فى التحليل الاحدث للباحث المرموق يزيد صايغ “خريطة طريق نحو الحكم المدنى فى السودان فى حال تراجع الانقلابيون العسكرييون”، المنشور بمركز مالكوم كير-كارنيجى للشرق الاوسط،(1) .. يعتقد الصايغ فى هذا المقال، ان “تحيي هذه الردود مجتمعةً (المطالبات الغربية من قادة “الانقلاب” بالسودان) بعض الآمال بإرغام زعيم الانقلاب، البرهان، على السماح بعودة الحكومة المدنية برئاسة حمدوك، إلى السلطة بطريقة سلمية .. من المرجّح تشكيل حكومة “تكنوقراط” جديدة، بحسب ما اقترحه البرهان. ولكن هذا النوع من التسويات لن يفضي سوى إلى عودة الوضع غير المستقر نفسه، في ظل المماطلة والتأجيل بانتظار أن تحين لحظة أخرى تعتبرها القوات المسلحة السودانية وحلفاؤها مؤاتية أكثر للاستيلاء مجدّدًا على السلطة.”.
ويضيف صايغ “.. تعترض عوائق مهمة عملية الانتقال الديمقراطي، أهمّها الشقاق داخل المعسكر المؤيد للديمقراطية ووجود أعداد هامة من المدنيين الداعمين للجيش .. (و)سوف تتسبب الانقسامات الفئوية الحادة في مختلف أنحاء البلاد بعرقلة كل المسارات الممكنة للتحرّك، وليس فقط المسار الرامي إلى إرساء حكم مدني. فالحروب الأهلية والنزاعات الداخلية المتعاقبة التي أسفرت، بحسب التقديرات، عن سقوط أكثر من مليونَي قتيل وأفضت إلى استقلال جنوب السودان في تموز/يوليو 2011، حدثت جميعها في ظل أنظمة مدعومة من العسكريين في الخرطوم. وهذا الواقع وحده ينبغي أن يشكّل حجّة دامغة لصالح إعادة ضبط العلاقات المدنية العسكرية.” ويستكمل “.. قادة الانقلاب .. قدّموا، عن غير قصد، فرصة للمعسكر المؤيّد للديمقراطية من أجل استعادة زمام المبادرة وتوطيد أركان العملية الانتقالية.”.
للاسف يضع صايغ يده على المقدمات، ثم لا يصل الى النتائج المنطقية لها؛ – لماذا؟!، سنرى ذلك لاحقاً -، اليس من المنطقى ان نرى ان كل ذلك هو تفعيل ازمة لحدها الاقصى، ازمة مستمرة منذ عقود، فى صراعات مجتمع ملئ بالتناقضات العرقية والقبائيلية الحادة فى طول البلاد وعرضها، تفعيلها فى اتجاة مزيد من التقسيم للسودان؟!.
عناصر تهيئ السودان للتقسم!
من البديهى انه ليس كل بلد به “هذه العناصر” لابد له وان يقسم، لان التقسيم لا يحدث بسبب هذه العناصر، بل بسبب اهداف مخطط لها تحقق مصالح كبرى، توظف هذه العناصر فى اتجاه التقسيم. ليس تقسيم السودان سوى جزء من اهداف هذا المخطط للمشروعان الكبيران للولايات المتحدة، كقائد لحكام علم اليوم النيوليبرالين، “الشرق الاوسط الكبير، الجديد” و “القرن الافريقى الكبير، افريكانو”، لذا، فهذه العناصر “تهيئ” فقط لهدف التقسيم، وليس بالضرورة تسبب الانقسام.
تتميز دولة السودان بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجى “الأفريقي-العربي” في شمال شرق أفريقيا. تحدها مصر من الشمال وليبيا من الشمال الغربي وتشاد من الغرب وجمهورية أفريقيا الوسطى من الجنوب الغربي وجنوب السودان من الجنوب وإثيوبيا من الجنوب الشرقي وأريتريا من الشرق والبحر الأحمر من الشمال الشرقي. كانت السودان أكبر دولة في أفريقيا والعالم العربي مساحة قبل انفصال جنوب السودان.
أما المجموعات العرقية في السودان فتشكل الاعراق الأفريقية 52%؛ والعربية 39%؛ البجا 6%، الأجانب 2%؛ والمجموعات الأخرى 1%.، اما القبائل فتتجاوز مائة قبيلة.
ان تفعيل ازمة، يسمح بقبول ما لا يمكن قبوله!
