مسرحية “المومس الفاضلة” لسارتر تثير جدلا في مصر

في عام 1958 قدّم المسرح القومي في مصر قصة “المومس الفاضلة” للكاتب الفرنسي جان بول سارتر. وقبل إزاحة الستار لعرض هذه المسرحية، يهيّء سارتر الجمهور بصوت “عاصفة”، قد يرمز إلى مَشاهد ربما تعصف بما استقرّ في أذهان كثيرين.

ومنذ أيام، وبعد 63 عاما من العرض الأول، تموج ساحات التواصل الاجتماعي في مصر بأصوات تتحدث عن هذه المسرحية، بعد الإعلان عن تقديمها مجددا على المسرح.

وكشفت الممثلة إلهام شاهين مؤخرًا، عن نيّتها تقديم دور البطولة في “المومس الفاضلة” على أن تُخرج العرض الممثلة القديرة سميحة أيوب، التي لعبت دور البطولة في العرض الأول للمسرحية بمصر.

وضجّت وسائل الإعلام المصرية بالحديث عن “أخلاقية” عرض مسرحية يحتوي اسمها على لفظ “مومس”.

أزمة ثقافية

رى حسن حماد، أستاذ الفلسفة وعلم الجمال، أن هذه الضجة تعكس جانبا خطيرا في الثقافة المصرية التي “تمرّ بأزمة ضيق الأفق واتساع مساحة التحريم” مقارنة بالفترة التي عُرضت فيها المسرحية بمصر أول مرة.

وفي حديث لبي بي سي، حدّد حماد ثلاثة تابوهات يرى أنها تثير الناس في الثقافة المصرية أكثر من سواها: هي الجنس، والدين، والسياسة، مضيفا أن الجنس والدين يتقدمان في هذا المضمار بينما تأتي السياسة في مرتبة متأخرة.

وحذر حماد من مغبة سيادة “ثقافة العوام” ومن “خطرها على الإبداع والفكر الجديد”.

وتتفق الناقدة المسرحية أمل ممدوح، قائلة إن المثقف أو المبدع عليه قيادة الجماهير لا العكس، والتصدي للتردّي الفكري والوصاية الأخلاقية المبالَغ فيها من جانب فصيل من الجمهور.

وتقول لبي بي سي إن مهاجمي “المومس الفاضلة” لا يحاكمون سارتر، وإنما عنوان مسرحيته دون أي تمييز أو بحث.

وتضيف ممدوح: “مجتمع اليوم جاهز لأي محاكمة شرسة لكل من يخالفه في أي وقت. ووسائل التواصل الاجتماعي تزيد من شراسة هذا الجمهور، وكلما انصعنا لأحكامه ازداد تطرفًا وشراسة”.

وترى الناقدة في ذلك “أمرا خطيرا، وأخطر ما يكون إن اعتدنا الاستسلام له”، محذرة من “عواقب وخيمة، لأن الفكر لا يُقاد بكثرة العدد”.

وتشير ممدوح إلى “سيكولوجية الجماهير” للكاتب الفرنسي غوستاف لوبون، والذي يرى أن “الجماهير لا تستخدم عقلها بقدر عاطفتها، وتكون عادة مضخمة في الرفض أو التبني، فإما أن تقبل الأفكار كلية أو ترفضها كلية، ولا تتحمل المناقشة؛ إذ يقودها اللاوعي وتقارب التفكير البدائي”.

“فن إباحي”

إلهام شاهين (يمين) وسميحة أيوب

في مداخلة تليفزيونية مع الإعلامي المصري عمرو أديب، قال النائب أيمن محسب في معرض هجومه على فكرة تقديم المسرحية: “لدينا عادات وتقاليد لا يجب أن نخرج عنها”.

ويرى البرلماني المصري، أن المسرحية في تناولها ومعالجتها “غير مناسبة للمجتمع المصري”، بل ومن الممكن أن يطلق عليها “فن إباحي”، كما نقلت عنه صحيفة المصري اليوم.

وفي مقدمة تعريفية للمسرحية، يقول المترجم عبد المنعم الحفني، إن “سارتر لا يقدّم أدبًا إباحيًا، وعلى العكس فإنه في كتاباته يبرز مسائل الواجب والالتزام، وكلها تدور حول الأخلاق”.

