أثار التصعيد الأخير بين إسرائيل وحماس توترات بين العرب واليهود في المدن المختلطة في إسرائيل. عودة المياه إلى مجاريها والثقة بين الجانبين قد تستغرق أعواماً.
ساد هدوء حذر الشوارع الرئيسية في مدينة يافا المختلطة التي يسكنها عرب ويهود وهو ما يعد أمراً غير معتاد في عطلة السبت في المدينة التي أصحبت رسمياً جزءاً من تل أبيب منذ أكتوبر / تشرين أول عام 1949.
ويتزامن هذا مع مرور عدة أيام على سريان الهدنة بين إسرائيل وحماس والتي لا تزال صامدة إذ لم يتخللها إطلاق صواريخ من قطاع غزة على إسرائيل ولم تشن إسرائيل غارات على القطاع الذي تسيطر عليه حماس منذ 2007 ويعد أحد أكثر مناطق العالم اكتظاظاً بالسكان.
بيد أن هذه الهدنة لا يشعر بأصدائها في بعض المدن المختلطة الأكثر هشاشة في إسرائيل والتي شهدت توترات بين السكان العرب واليهود في الآونة الأخيرة. هذا التوتر بدا جلياً مما ذكره بعض سكان هذه المدن المختلطة من العرب واليهود.
“في مدينة القدس (الشرقية)، اليهود والفلسطينيون لا يشترون حتى الخبز من بعضهم البعض، إذا لم تكون هناك ضرورة ملحة”، بهذه الجملة وصفت الشابة الفلسطينية سماح (31 عاماً)، التي اشترطت عدم الإفصاح عن هويتها مثل كل الفلسطينيين الذين تحدثوا في هذا التقرير، الوضع الحالي في القدس.
وتقول سماح التي انتقلت للعيش في حيفا قبل شهرين، إنها تشعر بالتغيير. وتضيف “يبدو الأمر مروعاً، لكن في القدس شعرت على الأقل بأنه يمكنني الاختباء داخل فقاعتي. فلم يتعين أن أواجه العنصرية والتميز من اليهود إذا بقيت في الجزء الشرقي منها”، في إشارة منها إلى الجزء الذي يشكل فيه الفلسطينيون غالبية السكان.
وتشير سماح إلى أنه في حيفا “يتعين على اليهود والفلسطينيين مواجهة كلاهما الآخر في الحياة اليومية، فالمدينة ليست مقسمة إلى شطرين كما الحال في القدس.”
وتفتخر مدينة حيفا الواقعة شمال إسرائيل وتعد ثالث أكبر مدنها، بكونها نموذجاً للعيش المشترك بين العرب واليهود رغم وجود أشكال من التوتر بين السكان بين الحين والآخر، لكن الأمر تصاعد وانزلق إلى اشتباكات عنيفة خلال التصعيد الأخير.
فبعد أقل من يومين على إطلاق حماس أول دفعة من الصواريخ على القدس، أقدم متظاهرون يهود في حيفا على إلقاء الحجارة على سائق فلسطيني. وفي واقعة أخرى، هاجم خمسة من عرب إسرائيل رجلاً يهودياً في عامه الثلاثين في مدينة عكا في شمال إسرائيل وهي إحدى المدن المختلطة.
وتلك الحوادث ليست وقائع معزولة.
الهدنة ليست كافية
ورغم أن المدن المختلطة التي يعيش فيها العرب واليهود معاً لعقود مثل حيفا واللد ويافا، لم تتعرض للكثير من الأضرار جراء إطلاق الصواريخ من قطاع غزة إبان التصعيد الأخير، إلا أن تداعيات الأمر كانت ولا تزال جلية في هذه المدن.
وفي ذلك، تقول سماح: “لا يوجد تعايش مشترك حقيقي (في حيفا). فهنا أيضاً يتم التعامل دائماً مع الفلسطينيين باعتبارهم (مواطنين) من الدرجة الثانية. وهو ما أصبح واضحاً في الوقت الحالي”.
