منذ عرض حلقته الأولى على القناة الأولى الحكومية مع بداية شهر رمضان، أثار مسلسل “فتح الأندلس” لمخرجه ومنتجه الكويتي محمد سامي العنزي الجدل في المغرب.
وتصاعد الجدل مع توالي عرض الحلقات، إذ قال منتقدوه إنه يتضمن مغالطات تاريخية حول هذا الحدث التاريخي الهام، وأصول وشخصية بطل الفتح القائد طارق بن زياد.
وشملت الانتقادات الجانب الفني بسبب عدم تدقيق صناع العمل تفاصيل المرحلة التاريخية من لباس وأكل وعمران.
ووصل الجدل إلى البرلمان والمحاكم، حيث وجه نائب برلماني سؤالا كتابيا بشأنه لوزير الشباب والثقافة والتواصل، فيما رفع محامي دعوى قضائية للمطالبة بوقف بثه على القناة الأولى.
جدل متواصل
يُعرض مسلسل “فتح الأندلس” لمخرجه الكويتي محمد سامي العنزي على القناة الأولى المغربية، إلى جانب قنوات عربية أخرى هي تلفزيونات الكويت والسعودية وقطر والشارقة والظفرة وتلفزيون سلام ليبيا.
ورصدت ميزانية تقدر بحوالي 3 ملايين دولار لتصويره بين مدينتي بيروت وماردين التركية، وهو إنتاج كويتي وسوري، ويشارك فيه ممثلون من جنسيات عربية مختلفة وأشرف على كتابته 6 كتاب.
وبينما لقي المسلسل إشادة ومتابعة من الجمهور العربي في الدول التي يعرض فيها، اتهم مغاربة صناعه بتحريف التاريخ وإظهار شخصية طارق بن زياد بطل هذا الفتح في صورة باهتة وضعيفة، كما أن لباس الشخصيات والمباني لا تعكس اللباس والعمران الأمازيغي في تلك المرحلة التاريخية.
وقال المؤرخ المغربي الدكتور عبد الخالق كُلاب في تغريدة على تويتر “بصفتي مؤرخا مغربيا أؤكد أن مسلسل “فتح الأندلس” تحريف مقصود ومتعمد لتاريخ الأمة المغربية”.
وغرد الفنان والمخرج الأمازيغي خالد بويشو “يجب وقف بث هذه المهزلة التي لا تشرف الفن الدرامي عموما ولا تمت بصلة للوقائع التاريخية، حيث تم مسخ طارق وهدم مقدمات فتح الأندلس وطمس الحقائق عن عمد، علاوة على الهزال الكبير والفظيع على المستويين الفني والتقني”.
وقال المخرج المغربي عبد الإله الجوهري في تدوينة إن “على الجهات المغربية المسؤولة أن تنتبه لأهمية تاريخنا وخطورة توظيفه من طرف الآخرين، وأن تعمل على توفير ميزانيات قادرة على إعادة كتابة وتصوير هذا التاريخ بما يحفظه من المسخ والتطاول، وقبل ذلك إسناد المهمة لكتاب سيناريو ومخرجين مثقفين وعارفين وليس لبعض من يتحكم في الآلة والتقنية فقط”.
✅ لابد من تحرير المجال السمعي البصري إن أردنا فعلا الإرتقاء بأداءنا في كل تخصصاته والرد الواعي يتأتى بقدرتنا على تناول تاريخنا وإنتاجه بشكله الصحيح تحت أعين مؤرخينا وبمستوى درامي مشرف يفرض نفسه حتى لدى الآخرين أما غير ذلك ستبقى دار لقمان على حالها وتجرع ما ينتجه كل من هب ودب عنا https://t.co/7tEEKoDqFz
— Khalid BOUICHOU (@KhalidBouichou) April 12, 2022
ورد مخرج المسلسل محمد العنزي على هذه الانتقادات، وقال في برنامج إعلامي إن “التاريخ فيه وجهة نظر وهناك 3 روايات حول أصول طارق بن زياد: رواية تتحدث عن أصل فارسي وأخرى عن أصل عربي وثالثة أنه من شمال أفريقيا”.
وأضاف أن فريق العمل رأى أن هناك أمورا أهم من أصول طارق بن زياد وهي الفتح الإسلامي ومنهج المسلمين في التعامل مع المخالف والجهاد المعتدل وغيرها من القضايا.
