وصلت طبيبة الأطفال إيناس* إلى فرنسا في عام 2018، وواصلت عملها في أقسام عدة مدة 5 سنوات، بمستشفى في “فال دواز” في إحدى الضواحي الباريسية، لا سيما أثناء أزمة وباء كوفيد -19. لكن في تشرين الثاني /نوفمبر الماضي، لم تجدد السلطات تصريح إقامتها وبلغّتها المحافظة بلزوم مغادرة الأراضي الفرنسية (OQTF). تحدثت الطبيبة مع موقع مهاجر نيوز، عن سخطها وعدم فهمها لأسباب القرار الإداري الذي اتخذ بحقها.
في صباح يوم الاثنين 17 نيسان/أبريل، لم تذهب الطبيبة إيناس* إلى مستشفى “Val-d’Oise” “فال دواز” حيث عملت مدة خمس سنوات متواصلة. كانت طبيبة الأطفال التونسية والبالغة من العمر 36 عاما في إجازة مرضية. لكن في الواقع، لم تكن إيناس مريضة، كانت ملزمة بمغادرة الأراضي الفرنسية (OQTF) بموجب وثيقة أرسلت إلى منزلها واستلمتها في 15 شباط/فبراير، بعد أن رفضت محافظة “فال دواز” آخر طلب لها للحصول على تصريح إقامة ضمن الأراضي الفرنسية. لذا قررت الاستعانة بمحام للطعن في هذا القرار الذي تعتبره غير عادل.
فمنذ 27 شباط/فبراير، لم يعد لدى إيناس أي أوراق إقامة نظامية في فرنسا لتقديمها للشرطة في حال وقوع تفتيش. تقول الطبيبة إيناس باكية بأسى “عندما أتحرك، أشعر بالخوف على الرغم من أنني لم أرتكب أي خطأ، لم أعد أذهب إلى مراكز التسوق. وعندما أذهب إلى العمل أتجنب المسار المعتاد، وفي المستشفى أشعر بالخجل من زملائي. إنني أفكر في الأمر طوال الوقت وهذا ما يمنعني من النوم”. بالنسبة إلى محاميها، أليكسي توردو، فإن قرار المحافظة غير عادل، وغير عقلاني.
بدأت قصة إيناس عندما وصلت إلى فرنسا في شهر أيار/مايو 2018، بعد حصولها على دكتواره في الطب من مدينة سوسة التونسية، ومنذ وصولها إلى الأراضي الفرنسية، عملت كمتدربة في عدة أقسام في المستشفى، براتب قدره 1400 يورو في الشهر، بهدف الحصول على الاعتراف بشهادتها. تقول إيناس لموقع مهاجر نيوز “لقد وصلت لإجراء تدريب في طب الأطفال. أردت اكتساب الخبرة، وشرحت بلغة فرنسية ممتازة “عدم الاستقرار السياسي في تونس والقيود الاقتصادية أجبرتني على البقاء في فرنسا”. وتضيف أنها حصلت على وعد بالعمل في قسم أمراض الروماتيزم، والذي كان مشروطا بتجديد تصريح إقامتها، وهو المشروع الذي فشل بسبب عدم تجديد الإقامة.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، تزوجت إيناس من شريكها، وهو مهندس ميكانيكي لديه تصريح إقامة لمدة 10 سنوات، الأمر الذي يجعلها مؤهلة للحصول على تصريح إقامة يسمى “الحياة الخاصة والعائلية” “Vie privée et familiale”. يقول المحامي على ما يبدو تجاهلت المحافظة الأمر، ويضيف “إن موكلته استوجبت لجميع شروط الحصول على تصريح الإقامة كوضع زوجها النظامي من حيث الإقامة وحصوله على راتب مستقر، […] لا يوجد سبب وجيه يمكن أن يبرر قرار المحافظة وجوب الالتزام بمغادرة الأراضي الفرنسية “.
صورة عن وثيقة “OQTF” التي تلقتها الطبيبية في 14 شباط/فبراير 2023 . المصدر: مهاجر نيوز
على خط المواجهة خلال وباء كوفيد -19
بشكل عام في فرنسا، ممارسة مهنة الطب بالنسبة لآلاف الأطباء الأجانب الحاصلين على شهاداتهم من خارج الاتحاد الأوروبي “PADHUE” يمثل عقبة كما هو حال إيناس. فهؤلاء الأطباء يمارسون هذه المهنة عدة سنوات من خلال عقود غير ثابتة، ثم من خلال مسابقة دولية ذات أماكن محدودة (EVC) وأخيرا دورة تدعيم المهارات مدة عامين، قبل أن يحصلوا على الحق بالتسجيل في نقابة الأطباء وممارسة المهنة.
بالنسبة إلى معظم هؤلاء الأطباء الأجانب الذين أنهوا دراساتهم الطويلة، فإنهم لا يزالون بحاجة إلى سنوات أخرى لإكمال الاعتراف بشهاداتهم في فرنسا، خصوصا أن وباء جائحة كورونا قد أخر كل شيء.
