قرر وزراء الداخلية والعدل للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تعزيز وزيادة الدعم للدول المجاورة لأفغانستان، لمساعدتها على استقبال اللاجئين الأفغان الفارين من البلاد بعد سيطرة حركة طالبان عليها. اجتماع الوزراء الذي عقد في بروكسل لم يخل من المواقف المتضاربة والمتناقضة حيال قضية الهجرة، حيث دعت بعض الدول إلى الاستمرار بترحيل الأفغان إلى دول الجوار، في حين دعت دول أخرى إلى اعتماد نموذج الاتفاق الأوروبي التركي الموقع عام 2016، لإدارة أزمة الهجرة المتوقعة من أفغانستان.
في ختام اجتماعهم في بروكسل، تعهد وزراء الداخلية والعدل للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بتقديم كامل الدعم للدول المجاورة لأفغانستان، لمساعدتها على استقبال المهاجرين والفارين من نظام حركة طالبان، وتفاديا لموجة هجرة جديدة إلى دول الاتحاد.
وفي البيان الختامي الصادر عن الاجتماع، قال الوزراء إنهم “عازمون على العمل المشترك لإعداد خطة استجابة منظمة، لتفادي موجات هجرة واسعة النطاق، كتلك التي حصلت خلال السنوات الماضية”.
وعقب الاجتماع، قالت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا يوهانسون، “لم نشهد وصول أعداد كبيرة من الأفغان إلى البلدان المجاورة، لكننا لا نعرف ما الذي سيحدث في غضون أسبوع أو شهر وعلينا الاستعداد لسيناريوهات مختلفة”.
وأوردت أن “أفضل طريقة لمنع أزمة الهجرة هي منع حدوث أزمة إنسانية”.
مواقف متفاوتة
وقال وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر “يجب أن نعمل على نطاق عالمي لإبقاء الأشخاص قريبين من ديارهم وثقافتهم”. مشيرا إلى أن “الأشخاص الأكثر عرضة للخطر” فقط سيتمكنون من المجيء إلى الاتحاد الأوروبي.
وكانت ألمانيا عام 2015 في طليعة الدول التي استقبلت السوريين الفارين من الحرب، وفتحت أبوابها لأكثر من مليون طالب لجوء خلال أزمة الهجرة التي باغتت الدول الأوروبية.
وحث زيهوفر المفوضية الأوروبية على تقديم خطة عمل “سريعا”، لدعم جيران أفغانستان مثل باكستان وطاجيكستان، تعتمد على مدى استعدادهم لقبول ورعاية اللاجئين.
ويستند هذا المقترح إلى نموذج الاتفاق الأوروبي التركي، الذي وقعت بموجبه أنقرة صفقة مع بروكسل لوقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا من خلال استضافة الوافدين مقابل بعض الحوافز بما في ذلك المساعدة المالية.
أما الوزير النمساوي كارل نيهامر، الذي يتشارك ونظيريه الدنماركي والتشيكي مواقف حازمة جدا من قضية الهجرة، فشدد على أن “الرسالة التي يجب بعثها (هي) ابقوا في مكانكم وسندعم المنطقة”.
بالمقابل، أعادت فرنسا التأكيد على موقفها بضرورة “التوفيق بين استقبال اللاجئين والضوابط الصارمة”. وقال وزير داخليتها جيرالد دارمانان، الذي كان مشاركا بالاجتماع إن الهدف هو “مساعدة كل الأشخاص الذين ساعدونا والذين تلاحقهم طالبان، لكن لا نقبل بهجرة غير منضبطة”.
ونوه دارمانان بمقترح زيهوفر قائلا “النموذج التركي السوري كان نموذجا جيدا للاجئين … ستطلب فرنسا تمديد هذا النموذج (في أفغانستان)”.
بدورها، قدرت إيلفا يوهانسون أن الدعم المقترح يجب أن يكون “على المقاس”، وليس “نسخا ولصقا” من اتفاق الدعم المالي الموقع مع تركيا عام 2016 بشأن اللاجئين السوريين.
وشددت المسؤولة الأوروبية على أن “أفضل طريقة لتجنب أزمة هجرة هي تجنب أزمة إنسانية… لهذا السبب يجب علينا دعم الأفغان في أفغانستان” من خلال المنظمات الدولية “على الأرض” (ضاعف الاتحاد الأوروبي مساعداته الإنسانية لأفغانستان ودول الجوار بمقدار أربعة أضعاف لعام 2021، لتصل إلى 200 مليون يورو).
ولم يعلن الوزراء خلال اجتماعهم الثلاثاء عن الأعداد التي ستلتزم دولهم باستقبالها من اللاجئين، لكن يوهانسون أعلنت عن تنظيم منتدى حول “إعادة توطين” اللاجئين الأفغان في أيلول/سبتمبر الجاري.
