تعد هذه الابتهالات التي تنقل عبر الإذاعة في رمضان جزءا من تفاصيل استقبال الشهر الفضيل بالمغرب فلا تكتمل مظاهره إلا بحضورها.
بمجرد الإعلان عن ثبوت هلال شهر رمضان بالمغرب، يظهر على التلفزيون العمومي عازف بجلبابه التقليدي وطربوشه الأحمر وهو يعزف بآلة نفخ نحاسية حادة الصوت موسيقى رمضانية خاصة.
تؤْذن أنغام عازف آلة النفير أو البوجل بحلول ضيف عزيز له مكانة عظيمة لدى المغاربة يطلقون عليه “سيدنا رمضان”.
والموسيقى التي يعزفها مقتبسة من ابتهالات مغربية ترتبط بصلاة الفجر تسمى تهلالت، ومن أشهر كلماتها “يا عباد الله قوموا لا تناموا هذا وقت الخير قوموا تغنموا، يا عباد الله قوموا لا تناموا حان وقت الصلاة قوموا تغنموا”.
وتعد هذه الابتهالات -التي تنقل على الإذاعة في رمضان وتعزف موسيقى بلحنها- جزءا من تفاصيل رمضان بهذه المملكة فلا تكتمل مظاهره إلا بحضورها.
مقامات أصيلة
يوضح محسن نورش أن الذاكرة الوجدانية المغربية ارتبطت بتهلالت وخاصة في رمضان، حيث يظل الناس مستيقظين إلى صلاة الفجر وحينها يستمعون إلى هذه الابتهالات من فوق صوامع المساجد وعبر الإذاعات المحلية.
وتهلالت عبارة عن أدعية وقصائد يؤديها المهلل من على الصوامع قبل صلاة الفجر، تبدأ بنغم بطيء ثم يتسارع مع اقتراب أذان الفجر.
ويجول المبتهل -يقول نورش- خلالها بين مقامات أصيلة منها الحجاز والرصد ورمل الماية وغريبة الحسين التي تختتم بها تهلالت بكلمات “يا عباد الله قوموا لا تناموا هذا وقت الخير قوموا تغنموا”.
ورغم التشابه في الأنغام والألحان، فإن الكلمات تختلف من مبتهل لآخر، ويختارونها من المطولات من قصائد كبار رجالات التصوف.
وتهلالت جزء من تفاصيل الحياة بالمدن القديمة، إذ يوضح نورش أنها كانت في الماضي تبدأ قبل الفجر بـ 3 ساعات لمؤانسة المرضى والغرباء حيث يتشارك المبتهل لحظات حميمية ومؤثرة مع سكان الحي بصوته الندي.
وأشار إلى أن المغاربة خصصوا أوقافا تذهب مداخيلها لمكافأة المهللين في الصوامع.
غير أن الناس ينتبهون لهذه الابتهالات أكثر في رمضان حيث يظلون مستيقظين إلى وقت الإمساك وصلاة الفجر.
ومن أشهر المهللين الحاج محمد العمري الذي كان يقدم تهلالت بصوته في الإذاعة الوطنية، وعبد الغني الفقير وعبد الحميد أبو العيش ومولاي عبد السلام الشبيهي.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن عادة إنشاد الأشعار وتلاوة الأذكار فوق الصوامع، قبل أذان الفجر وفي ليالي رمضان، عرفت في العهد الوطاسي بالقرن الـ 15، وقد أنكر هذه الزيادات الغنائية حينها الشيخ الونشريسي واعتبرها من البدع لكنها استمرت حتى العصر الحاضر.
أغان خالدة
كل رمضان، يسعى المطربون والمنشدون إلى إنتاج أغاني هذه المناسبة الدينية، إلا أنها لم تستطع إزاحة بعض الأغاني القديمة التي ارتبطت في الوجدان بهذا الشهر الفضيل وصارت جزءا من المظاهر الأساسية التي تؤثث إلى جانب تفاصيل أخرى الصورة الكاملة والمشهد الكامل لرمضان المبارك.
وفي مصر تعتبر أغنية “وحوي يا وحوي” من أشهر وأقدم الأغاني التي ارتبطت في وجدان وذاكرة المصريين والعرب برمضان، وكلماتها تعني الشعور بالفرح بقدوم ورؤية عزيز.
وظلت هذه الأغنية، التي قدمت لأول مرة سنة 1937، حية ومستمرة ومرتبطة بهذا الشهر الفضيل، وهي من كلمات محمد حلمي المانسترلي وألحان أحمد شريف وغناء أحمد عبد القادر.
تقول كلماتها “وحوي يا وحوي اياحه، روحت شعبان الياحه، وحوينا الدار جيت يا رمضان، هل هلالك والبدر أهو بان”.
وإلى جانبها “رمضان جانا” وهي من أبرز الأغاني التي تنشر البهجة وتعبر عن السعادة باستقبال رمضان، من غناء الفنان الراحل محمد عبد المطلب وكلمات حسين طنطاوي وتلحين محمود الشريف، وبثت لأول مرة بالتلفزيون المصري سنة 1965.
تقول كلمات الأغنية “رمضان جانا، وفرحنا به، بعد غيابه وبقاله زمان، غنوا معانا شهر بطوله، غنوا وقولوا أهلا رمضان”.
وفي لبنان لأغنية “علوا البيارق” مكانة عميقة في الوجدان، وضع كلماتها ولحنها الفنان أحمد قعبور منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
صارت الأغنية نشيدا رمضانيا يتداوله الناس والإعلام بهذه المناسبة الدينية، وتقول كلمات مقدمتها “علوا البيارق علوها وغنوا للعيد ضووا الشوارع خلوها تغني من جديد”.
أما في تونس، فتظل ابتهالات الفنان لطفي بوشناق أساسية في رمضان وأشهرها ابتهال “أسماء الله الحسنى” الذي تعرضه القنوات والإذاعات التونسية قبل الأذان وترتبط بالشهر الفضيل إلى جانب ابتهالات أخرى له.
المصدر : الجزيرة