الم يكن من المنطقى ان يرى الصايغ، ان كل تلك المطالبات “الديمقراطية” الامريكية، ” مجرد العودة الى اوضاع ماقبل 25 اكتوبر”، هى فى جوهرها ليست سوى تفعيل للازمة القائمة منذ عقود فى السودان، ازمة صراعات مجتمع ملئ بالتناقضات العرقية والقبائيلية الحادة فى طول البلاد وعرضها، تفعيلها الى حدها الاقصى، لتقديم المزيد من التنازلات المطلوبة دولياً بالخضوع – ليس فقط للتطبيع، بل الخضوع -، للقيادة الاسرائيلية للمنطقة، من جهة، والخضوع لسياسات السوق الحر من الناحية الاخرى، كل ذلك فى اتجاه تفعيل وتوسيع اكبر للازمة بفعل اضافة التناقضات الرهيبة الناجمة عن تطبيق السياسات الاقتصادية “النيورليبرالية”، من تحرير سعر صرف الجنيه السودانى والغاء الدعم على الطاقة والمواد الغذائية الاساسية .. الخ، وهما الاتجاهان اللذان سار فيهما بالفعل المكون العسكرى بحماس، كعربون لتمرير “الانقلاب”، اضافة هذه التناقضات المستحدثة الى التناقضات القائمة فعلياً منذ عقود طويلة، باعتبار هذا هو الطريق تفعيل الازمات – الاوقع لتقسيم السودان، ودول اخرى فى الشرق الاوسط وافريقيا، فى اتجاه زوال السيادة الوطنية على “السوق” الوطنى، وعن حدود الدولة، لتتحول السيادة الوطنية او القومية فى عصر “العولمة” النيوليبراية الاقتصادية، الى مجرد ذكرى، الى جزء من التاريخ؛ انها خطوة تأسيسية جديدة نحو مشروعى القوى العالمية الحاكمة بقيادة امريكية، مشروعى الهيمنة على الشرق الاوسط وشرق افريقيا “القرن الافريقى”، مما حدى بها الى ان تعين مبعوث امريكى مخصص ومتفرغ للقرن الافريقى، جيفري فيلتمان، والذى حضر بنفسه، فى الفترة السابقة والمواكبة واللاحقة على “الانقلاب” العسكرى فى السودان، والتى قرأها زعماء “الانقلاب” بشكل متعجل؟!. ولكن للاسف صايغ لم يرى صايغ كل ذلك، او لا يريد ان يرى، ليسير فى الاتجاه المعاكس، وسنرى لماذا.
مجدداً، العين المغمضة لمراكز الابحاث الغربية، مركز كارنيجى للسلام نموذجاً.
يرى صايغ ان “غالب الظن أن البرهان ونائبه في مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقّب بـ”حميدتي” يسعيان إلى حماية نفسيهما من الملاحقة القضائية بعد مغادرة منصبيهما في نهاية الفترة الانتقالية في العام2024 ، ويجب على المعسكر المدني معالجة هذا الخوف وربما استخدامه كورقة تفاوض، من خلال عرض تقديم الحماية لهما مثلًا مقابل انتزاع تنازلات كبرى في ما يتعلق بنقل الشركات التجارية المملوكة للمؤسسة العسكرية إلى سيطرة المدنيين، وبمصير قوات الدعم السريع، وهي التشكيلة شبه العسكرية التي يقودها حميدتي.”.
اى ان صايغ ينصح القوى المدنية بان تعالج خوف البرهان وحميدتى، وليس ان تعالج “تواجه” النتائج الكارثية لتطبيق السياسات الاقتصادية الجديدة “النيوليبرالية”، المهمة التى نفذها حتى الان بنجاح، البرهان وحميدتى انفسهم، وهو الامر الذى يفسر كل سياق “الانقلاب” والموقف الامريكى “الحقيقى” منه، الذى لا يتجاوز الشجب والقلق، سوى بأعطاء “الانقلابيين” انفسهم، فرصة جديدة، لتجهيز مسرح العمليات لانقلاب قادم بنيولوك مدنى، بالمطالبة بالعودة الى الاوضاع ما قبل 25 اكتوبر، اى “المماطلة والتأجيل بانتظار أن تحين لحظة أخرى تعتبرها القوات المسلحة السودانية وحلفاؤها مؤاتية أكثر للاستيلاء مجدّدًا على السلطة.” على حد تعبير صايغ نفسه، فرصة جديدة حتى يتلافا الاخطاء التكتيكية التى ارتكبوها فى المحاولة السابقة فى 25 اكتوبر!.