انتقادات لمواقف لدول الأوروبية
ويعتبر استقبال المهاجرين موضوعا حساسا للغاية في الاتحاد الأوروبي العاجز حتى الآن عن إصلاح نظام اللجوء الخاص به.
بالمقابل، أعرب وزير داخلية لوكسمبورغ، جان أسيلبورن، عن أسفه لأن سياسة الهجرة الأوروبية تسير “في الاتجاه الخاطئ”. ودعا الاتحاد الأوروبي إلى “إنشاء برامج إعادة توطين (للاجئين) لمنح الأمل للأشخاص الملاحقين والذين لم يعد بإمكانهم العيش بشكل طبيعي في أفغانستان”.
وانتقد أسيلبورن بعض الدول الأعضاء، بما في ذلك النمسا وسلوفينيا، بقوله “تفعل كل ما في وسعها لمنع اللاجئين من القدوم إلى أوروبا”. واضاف “لا يمكننا قبولهم جميعا، هذا صحيح، ولكن على الاقل عدد معين”.
من جانبها، انتقدت منظمات دولية وحقوقية نهج دول الاتحاد في هذا الإطار. منظمة أوكسفام اتهمت الحكومات الأوروبية “بالتنصل من التزاماتها الدولية القاضية بتوفير ملاذ آمن للباحثين عن الأمان وإرسالهم إلى دول أخرى”.
أما منظمة العفو الدولية، فحضت دول الاتحاد الأوروبي على عدم “تحويل مسؤولية حماية اللاجئين إلى دول أخرى”.
وقالت منظمة في رسالة إلى يوهانسون إن الاتحاد الأوروبي ودوله “يجب أن يمتنعوا عن ردود الفعل المدمرة للغاية التي تركز على الحفاظ على حدود الاتحاد الأوروبي” محمية، “واقتراح أو تبني إجراءات تنقل مسؤولية حماية اللاجئين إلى دول ثالثة. “
وشددت المنظمة الحقوقية على أنه يجب على الاتحاد الأوروبي منح الأفغان الذين يصلون إلى أوروبا “إجراءات لجوء عادلة وفعالة وظروف استقبال مناسبة”، وكذلك اعتبار جميع النساء والفتيات الأفغانيات “لاجئات”، بسبب المخاطر التي يواجهنها في أفغانستان.
ضمان أمن الدول الأعضاء و”مكافحة الإرهاب”
وقد تعهدت الدول الأعضاء في إعلانها الختامي “بذل قصارى جهدها لضمان ألا يؤدي الوضع في أفغانستان إلى مخاطر أمنية جديدة على مواطني الاتحاد الأوروبي” وشددت على “تنفيذ ضوابط الأمن المتعلقة بالأشخاص الذين تم إجلاؤهم”.
وجاء في البيان أن “الاتحاد الأوروبي سيستخدم جميع أدواته المتاحة لمراقبة التطورات الميدانية التي قد تؤثر على أمنه والاستجابة لها عن كثب، لا سيما في مجال الجريمة المنظمة والإرهاب، بما في ذلك تمويله”.
بدوره، وعلى هامش اجتماع بروكسل، قال رئيس وكالة مراقبة الحدود الأوروبية “فرونتكس” أمس الثلاثاء إن أوروبا التي ستتعرض إلى “ضغوط هجرة” مع خروج أفغان فارين من نظام طالبان، يجب أن تحمي نفسها من “خطر الإرهاب”.
وقال فابريس ليغيري “تم استخلاص دروس من أزمة العام 2015″، عندما أدت الحرب في سوريا إلى تدفق المهاجرين على أوروبا. مضيفا “لدينا حل توفيقي جيد بين الحاجة الأخلاقية والإنسانية لحماية الشعب الأفغاني من ناحية، والحاجة إلى حماية حدودنا الخارجية (أوروبا) ضد وصول أشخاص يهددون الأمن الداخلي لأوروبا، وخصوصا من هم على صلة بحركات إرهابية”.
وتابع مدير الوكالة المسؤولة عن مكافحة الهجرة غير الشرعية أن “هناك خطرا إرهابيا سيكون مهما خصوصا” مع خروج اللاجئين الأفغان الذين قدرت الأمم المتحدة بأن عددهم قد يصل إلى 500 ألف شخص.
ووفقا لوكالة الإحصاءات الأوروبية “يوروستات”، تقدم حوالي 570 ألف أفغاني بطلبات لجوء في أوروبا منذ عام 2015. كما لوحظ ارتفاع بأعداد طالبي اللجوء الأفغان (على مستوى دول الاتحاد) بمقدار الثلث منذ شباط\فبراير الماضي، منذ أن بدأ الحديث عن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.
فضاء الآراء – مهاجر نيوز