يوسع مدارك الطفل ويزيد من ابتكاره.. ما فوائد اللعب العشوائي للأطفال؟

دعني أعرفك بنفسي، أنا أم لطفلة تبلغ 4 سنوات، بحكم الأمومة وطبيعة سن ابنتي ستجدني أتابع الكثير من مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي التي ترتبط بكل ما يهمها؛ ملابس، تمارين، أنشطة رياضية، تطورها الإدراكي والنفسي، وأخيراً مجموعات الألعاب المناسبة لمن هم في مثل عمرها.

الألعاب التي ما عادت توصف إلا بكونها ألعاب تنمية مهارات وألعاباً إدراكية. منذ أيام وقبل بدء موسم الإجازات الصيفية نشطت تلك المجموعات في نشر كل مجموعات الألعاب المملوكة لديها، متنافسة فيما بينها في تحديد الأسعار.

أخذني هذا للتفكير في موقف آخر حدث أمامي في الأكاديمية التي تتدرب ابنتي بها منذ عدة أيام، عندما عادت الكثير من الأمهات إلى التدريب بعد إجازة عيد الفطر لأجد الكثيرات منهن يسألن عن الألعاب الموجودة بالأكاديمية والتي يمكن لأطفالهن الاشتراك بها.

أخبرتني إحداهن أنها تود أن يلعب ابنها 4 ألعاب بواقع لعبتين كل يوم (التدريبات عادة ما تكون 3 أيام بالأسبوع)، لكي يتمكن من الاستفادة من كل وقت بالإجازة، وحتى لا يضيع وقته، بحسب رأيها.

هنا تذكرت طفولتي عندما كان يحين وقت الإجازات فنقضي النهار نلعب كأطفال معاً طوال اليوم في الشارع، يمكن أن نذهب إلى الساحات الشعبية ليلعب الأولاد كرة القدم، بينما تلعب البنات إحدى الألعاب المسموح بها في تلك الساحة.

هنا تحديداً فكرت متى يلعب أطفالنا لمجرد اللعب ليس لأي هدف آخر سوى التسلية؟

متى يلعبون ليسلوا أوقاتهم ويكتسبوا المهارات الكثيرة الموجودة في العديد من أنواع اللعب الأخرى غير المنظمة والتي لا تتبع أية قواعد؟

اللعب العشوائي

لا أعرف في واقع الأمر هل تلك التسمية دقيقة أم لا، لكن دعنا نتفق على تسميته بهذا الاسم، اللعب العشوائي الذي يهدف إلى اللعب فقط، الألعاب التي قضينا طفولتنا نلعبها دون هدف ملموس من رائها، وعلى الرغم من ذلك فقد جنينا منها العديد من الفوائد والتجارب.

وهنا أحب أن أنوه أنني لست ضد الألعاب الرياضية أو ألعاب تنمية القدرات والمهارات؛ فهي بالنهاية من نعم الله علينا في هذا العصر، حيث لها من الفوائد ما لا ينكره سوى جاحد.

لكنني أتحدث عن أهمية اللعب العشوائي للأطفال، وأن التسلية والمتعة فقط يمكن أن تكون هدفاً من اللعب، وهي هدف محمود على أية حال.

اللعب الذي يتم باستخدام أدوات من المنزل وألعاب عادية للغاية مثل العروسة والكرة وأدوات المطبخ ووسادات صالون المنزل ومشابك الغسيل، وغيرها من الألعاب التي تعرفنا عليها في صغرنا، بالإضافة إلى الأدوات المحيطة بنا في المنزل.

اللعب الخيالي والإبداعي والعشوائي في آنٍ واحد الذي يساعد على تسلية الطفل بالمقام الأول، والذي في الواقع له العديد من الفوائد والمردود الإيجابي على تطور الطفل.

فوائد عديدة وإمكانيات بسيطة

على الرغم من اعتقادي الثابت بأهمية اللعب للأطفال دون البحث عن جدوى حقيقية من ورائه، إلا أنه لا يمكنني أن أنكر بعض الفوائد التي يمكن تحصيلها من وراء تلك الألعاب العشوائية، مثلاً:

1- تعزيز قدرة الطفل على كسر الملل

تخيل مجموعة من الأطفال في اجتماع عائلي ممل، أو طفلاً وحيداً يعيش بمفرده مع أبيه وأمه، من المؤكد أنه سيشعر بالملل في بعض الأوقات، وهنا سيلجأ الطفل إلى محاولة التغلب على ذلك الشعور، وبالتأكيد سيجد أن اللعب هو الحل.

أياً ما كانت اللعبة التي سيلعب بها الطفل أو يخترعها من وحي خياله فهي بالحقيقة ساعدته على التعامل مع مشاعره بصورة كبيرة، بداية من التعرف عليها، ثم محاولة التغلب عليها من خلال اللعب.

كم من مرة لعب الطفل بدمية مملوكة له وقام بتقليد أفعال الأم، أو قام بترتيب الوسائد على الأرض ومن ثم القفز فوقها.

2- القدرة على الابتكار

بالطبع هناك الكثير من الألعاب الحديثة التي تساعد في تنمية الابتكار لدى الأطفال، لكن اللعب العشوائي يجعل الطفل هو المبتكر بذاته في كثير من الأحيان.

