مع قرب انعقاد قمة المناخ “كوب 27” التي تستضيفها مصر، تكثف الحكومة المصرية مبادراتها البيئية لتخفيف حدة التلوث وتقليل الانبعاثات في القاهرة المصنفة ضمن المدن الأكثر تلوثا، آخرها أول مشروع “كايرو بايك” لركوب الدراجات.
في قلب “ميدان الثورة” الشهير بوسط القاهرة، وقف شبان وفتيات على محطة تضم صف من الدراجات بلون برتقالي مع لافتات “كايرو بايك”، ليستكشفوا هوية المشروع الأول من نوعه في قلب القاهرة. من بين هؤلاء يوسف شعبان الذي أتى خصيصا لخوض تجربة قيادة الدراجة في قلب العاصمة المصرية لأول مرة، بل سعيا لنشر التجربة لأصدقائه ومتابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول شعبان لـ DW عربية: التجربة جميلة للغاية، والأمور تتم بسلاسة وإلكترونية عبر بطاقة تعريفية لمندوب المحطة بمبلغ رمزي (جنيه مصري في الساعة). لاحظ شعبان إقبالا كبيرا على المشروع خاصة في العطلات الرسمية بهدف الترفيه، لكن هذا لا يعني أن المواطن قد اصبح مقتنعا بفكرة استخدام الدراجات في التنقل إلى العمل أو الدراسة داخل القاهرة.
أما داليا مصطفى، فوجدت في المبادرة “فرصة سانحة” لممارسة هوايتها الرياضية المفضلة في ركوب الدراجات، بل والتجول في شوارع القاهرة بطريقة مختلفة بعيدا عن السيارات. “كفتيات كنا نفتقد لمثل تلك المشروعات خاصة في القاهرة، لهذا يشعجنا المشروع أكثر على ركوب الدراجات بأمان”، لهذا تخطط داليا لخوض التجربة هذا الأسبوع مع صديقاتها.
وأطلق رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، الخميس 20 أكتوبر/تشرين الثاني، المرحلة الأولى من مشروع “كايرو بايك” أول منظومة عامة لـ “الدراجات التشاركية” في مصر، الذي يتم تنفيذه بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ومؤسسة “دروسوس” السويسرية.
وقال مدبولي إن المشروع من شأنه إحداث نقلة عصرية في وسائل النقل، خاصة بعد اكتمال جميع مراحله، مما يؤدي إلى تحسين نوعية الهواء وجودة الحياة، ويحقق تجربة فريدة من نوعها للمواطنين، بحسب بيان مجلس الوزراء المصري/20 أكتوبر تشرين الأول.
والمشروع يتضمن توريد وتركيب وتشغيل وصيانة نظام مشاركة الدراجات، ويشمل 45 محطة و500 دراجة. المرحلة الأولى تضم 250 دراجة موزعة على 25 محطة تربط وسط القاهرة والمناطق المجاورة، فيما تستكمل المرحلة الثانية خلال الشهور المقبلة.
وقال محافظ القاهرة خالد عبدالعال –في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط- إن “كايرو بايك” أول مشروع من هذا النوع يطبق داخل محافظة على مستوى الجمهورية؛ لتقليل الازدحام بنسبة 20% والحد من تلوث البيئة والانبعاثات الكربونية خاصة ونحن مقبلون على استضافة قمة المناخ COP27.
وتتوجه الأنظار الأسبوع المقبل صوب شرم الشيخ التي تسضيف مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ.
بدورها، تقول رانيا هدية، مديرة مكتب مشروعات مصر ببرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، إن فكرة المشروع بدأت في عام 2016 ونأمل أن يكون له أثر إيجابي في النسيج الحضري في القاهرة.
وأضافت – بحسب بيان مجلس الوزراء المصري- أن القاهرة هي المكان المثالي لمشاركة الدراجات حيث تتوافر بها أحياء متعددة الاستخدامات، وكل هذا موجود بكثافة متوسطة إلى عالية؛ وهذا ما يخلق طلبًا على ركوب الدراجات ويجعل الرحلات القصيرة والمتوسطة ممكنة بالدراجة.
وعلى الرغم من أن المشروع نال إشادات عديدة من ناشطين في حماية البيئة والمناخ، إلا أنه ما لبث أن شابته مظاهر سلبية بينها ركن السيارات وسير المارة في المسار المخصص لسير الدراجات، وهو ما فسّره رواد المشروع ونشطاء بعدم وجود وعي كافي لتوعية المواطنين بالمشروع، وأيضا عدم وجود دراسة كافية من المسئولين.
وكتب أحمد ماهر قائد فريق “خوذة وجنزير” للدراجين الرحالة للهواة –تحت التأسيس-، عبر حسابه على موقع “فيسبوك”، إن وجود مشروع مثل كايرو بايك في وسط البلد ووجود حارات مخصصة للدراجات خطوة ممتازة وإيجابية لتشجيع ونشر ثقافة ركوب الدراجات بشكل عام، حيث يعاني ممارسي رياضة الدراجات من التنمر والمضايقات من قائدي سيارات وميكروباصات ومارة عاديين.
