هاينريش بول ليس فقط أحد رواد الأدب الألماني الحديث، الذين حملوا على عاتقهم إعادة صياغته وأوصلوه إلى العالمية، بل كان ناقداً للأوضاع السياسية في بلده وفي العالم ورجل المواقف الملتزم الذي يؤمن بأن الأدباء هم ضمير الأمة.
ولد هاينريش بول في مدينة كولونيا الألمانية عام 1917 في عائلة كاثوليكية بسيطة يعود أصلها الأول إلى انجلترا. وتحتم على الطفل هاينريش أن يعايش مع أسرته سنوات الجوع والحرمان والمعاناة، التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، ثم أثناء الحرب العالمية الثانية التي كان أحد جنودها وشاهداً على بشاعتها من واقع حياته اليومية في الجبهة. وهو الأمر الذي عكس نفسه بلا شك على أدب هاينريش بول وساهم كثيراً في تشكيل شخصيته الأدبية والسياسية.
وقد ترك بول بصماته الواضحة على أدب ما بعد الحرب في ألمانيا من خلال مساهماته في إعادة الاعتبار للأدب الألماني ومنحه اعترافاً عالمياً. في هذا السياق قال عنه كاتب سيرته الذاتية، الكاتب والناقد هاينريش فومفيغ: “لم يؤثر أي أديب ألماني بهذه الصورة في الأدب الألماني في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كما فعل هاينريش بول”، مردفاً أنه لم يحدث أن فهم العالم أي أديب ألماني وأحبه مثل هاينريش بول.
أحد رواد أدب ما بعد الحرب
شهد الأدب الألماني بعد الحرب العالمية الثانية بداية جديدة من خلال كوكبة من الأدباء الألمان، منهم بطبيعة الحال هاينريش بول وغونتر غراس اللذان حصلا على جائزة نوبل للآداب. وقد حاول هؤلاء الأدباء، الذين عُرفوا “بمجموعة 47″، التعبير عن التجربة العدمية المروعة، التي تمثلت في الحرب والدمار والتعبير عن الذنب والهزيمة الألمانيتين ومعالجة الماضي الألماني والتساؤل عما حدث، بالإضافة إلى مراجعة الذات، وذلك من خلال الاستعانة بالفلسفة الوجودية أو التقاليد المسيحية معتمدين على الحداثة الأدبية التي كانت منبوذة أثناء الحكم النازي. ومن الأمثلة على هذا النوع الأدبي قصص هاينريش بول “وصل القطار في موعده المحدد” (عام 1949)، ومسرحية “ولم ينطق بكلمة واحدة” (عام 1953)، و “خبز الأعوام المبكرة” (عام 1955) و “لعبة البلياردو في التاسعة والنصف” (عام 1959) وغيرها من روائع الأدب القصصي العالمي، التي مثل الكثير منها على خشبة المسرح أو حولت إلى أفلام. كما ترجمت أعماله القصصية إلى الكثير من لغات العالم بما فيها العربية.
الجندي المتمرد
عندما وصل أدولف هتلر إلى السلطة عام 1933 كان هاينريش بول في ريعان الشباب. وعقب حصوله على الثانوية العامة عام 1937 التحق بدورة تأهيليه في علم المكتبات، إلا انه لم يكملها بسبب استدعائه لأداء الخدمة العامة. وفي عام 1939 كان هاينريش بول قد التحق بالجامعة، إلا انه تم استدعائه للخدمة العسكرية. ورغم محاولاته التهرب من الخدمة بادعاء المرض وتقديم تقارير طبية مزورة أو بحجة الدراسة، إلا انه أجبر على المشاركة في الحرب العالمية الثانية على مختلف الجبهات مثل بولندا، والاتحاد السوفيتي السابق، ورومانيا، وهنغاريا. ومن أرض المعركة كان الجندي هاينريش يكتب رسائل بشكل شبه يومي لأسرته وصديقته، انه ماريا سيش، التي أصبحت فيما بعد زوجته. وقد أصيب بول في المعارك الحربية أكثر من مرة، كما تم أسره من قبل الجيش الأمريكي لفترة قصيرة وأطلق سراحه عام 1945.
رواية شرف كاترين بلوم الضائع من أشهر أعمال هاينرش بول
احتفاء “أخضر”