ولعلك تتذكر، عزيزي القارئ، إحدى الألعاب التي قمت باختراعها في طفولتك أنت وأحد جيرانك أو إخوتك أو أصدقائك، ومن ثم قضيتم أوقاتاً طويلة تلعبون بها ولا أحد من الكبار من حولكم يفهمها أو يعرفها، هنا أنتم لبيتم احتياجاتكم من خلال ابتكار لعبة بالمتاح من حولكم وبحسب قدراتكم العقلية.

3- إمكانية القيام به في أي وقت

تساعد التمارين الرياضية مثلاً على الالتزام، فهي محددة بوقت كما يلتزم الفرد بالقيام بتدريبات محددة وفقاً لقواعد اللعبة.

لكن ماذا يفعل الطفل باقي النهار إن شعر برغبة في اللعب؟

نعم، يعد اللعب العشوائي هنا هو الحل الأمثل، حيث إنه يتميز بالقدرة على القيام به في أي وقت ولأي مدة.

4- السعر القليل

إن الألعاب الإدراكية والاشتراك في التمارين الرياضية، تحتاج إلى الكثير من المال، خاصة في عصرنا الحالي، لكنّ لعب الطفل ببعض الأدوات المنزلية الموجودة بالفعل داخل المنزل لا يكلفك أي شيء.

لذا فإن اللعب غير المنظم، والذي يمكن أن يقضي فيه الطفل ساعات من يومه، سواء للعب بمفرده أو مع أقرانه فإنه لا يكلفك أي أموال.

5- بعض العشوائية

تعد المناهج الدراسية في المنطقة العربية بأكملها ضاغطة بصورة أو بأخرى، حيث يقضي الطفل نصف يومه في المدرسة، وبعدها يقضي النصف الآخر في الدروس الخصوصية أو بين الألعاب الرياضية التي تشترك بها الأمهات له، ما يشعر الطفل بالضغط المستمر.

كلنا يحتاج إلى بعض العشوائية والانفصال عن روتين الحياة الضاغطة، وبالطبع يوفر اللعب العشوائي ذلك الشعور للطفل.

6- توسيع مدارك الطفل

هل سبق لك أن رأيت طفلتك تتحدث إلى عرائسها؟ أو طفلك يتخيل أولاداً آخرين يلعبون معه؟

إن لم تتهمه بالجنون فاعلم أنك ساعدته على توسيع مدارك الخيال لديه، حيث يخلق الطفل لنفسه عالماً منفصلاً بعض الشيء يقوم من خلاله بتخيل ما يريد من أحداث والتفاعل معها وفقاً لرؤيته وقدراته العقلية والذهنية في ذلك الوقت.

وهنا أود أن أنوه إلى أن مراقبتك لحديث طفلك في أحاديثه الخيالية تلك، يساعدك بالإطلاع على حالته النفسية وعلى معتقداته، بمعنى أن الطفل الذي يتفاعل مع تخيله لبكاء دميته بالضرب أو الانفعال فإن هذا يعكس معتقده عن أن تلك هي الطريقة المثالية للتعامل، والتي بالطبع تعكس طريقة تعاملك معه.

7- الاحتكاك بعالم الأطفال الحقيقي

من الأخطاء التي وقعت بها ببداية علاقتي بابنتي أنني كنت أود حمايتها من الجميع؛ ما جعلني أشتري لها العديد من الألعاب دون محاولة لدمجها مع الآخرين.

كنت أتابع كل الصفحات الخاصة بالألعاب الإدراكية، حتى إنني لم أشترِ لها أي دمية سوى في عيد ميلادها الثاني؛ ذلك لإيماني وقتها أنه يكفي عليها معرفة الألوان والأعداد وأشكال الحيوانات وأسمائها، وأن هذا كافٍ جداً لتنمية قدراتها.

لكنني بالنهاية اكتشفت خطأ ذلك لأنني وجدتها لا تقدر على التفاعل مع الأطفال بشكل صحيح، تحبهم وتحب اللعب معهم لكنها أقل في التفاعل معهم مقارنة بمن هم مثلها، حتى إنها تفتقر لأي قواعد للتعامل معهم.

ومن هنا جاء الابتعاد شيئاً فشيئاً عن تلك الألعاب التي كنت أجبرها على أن تقضي معظم وقتها معها، وجاء الاندماج مع الأطفال من أجل اكتساب مهارات مثل التفاوض واتخاذ القرار والعديد من القدرات الأخرى التي لا يكفلها سوى التعامل مع الأطفال.

إن اللعب العشوائي الذي أصبحت الكثير من الأمهات في عصرنا الحالي ترى أن الابتعاد عنه أفضل، وأن توفير بديل له من الألعاب الإدراكية والاشتراك في العديد من الألعاب الرياضية أفضل منه، هو أمر خطأ بحسب رأيي؛ فكلاهما له العديد من الفوائد والإيجابيات التي يمكنه تحقيقها، والتي يمكنني أن أقول لك من واقع أمومتي إنهما بالأهمية نفسها.

دينا خالد – عربي بوست

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

الشاب الذي هزم فرنسا… وطرد الفرنكفونية

ظلّ طيف من الأدباء والمثقفين العرب يتغنّى طوال حياته بانتمائه للثقافة الفرنكفونية. أعرف روائيًا مصريًا لم يكمل تعليمه الثانوي بقي يردّد حتى مماته أنه ابن الثقافة الفرنكفونية البار، رغم أنه لا يستطيع أن يتحدّث جملتين باللغة الفرنسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
8 + 22 =