ثم ماذا يعنى صايغ بان يقدم المدنيين للعسكريين “عرض تقديم الحماية لهما مقابل انتزاع تنازلات كبرى في ما يتعلق بنقل الشركات التجارية المملوكة للمؤسسة العسكرية إلى سيطرة المدنيين”؟!، وماذا يعنى الصايغ بـ”المدنيين”؟!، هل يعنى نقل ملكيتها الى القطاع الخاص المدنى، ام نقل ملكيتها لدولة مدنية؟!. سنرى لماذا؟!.
الم يعلم صايغ بعد ان كل الشركات، المدنية والعسكرية، يجب ان تخصخص وفقاً لسياسات النيوليبرالية، “الديمقراطية والسوق المفتوح”، والذى يتم فرضها قسراً على كل دول العالم، اما بحرب اقتصادية “قروض/عقوبات اقتصادية ومالية” يشنها صندوق النقد، والبنك، الدوليان، والبنك الفيدرالى الامريكى الذراع التنفيذى للسياسات “النيوليبرالية” الاقتصادية، بشروط قروضهما المجحفة بالشعوب، او بحصارها الاقتصادى والمالى الخانق، او تشنها بذراعها العسكرى “الحرب العالمية على الارهاب”، فعن اى انتقال للشركات من القطاع العسكرى للقطاع المدنى؟!، ولان صايغ لابد له ان يعلم، فلا تصبح لدعوته هذه الا احتمال واحد، بانه يقصد، دون ان يصرح، ان تنتقل من القطاع العسكرى الى القطاع المدنى الخاص، وليس القطاع المدنى لحكومة مدنية، قطاع عام، ثم تنتقل مباشرة او بالتبعية، من القطاع الخاص الى الشركات العابرة للقوميات، ومؤسسات الاقراض المالية العالمية الخاصة، ولكن صايغ، لا يستطيع ان يصرح من موقعه ككبير الباحثين بمركز كارنيجى للسلام الممول من نفس هذه الجهات التى تمتلك الشركات والمؤسسات العالمية.
وفى هذه الحالة لا نملك سوى ان نعود مجدداً لعنوان مقالى الاسبق “العين المغمضة لمراكز الابحاث الغربية، مركز كارنيجى للسلام، نموذجاً.”.(2)
انه ليس سلوك فردى من يزيد صايغ، انه سياسة ممنهجة، وليس لمركز كارنيجى فقط، انما لكل مراكز الابحاث الغربية الممولة من نفس الجهات، انه بالاضافة الى نماذج الباحثين فى نفس المركز، والتى اوردتها فى المقال المشار اليه اعلاه، فقد مارسه صايغ نفسه، رغم مستواه “المهنى” المتميز كباحث مرموق، الا ان “للتمويل احكام”. فى 28 ديسمبر 2019، كنت قد رصدت نفس “الخلل المنهجى” عند يزيد صايغ فى كتابه الاحدث، “أولياء الجمهورية: تشريح الإقتصاد العسكري المصري.”، فى مقال لى بعنوان: “ملاحظات اوليه على كتاب يزيد صايغ الجديد: “أولياء الجمهورية: تشريح الإقتصاد العسكري المصري.”.(3)(4)
قلت فيه “فى الدراسه القيمه “أولياء الجمهورية: تشريح الإقتصاد العسكري المصري.” للباحث المرموق يزيد صايغ يخلص الى استنتاج هام رئيسى “.. أن أي حكومة مصرية لن تستطيع ممارسة الإدارة الاقتصادية الفعّالة، إلى أن يتم وضع حد لشبكات الضباط غير الرسمية في كلٍ من الجهاز البيروقراطي المدني، وشركات القطاع العام، ودوائر الحكم المحلي.”.
الا ان هذا الاستنتاج الهام الرئيسى، لم يكن موفق تماماً، ففى سياق الدراسه، اورد صايغ ثلاث نقاط متصله غير دقيقه، ادت الى هذا الخلل فى الاستنتاج الرئيسى .. حيث رأى صايغ ان المسؤولين المصرين والغربين، يغضوا الطرف عن مشاكل الاقتصاد المصرى ويصدرون التقديرات الوردية حول المؤشرات الاقتصادية الكبرى في مصر، ذلك لانهم يأملون بأنه سيكون بمستطاع السيسي، بطريقة ما، بناء دكتاتورية تنموية ناجحة وهو ما قد يفسّر، وفقاً لصايغ، أسباب قفزهم فوق القمع العنيف للحريات السياسية والاجتماعية، ولخروقاتها الفادحة لحقوق الإنسان. كما يرى صايغ، أن الاتجاهات الراهنة تشي بأن السيسي سيبقى أسير شركائه الأساسيين في الائتلاف الحاكم، ورهينة الاندفاع العسكري إلى زيادة وتيرة الانخراط في الاقتصاد.
