“تمر السنوات كأنها ساعات… ضاع العمر بالانتظار”، جملة تتكرر على ألسنة اللاجئين العراقيين في تركيا. معظمهم تقدموا بطلبات لجوء وإعادة توطين لمفوضية اللاجئين، لكن منهم من مضى على وجوده هناك أكثر من عشر سنوات ينتظرون موافقة المفوضية على طلبات لجوئهم.
منذ تسعينيات القرن الماضي، نشطت حركة هجرة العراقيين خارج بلادهم، لأسباب كانت بوقتها تتعلق بالحصار المفروض عليهم ونتائجه الكارثية التي لحقت بكافة القطاعات الخدماتية في البلاد. ومع الاجتياح الأمريكي للعراق في 2003، عادت نسب الهجرة في صفوف العراقيين للارتفاع مجددا، فباتت تستهدف شرائح واسعة من المجتمع، خاصة تلك التي تأثرت من مفاعيل الاجتياح بشكل مباشر.
وكانت كل من الأردن ومصر وتركيا من الوجهات الأساسية لهجرة العراقيين حينها، نتيجة سهولة حصولهم على تأشيرات لدخول تلك البلاد. وكانوا ما أن يصلوا إلى وجهتهم المنشودة حتى يتقدموا بطلبات لجوء لدى مكاتب مفوضية اللاجئين في تلك البلدان. عامر، لاجئ عراقي في أستراليا، قال لمهاجر نيوز في وقت سابق أنه وعائلته كانوا قد غادروا إلى تركيا في 2005، تقدموا بطلبات لجوء وإعادة توطين لدى المفوضية، وبعد عامين فقط وجدوا أنفسهم على متن طائرة متجهة بهم إلى أستراليا.
سنتان للحصول على الموافقة
حال عامر كحال الآلاف غيره من أبناء جلدته، الذين آثروا الهجرة حينها هربا من الحرب التي عصفت ببلادهم، وبحثا عن مستقبل آمن لهم ولأبنائهم. مصدر من مفوضية اللاجئين في الأردن قال لمهاجر نيوز إن طلبات العراقيين في تلك الفترة كانت تتم معالجتها بشكل سريع نسبيا، حيث كان الطلب يستغرق في حده المتوسط سنتين، لينال القبول وفرصة إعادة التوطين في إحدى الدول الغربية.
لكن مع الوقت وتحول قضية الهجرة إلى مأساة دولية، بدأ واقع العراقيين بالتبدل. منذ 2015، مع بداية أزمة الهجرة وتحول حدود الدول الأوروبية المحاذية للدول الشرق أوسطية إلى معابر لقوافل المهاجرين، بات من الصعب على مفوضية اللاجئين وغيرها من المنظمات الأممية المعنية باللجوء وإعادة التوطين، البت بطلبات اللجوء لديها بنفس الوتيرة السابقة. فبدأ العراقيون باللجوء إلى وسائل الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، آملين الوصول إلى أهدافهم.
في تلك الفترة، غصت مخيمات اللجوء في اليونان مثلا باللاجئين العراقيين، إلى جانب غيرهم من السوريين والفلسطينيين والأفغان. ارتفاع أعداد المهاجرين دفع الدول إلى تطبيق سياسات أكثر تشددا على حدودها لوقف تلك التدفقات، فعاد العراقيون ليجدوا أنفسهم عالقين في الدول التي كانت بالنسبة لهم محطة على طريق هجرتهم.
“الانتظار ضيف ثقيل”
أحلام ماهر، لاجئة عراقية في تركيا، تحدثت لمهاجر نيوز عن معاناتها وعائلتها أثناء انتظار البت بطلب إعادة التوطين الخاص بها من قبل مفوضية اللاجئين.
وصلت أحلام إلى تركيا من بغداد في 2011، وتقدمت بطلب لجوء بعد نحو شهرين من وصولها. لم تكن والدة الأطفال الأربعة تعتقد أن انتظارها سيطول لنحو 10 سنوات قبل أن تستحصل على بطاقة لجوء على الأراضي التركية. قالت لمهاجر نيوز “الانتظار صعب، يتحول مع السنوات إلى ضيف ثقيل حاضر في كافة تفاصيل حياتك. حتى أنه خيّل إلي في بعض الأحيان أن الطريقة الوحيدة للتخلص منه هي الموت”.