لمدة عامين وخلال فترة الجائحة، شغل الأطباء الأجانب الوظائف الشاغرة في المستشفيات الفرنسية، كما تروي إيناس. “في تلك الفترة من الوباء، ذهب العديد من الأطباء الفرنسيين إلى أقسام العدوى لدراسة الفيروس ومصدره، لكن خلال هذا الوقت كان الأطباء الأجانب في الخطوط الأمامية! […] يتم طردك بمجرد عدم الحاجة إليك “.
خلال إعلان حالة الطوارئ الصحية، سمحت الحكومة الفرنسية للمستشفيات بتمديد مدة عقد المتدربين المشاركين (يقتصر مبدئيا على عامين). تتذكر الطبيبة تلك الفترة الصعبة قائلة “كنا نقوم من 8 إلى 10 مناوبات ليلية شهريا. رأينا شبابا في سن 30 عاما يموتون كل يوم، ولم نتمكن من المغادرة لرؤية أهلنا مدة عامين.!”
الترحيل يهدد آلاف الأطباء الأجانب
في أغسطس/آب 2020، أصدرت وزارة الصحة الفرنسية مرسوما يُعرف باسم قانون “ستوك” أو المخزون “loi Stock”، من المفترض أن يقوم بتسوية أوضاع الأطباء الأجانب “PADHUE” الذين عملوا في فرنسا مدة عامين بين كانون الثاني/ يناير 2015 وحزيران/يونيو 2021 بالإضافة إلى يوم واحد بين 1 أكتوبر 2018 و 30 يونيو 2019 وقد تم تقديم ما يقرب من 4500 ملف، بما في ذلك ملف إيناس، ولكن بعد ثلاث سنوات، من الواضح أن جميع الوعود لم يتم الوفاء بها.
تتساءل إيناس “قلنا لأنفسنا أنه يتعين علينا التحلي بالصبر، وأنه يتعين علينا اتباع الإجراءات، لقد قدمت ملفي إلى وكالة الصحة الإقليمية في 30 أكتوبر 2020، واستوفيت جميع الشروط المطلوبة ولكني حتى الآن لم أحصل على جواب. خلال مدة عامين من العمل المتواصل لم أطلب أي إجازة، للتأكد من عدم الإخلال بالشروط المطلوبة. كيف يمكن العيش بسلام في هذه الظروف؟ “
” إنني محبطة وغاضبة”
في 31 مايو/أيار 2022، كلف الرئيس إيمانويل ماكرون وزير الصحة الفرنسي فرانسوا برون بمهمة “سريعة” “flash” لإنقاذ خدمات الطوارئ المثقلة بالأعباء في المستشفيات الفرنسية. في تقريره الذي نُشر في يونيو/حزيران، أعرب الوزير عن قلقه بشأن مصير 4000 طبيب من خارج الاتحاد الأوروبي “PADHUE” الذين يجب أن “يغادروا البلاد إذا لم تتم معالجة ملفاتهم بسرعة” حيث “وجودهم ضروري لعمل المستشفيات”. ولذلك دعا السلطات إلى “تبسيط الإجراءات وتسريعها” وكذلك “الخروج عن الموعد النهائي لإبقاء هؤلاء العاملين في مناصبهم”.
تم تأجيل العمل بإجراءات قانون “ستوك” مرتين، فقد كان من المفترض أن تنتهي رسميا في 30 أبريل/نيسان. تقول الطبيبية “أشعر بخيبة أمل وغضب اتجاه نفسي ، لأنني كنت ساذجة للاعتقاد بأن لدي مستقبلا هنا. إذا لم يستمعوا إلى أصوات الفرنسيين في الشارع، فكيف لهم أن يسمعوا صوتي؟ وبحسب محاميها، توردو، ينبغي على المحكمة الإدارية إصدار قرار بشأن وضع إيناس في غضون شهرين.
تجدر الإشارة إلى أنه في 20 كانون الأول/ديسمبر 2022 ،أعلنت الحكومة الفرنسية عن النسخة النهائية من قانون الهجرة، الجديد في نص القانون هو استحداث تصريح إقامة للعاملين في المجال الصحي. هذا التصريح سيكون لسنوات عدة ويقع تحت عنوان “المواهب – المهن الطبية والصيدلة”، وهو خاص بالأطباء (من جميع الاختصاصات) والقابلات القانونيات وجراحي الأسنان والصيادلة. وسيكون من صلاحيات وزارات الصحة والداخلية والعمل إصدار مثل هذه الإقامات. ووفقا للمادة 7 من القانون، سيعنى تصريح الإقامة هذا ليس فقط بالعاملين الصحيين، بل بأسرهم أيضا، “بمجرد تعيينهم من قبل مؤسسة صحية عامة أو خاصة”. تقول الحكومة إنها تسعى إلى استحداث هذا النوع من الإقامات من “أجل تلبية حاجة البلاد”.
*اسم مستعار
نقلته للعربية ماجدة محفوض
ميادين – مهاجر نيوز