اولاً، بالنسبه للنقطة الاولى، عندما يكون التجاهل “غض الطرف” عن مشاكل الاقتصاد المصرى، واطلاق “التقديرات الوردية حول المؤشرات الاقتصادية الكبرى في مصر”، عندما يكون هذا التغاضى عن مشاكل الاقتصاد المصرى، مقصوداً، يصبح سياسه ممنهجه، وليس مجرد انتظار بغض الطرف!. ذلك لانه عندما يكون ما يتم من سياسات اقتصاديه فى مصر، هو بالضبط السياسات المطلوبه عالمياً من حكام عالم اليوم، الشركات العملاقه والمؤسسات الماليه الدوليه، العابرتان للقوميات، المجسده للنيوليبراليه الاقتصاديه، لذا فلا يكون هناك مجال لافتراض انه مجرد تجاهل “غض الطرف”، بل الصحيح هو انه ترويج متعمد من الاقتصاديين البرجوازيين الليبراليين، واحيانا اليساريين، خدم الرأسماليه الدائمين، انه “تضليل”، دعائى لهذه السياسات الاقتصاديه النيوليبراليه المتحيزة لقله ثريه، بنتائج ورديه “مضلله”.
ثانياً، بالنسبه للنقطه الثانيه، “يأمل هؤلاء المسؤولون بأنه سيكون بمستطاع السيسي، بطريقة ما، بناء دكتاتورية تنموية ناجحة”، ليس هناك تأمل “يأمل”، انما هناك، رؤيه واضحة للانجازات التى تتم فى مصر، لصالح حكام عالم اليوم، ووكلائهم المحليين، وهو فى نفس الوقت ما يفسر قفزهم على، “يتغاضون” عن، القمع العنيف للحريات السياسية والاجتماعية، ولخروقاتها الفادحة لحقوق الإنسان. اى انه ليس الامل فى “أنه سيكون بمستطاع السيسي، بطريقة ما، بناء دكتاتورية تنموية ناجحة”، هو الذى يجعلهم يقفزون “يتغاضون” عن هذه التجاوزات، انما كونهم يروا بأم اعينهم مصالحهم وهى تتحقق، هذا هو الذى يجعلهم يقفزون على، “يتغاضون” عن، القمع العنيف للحريات السياسية والاجتماعية، ولخروقاتها الفادحة لحقوق الإنسان.
ثالثاً، بالنسبه للنقطة الثالثة، بـ”أن السيسي سيبقى أسير شركائه الأساسيين في الائتلاف الحاكم، ورهينة الاندفاع العسكري إلى زيادة وتيرة الانخراط في الاقتصاد.”، لن يظل السيسى رهينه للجيش بسبب ازدياد وتيرة الانخراط فى الاقتصاد، ببساطه لان حكام عالم اليوم، الرأسماليه العالميه، لن يسمحوا بان يظل الجيش يستحوذ على الاقتصاد، وهذا ما كتبت عنه حتى قبل ان يعلن السيسى عن طرح شركات الجيش فى البورصه فى مقال سابق لى بعنوان: “أخيراً، بدء خصخصة اقتصاد الجيش، كيف؟! حقاً، لقد بدأت مرحلة الجهاد الاعظم.”.
انها سياسة ممنهجة لاخفاء الحقائق عن حقيقة السياسات المجرمة “لأولياء” ليس فقط مراكز الابحاث الغربية، بل ايضاً، “لأولياء” قطاع هائل من اساتذة اكاديميين وخبراء اقتصاد، ومثقفين وكتاب وصحفيين واعلاميين .. يرتزقون على حساب الام الشعوب، لصالح “أوليائهم”، مصاصى دماء الشعوب “دراكولا” هذا العصر.
اخيراً خصخصة شركات الجيش فى مصر!