وفيما يتعلق بخليل البالغ من العمر 15 عاماً والذي وُلد وتربى في يافا، فإن الهدنة كانت “خبراً رائعاً، لكنها فقط البداية”. ويضيف خليل “الشرطة تغلق الشوارع هنا كل مساء لتمنع الناس من المرور وتستجوبنا..لماذا؟ هل نحن مجرمون؟ إننا نريد فقط العيش في سلام على أرضنا”. وكان خليل يتحدث فيما كان يلبي طلب زبون واحد خلال عمله في مخبز عائلته الذي كان في السابق يشهد اكتظاظاً بالزبائن من العرب واليهود.
والشيء اللافت للاهتمام أن هذا الزبون كان يهودياً ويدعى أدم ويبلغ من العمر 42 عاماً وهو أحد سكان يافا. ويتفق آدم في الرأي مع خليل إذ يقول: “بغض النظر عن الموقف السياسي، فإن حقيقة الأمر أنه يتعين على اليهود والفلسطينيين تعلم كيف يمكنهم العيش والتعايش معا. ولا توجد أي احتمالية واقعية أخرى غير ذلك”.
وخلال ذروة التصعيد الأخير، وفي تل أبيب وتحديداً في حي بيت يام المتاخم لمدينة يافا، أظهرت لقطات تليفزيونية مباشرة قيام مجموعة من اليهود المتطرفين بضرب رجل يرقد على الأرض بوحشية بزعم أنه فلسطيني.
وقبلها، سار العشرات من المتطرفين الإسرائيليين اليمينيين في أرجاء المدينة حيث قاموا بمهاجمة المحال التي يمتلكها العرب وتحطيم النوافذ ورددوا هتافات عنصرية.
أما في مدينة اللد التي يشكل فيها العرب 40 بالمائة من تعداد السكان، قُتل رجل في عامه 31 من عرب إسرائيل بعد إطلاق النار عليه، فيما تم إحراق كنيس وعدد من ممتلكات اليهود.
وبعد ذلك بأيام، لقى يهودي مصرعه بعد أن هاجمته مجموعة من عرب إسرائيل.
وخارج المعبد في مدينة اللد والذي تعرض للإحراق، قال يويل فرانكنبرغ وهو يهودي في عامه 34 لوكالة الصحافة الفرنسية “العرب يريدون قتلنا. لقد تعرضت لهجوم على يد (السكان الفلسطينيين) فقد رشقوني بالحجارة.. لقد أخرجت أطفالي من المدينة”.
انهيار الثقة
مع صمود الهدنة حتى الآن، بدأت الحياة تعود ببطء إلى قطاع غزة وإسرائيل؛ إذ بدأت عملية إزالة الأنقاض وتنظيف الشوارع وفتحت المقاهي أبوابها. وفي القطاع، فتحت حركة حماس المكاتب الحكومية أمام المواطنين. يشار إلى أن السلطات الصحية التابعة لحماس ذكرت أن 248 شخصا بينهم 66 طفلا قتلوا فيما أُصيب أكثر من 1900 خلال الغارات التي شنتها إسرائيل. وتقدر الأمم المتحدة أن المدنيين يشكلون أكثر من نصف عدد القتلى.
وفي المقابل، قُتل 12 إسرائيليا بينهم طفل ومراهق وجندي جراء الصواريخ التي أطلقت من غزة فيما أُصيب نحو 357 شخصا، وفقا للشرطة الإسرائيلية. وذكر الجيش الإسرائيلي أن حماس وحركة الجهاد وغيرها من فصائل غزة أطلقت قرابة 4350 صاروخا قامت منظومة “القبة الحديدية” باعتراض الكثير منها.
أما في المدن المختلطة في إسرائيل فإن الضحايا لم يسقطوا جراء القصف أو الصواريخ وإنما جراء عمليات الإعدام خارج نطاق القانون ورشق الحجارة وإطلاق النار.
ورغم ذلك، لا يزال الفلسطينيون واليهود يدعون مدنهم المختلطة بأنها “بيتهم”، لكن الأمر قد يستغرق سنوات من أجل تضميد الجراح وبناء الثقة بينهم.
دانا ريغيف / م.ع / DW عربية