ووجه في تغريدة له على تويتر رسالة إلى المغاربة قال فيها” شكرا لإخواني في المغرب، رسائلكم ودعمكم لي تاج ووسام على صدري، ومستمرون إن شاء الله”.
الجدل يصل إلى البرلمان
ووصل الجدل إلى البرلمان المغربي، حيث وجه البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المهدي الفاطمي سؤالا كتابيا إلى وزير الشباب والثقافة والتواصل.
وقال البرلماني في السؤال الذي اطلعت عليه الجزيرة نت إن المسلسل الذي “اقتنته القناة الأولى المغربية من المال العام، لا يولي أهمية للتراث المغربي وللحقيقة التاريخية للبطل”.
وأضاف أن المسلسل “مليء بالمغالطات المعرفية ويحمل في كثير من حلقاته تزويرا لكل ما تتفق عليه المصادر التاريخية الموثوقة”.
وخاطب الفريق الاشتراكي بالبرلمان وزيرَ الشباب متسائلا عن “الإجراءات التي ستتخذونها بغاية صون وتخليد تاريخنا المغربي العريق، بعيدا عن جميع المغالطات والسرقة وتزوير الحقائق التاريخية والمجد المغربي بالأندلس”.
واستنكر البرلماني المهدي الفاطمي عرض التلفزيون الحكومي المسلسل، وقال للجزيرة نت “نرى التاريخ يحرف أمامنا، لا يعقل أن تبث التلفزة المغربية التي يفترض أن تصون هذا التاريخ مسلسلا يزور الحقائق التاريخية”، ودعم الفاطمي المطالب بوقف بث المسلسل لكون عرضه “مهزلة لا يمكن السكوت عنها” وفق تعبيره.
كما رفع محامي دعوى لدى القضاء الاستعجالي لوقف بث المسلسل على القناة الأولى المغربية لصالح فاعل حقوقي وأمازيغي، وعلل المحامي رفع الدعوى بكون المسلسل “يتضمن مغالطات من شأن الاستمرار في نشرها التشويش على القناعات الوجدانية للمغاربة تجاه تاريخهم وهويتهم”.
مبالغة وتساهل
وبالنسبة للناقد الفني مصطفى الطالب فإن الجدل الدائر حول مسلسل “فتح الأندلس” “مبالغ فيه لأنه وصل حد تجريم هذا العمل الدرامي والمطالبة بتوقيف بثه”.
ويرى الطالب في حديث مع الجزيرة نت أن صناع هذا العمل الفني تساهلوا في التعامل مع الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للمجتمعات المغاربية وخاصة المعطى الأمازيغي الذي لعب دورا كبيرا في الفتوحات الإسلامية.
وأثر هذا التساهل -وفق المتحدث- على التعامل مع المشاهد الخارجية وأماكن التصوير، فمدينة طنجة التي كانت منطلقا للفتح ليست كما تظهر في المسلسل والشخصيات المغربية ليست كذلك بسبب اللباس، ويضيف الطالب أنه كان على المخرج أن يصور بعض مشاهده في المغرب لإعطاء شيء من الواقعية لعمله الدرامي.
وفي نظره فالرؤية الفنية حاولت تغليب المبادئ في عمومياتها من دون الدخول في التفاصيل، كما غلّبت الطابع السياسي للوقائع والأحداث آنذاك على التدقيق التاريخي، لذلك تم التركيز على النص وعلى الحوار الذي يبرز هذا الجانب السياسي والفكري لمجتمعين مختلفين: المجتمع الإسلامي والمجتمع المسيحي.
ومع ذلك، يعتقد الطالب أن المسلسل فيه مجهود فني متميز، ويجمع بين مدرستين فنيتين لهما باع في الدراما التاريخية: المدرسة التركية التي تعتمد الإيقاع السريع والحركية والمناظر الخارجية الجذابة والتركيز على بهاء العمران، والمدرسة الإيرانية العريقة التي تركز على الرمزية والشاعرية في المشاهد والإعلاء من شأن الشخصيات التاريخية أو الدينية.
ويؤكد أن مسلسل “فتح الأندلس” يعتبر اجتهادا ومحاولة فنية للتعامل مع محطة من المحطات المشرقة للتاريخ الإسلامي هي فتح الأندلس، وحاول إبراز الدور العظيم الذي قام به القائد المسلم طارق بن زياد في هذا الفتح.
ميادين عن الجزيرة