ويؤكد أستاذ الفلسفة حسن حماد أن: “سارتر دائما يربط بين الفضيلة والحرية، معتبرًا أي دفاع عن الحرية أو العدالة نوعا من الفضيلة”.

ويضيف لبي بي سي: “من الغريب أن ثقافتنا مليئة بالكلمات الدالة على الجنس والتي تثار ليل نهار من خلال البرامج الدينية، كالنكاح مثلا، ومع ذلك ثار الرأي العام ضد كلمة جاءت بشكل رمزي داخل هذه المسرحية”.

ويقول حماد إن “المومس الفاضلة” من أجمل مسرحيات سارتر، “ولا يجب أن نقيّم عملاً أدبيًا أو فلسفيا من خلال ثقافة العوام”.

وتتفق الناقدة أمل ممدوح، قائلة إن أدب سارتر “بعيدٌ عن الإباحية، ومن المؤسف أن ينصاع المثقف لدوغما المجتمع وتطرّف معاييره .. يجب ألا تُمسّ حرية الفكر أو الفن، خاصة الجاد”.

أزمة “لفظ”

يرى مهاجمو “المومس الفاضلة” أن لفظ “مومس” غير مناسب، مطالبين بتغييره على أقل تقدير.

وقال النائب أيمن محسب “استفزّني اسم المسرحية”، متسائلا: “أي رسالة في هذا العنوان؟”

ويقول عبد الله رشدي: “مشكلتنا مع اللفظ”، مشددا على وجوب التفريق بين كلمتَي “مومس” و”فاضلة” وعدم الجمع بينهما في مصطلح واحد.

ويرى حسن حماد أن عبد المنعم الحفني في ترجمته، ربما آثر لفظ “مومس” على ما سواه من المرادفات في هذا السياق، حتى يجد صدىً بين أكبر عدد من القراء.

وترى أمل ممدوح أنه ما لم تكن مفردة “مومس” هي الوحيدة المعبّرة هنا، فلا توجد أي مشكلة في استخدام مرادف أخفّ وطأة منها، لا سيما إذا اصطلح المجتمع على أن “مومس” كلمة خادشة لحياء أفراده.

ويقول حماد إن “الاسم يعكس مفارقة؛ إذ يُفترض في الداعرة ألا يكون لديها أية أخلاق، ومع ذلك من خلال سياق الأحداث نكتشف أن هذه السيدة ربما تكون أكثر أخلاقية ممن نسميهن فاضلات أو ممن لا يمارسن الدعارة، وهذا ذكاء من الكاتب أن يتحدث بهذه الطريقة”.

وخلال أحداث المسرحية، كانت بطلة العمل تقاوم ضغوطا هائلة من شخصيات ذات نفوذ مجتمعي قوي، لكي تشهد زورًا ضد رجل أسود بريء.

“محاكمة” سارتر

سارتر رفقة سيمون دي بوفوار في المتحف المصري

في عام 1946، استلهم سارتر فكرة “المومس الفاضلة” من حوادث عنصرية وقعت في الولايات المتحدة.

وعبْر مواقف تتعرض لها بطلة المسرحية “ليزي ماكاي”، يكشف سارتر عن سوءات المجتمع الغربي، في ذلك الوقت، فاضحًا تناقضه الصارخ وعنصريته البغيضة.

وإذن، فقد أراد سارتر عبْر مسرحيته “المومس الفاضلة” محاكمة المجتمع الغربي أخلاقيًا في عصره، فهل كان يخطر على باله أن تثير كل هذا الجدل بعد خمسة وسبعين عاما؟

أحمد الخطيب – بي بي سي

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

فيلم “Golden kamuy”.. بقي الذهب في مخبئه وسقط الباحثون عنه.. فيديو

واقعة عمرها 120 عاماً، رصدها شريط "golden kamuy" عن كمية كبيرة من الذهب خبأها جندي ياباني ولم يبح لأحد بمكان وجودها، في وقت حاول العشرات معرفة مصير الذهب الضائع فخسروا حياتهم جميعاً وبقي المعدن الثمين في مخبئه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
14 + 21 =