عشر سنوات كانت كفيلة، حسب أحلام، بتحويل تفاصيل حياة عائلتها إلى جحيم متجدد يوميا، “علاقتي بزوجي تأثرت بشكل كبير، علاقتي بأطفالي أيضا. حينها كان ابني الكبير يبلغ من العمر 12 عاما، أحسست بأني بدأت بفقدان صلتي به. بات كثير القلق ويتهمني ووالده يوميا بالمسؤولية عن ضياع مستقبله. أما ابنتي الصغيرة فكانت تبلغ حينها عامين، هي الآن تبلغ من العمر حوالي 12 عاما، تتحدث التركية ولم تعد للمدرسة منذ عامين”.
حرمان الأطفال من التعليم وأمور أخرى
أثر الانتظار على العائلات العراقية يبدو جليا على الأبناء، كونهم الفئة الأضعف في هذه الحلقة، والمصاعب الحياتية أجبرت أهلهم على حرمانهم من أمور كانت قد تعتبر بديهية في أي مكان آخر، كالتعليم مثلا.
واصف الدليمي، لاجئ عراقي أيضا في تركيا، قال لمهاجر نيوز إنه مضطر لحرمان أطفاله من التعليم، “تكاليف الدراسة عالية جدا هنا وأنا عاطل عن العمل. حصلت على اللجوء في تركيا قبل نحو عام، لكني ممنوع من العمل بحكم القوانين”.
يحاول واصف تدبر أموره المادية من خلال القيام بأعمال مياومة، قدر المستطاع، لكن “المردود غير كاف بتاتا، بالكاد أتمكن من تأمين أجرة المنزل. أشعر بحزن وندم شديدين على عدم تمكني من توفير التعليم لأطفالي، كنت أعتقد أنني سأحصل على اللجوء وإعادة التوطين بشكل سريع لأتمكن من تأمين مستقبل أفضل لأطفالي في بلاد أخرى، تحترم الإنسان وحياته”.
“من المسؤول عنا نحن اللاجئين العراقيين؟”
فضلا عن التعليم والإحساس بالعجز الناجم عن مرور السنوات دون أي تقدم يذكر في ملفاتهم، يعاني اللاجئون العراقيون من إهمال سلطات بلادهم لأمورهم العامة. هذا ما طرحه باسل، اللاجئ العراقي في تركيا منذ ست سنوات.
باسل يبلغ من العمر 41 عاما، متزوج ولديه طفلين. قال لمهاجر نيوز إنه لجأ إلى تركيا مع عائلته ووالدته في 2012، “قصتي مشابهة لقصص الجميع هنا، لكن مع إضافة بسيطة أو سؤال بسيط إذا صح التعبير، من المسؤول عنا نحن اللاجئين العراقيين؟ توفت والدتي العام الماضي، ومعها هبّت علينا عواصف الإجراءات الإدارية والتكاليف المالية المنهكة لإتمام إجراءات الوفاة. توجهت للسفارة العراقية بإسطنبول، لكنهم رفضوا التحدث إلي، أردت أن أرى إن كان هناك إمكانية لنقلها لبغداد لتدفن هناك حسب وصيتها”.
يكمل بصوت حزين “بالنهاية اضطررت لدفنها هنا في تركيا بعد أن استدنت مبالغ طائلة. نحن ضحايا الحرب التي مزقت بلادنا، والهجرة التي دمرت عائلاتنا، والفقر الذي أضاع مستقبل أطفالنا، ومفوضية اللاجئين التي أضاعت سنوات حياتنا. نحن ضحايا كل هؤلاء، نحن متعبون ونريد أن نرتاح لكن للأسف يبدو أن هذا ممنوع علينا في هذا العالم الظالم”.
وبانتظار تحقيق انفراجات في ملفاتهم، يرفض معظم المهاجرين العراقيين العودة إلى العراق، فمع كل المآسي التي شهدوها في الغربة، يتوقعون أن تكون حياتهم أسوأ في بلدهم الأم، مع انعدام الإحساس بالأمان وفقدان الأمل بأي مستقبل لأطفالهم.
فضاء الآراء – مهاجر نيوز