الطاقة النووية أو الذرية كما يطلق عليها البعض، مادة دسمة للجدال بين الخبراء، فهناك من يعتبرها خالية من الانبعاثات وبالتالي طاقة “نظيفة”، فيما يحذر البعض من خطورتها. فأين يقع اللبس؟ تابعوا معنا هذه المعلومات.
كثيرا ما يدعي مؤيدو الطاقة النووية أو الذرية أمام منتقديهم أنّ من “يقف في وجه تطوير الطاقة الذرية، لا يريد الحفاظ على البيئة”، أو “لا يدعم المجهودات الجارية في سبيل التقليل من نسب الانبعاثات السامة”. جمل كهذه وغيرها يتم تداولها بكثرة في وسائل التواصل الاجتماعي.
وفيها يتم تقديم الطاقة الذرية كضامن لبيئة أفضل تحمي كوكب الأرض عبر كبح الانبعاثات السامة. يضاف إلى ذلك الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة، الذي دفع البعض إلى تقديم الطاقة الذرية كبديل لا غنى عنه. هذه العوامل وغيرها قد تثني العديد من الحكومات عن التراجع عن توجهات للاستغناء عن هذا النوع من الطاقة، يخشى نشطاء البيئة.
فهل هذا صحيح؟! هل الطاقة الذرية طاقة “نظيفة” تساهم في كبح الانبعاثات؟ أم أنه هراء ورهان قد يجهز على الوقت المتبقي والقصير لإنقاذ الأرض من مزيد من الاختباس الحراري؟!
خالية من الانبعاثات؟
لم ينجح الإنسان إلى غاية اليوم في اكتشاف طاقة خالية من الانبعاثات، بما في ذلك الطاقة الذرية. عند استخراج اليورانيوم وتحميله وكذا تخصيبه تتكون انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. كذلك الأمر عند عملية إنشاء المفاعلات النووية العالية التعقيد. بل وحتى عند إغلاق المفاعلات تتكون كمية هائلة من الانبعاثات، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالتخلص من النفايات وهي عملية تخضع لقوانين صارمة جدّا ومكلفة للغاية.
رغم ذلك تدعي بعض الشركات أن الطاقة الذرية أو النووية كما يطلق عليها البعض هي “نظيفة” تماما، كما يقول المكتب الاستشاري “اينكو” الذي أعدّ تقريراً لوزارة الاقتصاد الهولندية متحدثا عن “عوامل رئيسية تدفع لاختيار الطاقة النووية تكمن في الموثوقية في ضمان توفير الطاقة، وكلّ هذا دون انبعاثات سامة”.
غير أن الباحثين في مجموعة “Scientists for Future” توصلوا إلى خلاصة مختلفة تماما مفادها أنه و”بالنظر إلى منظومة الطاقة برمتها فإن الطاقة النووية ليست خالية من ثاني أوكسيد الكربون”، وفقاً لما جاء في تقريرها المقدم إلى المجتمعين في مؤتمر باريس للمناخ.
الباحث “بين ويلر” الأستاذ المحاضر في جامعة برلين، كان من بين من أعدوا هذا التقرير، وفي حوار مع DW انتقد بشدة مؤيدي الطاقة الذرية لكونهم “يتجاهلون زوايا عديدة”، بدءا من عملية بناء المفاعلات واستخدامها مرورا بتخزين الطاقة وعملية نقل النفايات، وصولا إلى عملية هدم المنشآت. وقد أمدّ DW بالعديد من الدراسات في هذا الشأن خلصت جميعها إلى تأكيد ما يقول.
هل تتكون الانبعاثات عند تصنيع الكهرباء من الطاقة النووية؟
هنا نجد تباينا واضحا في الإجابات المقدمة، سواء إذا تمّ احتساب عملية استخراج الكهرباء فقط أو عند احتساب منظومة التوليد برمتها.
تقرير الهيئة الحكومية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC) لعام 2014، قدم قياساً تقريبياً من 3,7 إلى 110 غراما من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في كل كيلوواط للساعة للكهرباء المستمد من الطاقة النووية.
يعتقد الخبراء أن المعدل الحقيقي هو بحدود 66 غراما، لكن الباحث ويلر يذهب في حواره مع DW إلى أبعد منذ ذلك بكثير معلّلا طرحه بأن الأجهزة والأنظمة الحديثة باتت أكثر تعقيدا وبالتالي تطرح نسبة انبعاثات أعلى.
الإشكالية تكمن في أن العديد من الدراسات لا تحتسب عملية الإنتاج من بدايتها، أي ابتداء من تصنيع اليورانيوم وتخصيبه إلى مرحلة إنتاج الكهرباء. وهناك دراسات تغفل ذلك عن قصد، ومعدوها يكونون غالبا من المؤيدين للطاقة النووية.
المقارنة بين باقي أنواع الطاقة
إذا ما أردنا احتساب عملية الإنتاج كاملة، فإننا سنجد أن النسب المقدمة بالنسبة للطاقة النووية هي أفضل من الطاقة الأحفورية. ومع ذلك تبقى أعلى بكثير من الطاقة المتجددة.
ففي تقرير أعده المكتب الاتحادي الألماني لحماية المناخ، نقرأ أن الطاقة النووية تطرح انبعاثات أعلى بنسبة 3,5 بالمائة مقارنة بالطاقة الشمسية. هذه النسبة تتضاعف 13 مرة مقارنة بالطاقة المستمدة من الرياح و29 مرة مقارنة بالطاقة المستمدة من الطاقة المائية.
جو هاربر/ غيرو روتر / DW