لكن ماهر وهو مهتم بنشر ثقافة الدراجات، يقول إن المشروع وحده غير كافٍ، مشيرا إلى أن استخدام الدراجات في المشاوير الخفيفة أو كرياضة أمر محفوفة بالمخاطر، في ظل عدم تخطيط واضح للطرق وعدم تحديد مسار للدراجات على غالبية الطرق، بالإضافة إلى عدم وجودة صناعة للدراجات في مصر وارتفاع أسعارها. “الأمر يحتاج إلى تخطيط وإرادة سياسية حقيقية وليس مجرد مبادرات وقتية إعلامية ومسكنات”، يقول ماهر.
بيد أن إيمان عربي مسئولة الاتصال بشركة “كايرو بايك”، قالت إن مشروع كايرو بايك خضع لدراسة دقيقة لطبيعة المنطقة، وما حدث واقعة فردية ناتجة عن عدم وعي لبعض المارة “غير معتادين على تلك المسارات لذلك نواجه تلك المظاهر بالتوعية وأيضا الأمن يتدخل لمساعدتنا”.
وأضافت عربي لـ”DW عربية”، أن الحكومة تدعمنا، ونخطط لاستكمال المشروع ونقله إلى محافظات أخرى، موضحة أن الخطوة المقبلة في شرم الشيخ وبعدها سننتقل إلى محافظة الجيزة المتاخمة للعاصمة ضمن خطة لنشر المبادرة للمساعدة في القضاء على التلوث.
وأضافت: “هناك إقبال لافت على تأجير الدراجات منذ افتتاح المشروع”.
مشروع الدراجات المشتركة في القاهرة
وبحسب البنك الدولي، تُشكِّل مستويات تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة العالقة في القاهرة الكبرى التي يقل قطرها عن 10 ميكروغرام (PM10) أو التي يقل قطرها عن 2.5 ميكروغرام (PM2.5) أكبر خطر على صحة البشر، وتزيد على أضعاف المستويات التي توصي بها منظمة الصحة العالمية، وهو ما يؤدي إلى حوالي مليوني شخص سنوياً في ربوع البلاد يسعون للعلاج الطبي من مشكلات في الجهاز التنفسي تتعلق بتدني جودة الهواء.
وأوصى البنك في تقرير نشر في سبتمبر/أيلول العام الماضي، بأن الحد من تلوث الهواء في القاهرة الكبرى يتطلب التحوُّل من استخدام المركبات الخاصة إلى وسائل النقل العام المُحسَّن.
لهذا سعت القاهرة للتوسع في شبكات النقل الجماعي النظيفة مثل مترو أنفاق، واستخدام الحافلات الكهربائية، فضلا عن تقديم مِنح لأصحاب السيارات الخاصة لتحويلها للعمل بالغاز الطبيعي. كما أنشأت الحكومة شبكة لرصد الإنبعاثات الصناعية تستهدف المصانع لعدم مخالفة القوانين والحد المسموح به من الانبعاثات.
يقول محمد يونس، الباحث البيئي في برنامج عدالة بيئية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن القاهرة من أكثر العواصم العربية تلوثا سواء عن طريق الانبعاثات الناتجة عن النقل والمواصلات، وحرق المخلفات، وكذلك المصانع التي تعمل بالفحم في جنوب القاهرة والمتاخمة لمناطق سكنية.
وأضاف يونس لـDW عربية، الحكومة المصرية اتخذت إجراءات إيجابية لتغيير الوضع، مثل تطوير أسطول النقل سواء بتحويلها للعمل بالغاز أو الكهرباء، أو تنظيم عملية جمع المخلفات وإعادة تدويرها صحيا.
لكن تلك الإجراءات تفتقر إلى خطة استراتيجية متكاملة ذات أهداف وفترة زمنية لتخفيف حدة التلوث وتقليل الانبعاثات في العاصمة المصرية صاحبة التلوث الكبير في العالم، بحسب يونس.
ودلل على حديثه بمشروع الدراجات التشاركية، وقال: بالطبع هي خطوة إيجابية يمكن البناء عليها، لكن لا توجد خطة متكاملة عن مشروع للدراجات ينتشر في المحافظات ويتم مراعاته أثناء تطوير الطرق ناهيك عن قطع الأشجار المزروعة على جانب الطريق.
وأضاف يونس أنه يجب على الحكومة استغلال زخم قمة المناخ وتبني استراتيجية بيئية صارمة طويلة الأمد لتحسين الوضع في العاصمة الصاخبة. قد تحدث المبادرات البيئية الفردية وحملات التوعية زخما لكنه ليس كافيا، بحسب يونس.
ميادين – DW عربية