما على الحدود يمكن أن تفضي إلى ما لا تُحمد عقباه
وساد الترقب والانتظار موعد انعقاد قمّة “لمّ الشمل العربي” في الجزائر في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من أجل تخفيف التوتر وإعادة تطبيع العلاقات بين الجزائر والمغرب، وراهن بعضهم على إمكانية عقد لقاء بين الرئيس تبون والملك محمد السادس، لكن ذلك كله لم يتحقق، حيث لم يشارك الملك في القمة التي انفضت من دون أن تحقق ما وعدت به من انفراجات في علاقات الأنظمة العربية.
وعلى الرغم من التلاحم بين الشعبين، الجزائري والمغربي، وقد ظهر مجدّدا خلال مباريات المنتخب المغربي في مونديال قطر لكرة القدم، إلا أن القطيعة والعداء بين البلدين طاولا مختلف المستويات الرسمية، السياسية والاقتصادية، ووصلا إلى ميدان الرياضة، حيث هدّدت “الجامعة المغربية لكرة القدم” بعدم المشاركة في بطولة أفريقيا لمنتخبات المحليين (منتخب المحليين أقل من 23 سنة) التي ستقام بين 13 يناير/ كانون الثاني الحالي و4 فبراير/ شباط المقبل، في حال عدم تلبية مطالبة المغرب بتمكين منتخبها من السفر عبر الخطوط الملكية المغربية، في خط مباشر من العاصمة الرباط إلى مدينة قسنطينة التي ستنظم فيها فعاليات البطولة، الأمر الذي يشكّل إحراجاً للسلطات الجزائرية، التي سبق أن اتخذت قرار حظر تحليق الطيران المغربي في مجالها الجوي.
وتحوّلت الأزمة بين الجزائر والمغرب، خلال عام 2022، إلى ما يمكن تسميتها حرب استنزاف ديبلوماسية، اتهمت فيها الجزائر السلطات المغربية بممارسة “إرهاب الدولة”، وباغتيال مواطنين جزائريين، فيما حذّر الملك محمد السادس من أن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”. وطالب جميع الدول بـ”أن توضح مواقفها بشكل لا يقبل التأويل”. وكاد التوتر أن يعصف بأمن البلدين واستقرارهما، والمنطقة المغاربية كذلك، خصوصا بعد أن انتقلت التصريحات والتصريحات المضادّة وتبادل الاتهامات بين مسؤولي البلدين إلى حديث السلاح والتهديدات، الأمر الذي أثار تخوّفات من اندلاع حربٍ بينهما. ومع ذلك كله، من المستبعد أن يتطوّر العداء والتوتر في علاقات البلدين إلى حربٍ بينهما، لكن هذا الاستبعاد لا يلغي إمكانية حصول حادثة ما على الحدود يمكن أن تفضي إلى ما لا تُحمد عقباه.
عمر كوش – كاتب وباحث سوري