فى اليوم الاخير من شهر اكتوبر 2019، اعلن الرئيس السيسى، “.. لابد لشركات القوات المسلحة ان تطرح فى البورصة”، واضاف، “ان القطاع الخاص مرحب به للمشاركة فى هذه الشركات، وكذا شركات قطاع الاعمال، وهذه الاجراءات نعمل فيها منذ ثلاث سنوات”، كما اكد ان،” الصندوق السيادى” المصرى، والمنتظر ان يكون حجمه عدة تريليونات، سيشمل شركات القوات المسلحة”، وهو الصندوق التى تطرح من خلاله سندات دولية (قروض دولية بضمان اصول الدوله، ولكن، ولاول مره، ستشمل اصول شركات القوات المسلحة).(5)
بعيداً عن السذاجة المزمنة المصنعة تصنيعاً. ووفقاً للنجاحات المنقطعة النظير، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، التى يحققها حكام عالم اليوم، تحالف الاحتكارات العالمية من فرض السياسات “النيوليبرالية” الاقتصادية، لم يكن لمسألة فتح “فشخ” دول منطقة الشرق الاوسط على مصراعيها امام هذه السياسات، لم يكن لها الا ان تتم، كانت المسألة فقط تتعلق بمعدلات تحققها، لذا فأن المعدلات المتسارعة “البجحة” لتصفية القضية الفلسطينية، بأهدار كل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، “صفقة القرن”، لم يكن لها ان تتحقق بهذه الصفاقة، بدون التخلص من المعدلات البطيئة التى كان يتسبب فيها الرئيس “المعمر” لواحدة من الدول الاساسية فى الشرق الاوسط، مصر، “مبارك”، حيث لن يفتتح السوق الكبير، الشرق الاوسط الكبير، بدون “التخلص” من “العائق” المركزى، القضية الفلسطينية، عندئذ يتم تثبيت الاستقرار الامن للـ”كتيبة القتالية” المتقدمة “اسرائيل”، وتثبيت وضعها كقوة مسيطرة قائدة للشرق الاوسط الجديد.(6)
ماذا يعنى نشر الديمقراطية فى الشرق الاوسط، فى زمن “العولمة؟!.
اذا اجبنا على هذا السؤال بوعى متضمناً خبراتنا الانسانية التاريخية، السابقة والحالية، مع جوهر السياسات الدولية الاستعمارية، نكون قد اجبنا فى نفس الوقت، ليس فقط على سؤال ماذا يعنى نشر الديمقراطية فى الشرق الاوسط فى زمن “العولمة”؟!، فقط، بل نكون قد اجبنا ايضاً عن سؤال، لماذا تقسم السودان، وغيرها من الدول الموضوعة على لائحة التقسيم الدولى، فى الشرق الاوسط وافريقيا؟!.
“لا يلدغ المؤمن، من جحر مرتين”، العراق نموذجاً!
“اللى اخدته القرعة، تخده ام شعر”، مثل شعبى مصرى، وفى حالتنا هذه، ما حصل عليه العراق من نشر “الديمقراطية والسوق الحرة”، نشر الديمقراطية الامريكية “عليه”، تحصل عليه السودان!، كما حصلت عليه كلً من سوريا، واليمن، وليبيا، ومؤخراً افغانستان، ولبنان على الطريق، ومصر للتحلية، والحبل على الجرار ..
اعلن كاتب العمود فى صحيفة “النيويورك تايمز”، توماس فريدمان، بجرأة: “لم يسبق لدولتين تواجد فى كلً منهما فرع لـ”ماكدونالدز” ان دخلتا فى حرب ضد بعضهما البعض”. لكن، بعد مرور سنتين، لم يتبين فقط ان فريدمان على خطأ، بل بفضل نموذج الحرب التى تتوخى الربح، دخل الجيش الامريكي الحرب برفقة شركتى “برغر كينج” و”بيتزا هت”، متعاقداً معهما على تقديم خدماتهما الى جنوده فى القواعد العسكرية، انطلاقاً من العراق وصولاً الى “غوانتانامو”.(7)
العراق نموذجاً!
بعد 30 سنه من تطبيق “الصدمة الاقتصادية” فى تشيلي، طبقت ولكن بشكل اعنف فى العراق، التى صممها اصحاب عقيدة “الصدم والترهيب” العسكرية، وجاءت بعدها “الصدمة الاقتصادية” بأشراف بول برايمر: خصخصة شاملة، تجارة كاملة الحرية، تقليص دراماتيكى لدور الحكومة، تريد مارك صندوق النقد، الثلاثى. لكن عندما قاوم العراقيون المشروع، نقلوا الى سجن ابو غريب.
تحت شعارها الزائف “الديمقراطية والسوق الحرة” شنت الولايات المتحدة حربها التدميرية على العراق، كأول تطبيق للذراع العسكرى للـ”النيوليبرالية” الاقتصادية، “الحرب العالمية على الارهاب”، تحت ادعاء كاذب بامتلاك العراق لاسلحة دمار شامل.
ذهب بوش للعراق ليس لشن “حرب على الارهاب” انما لبث حياة جديدة فى الاقتصاد الامريكى، حرب هدفها الربح، كما واجه ابن بوش اباه، بهذه الحقيقة، فرد الاخير عليه، بانه يجب ان يعود الى فصول الدراسة مرة اخرى! .. حرب لا تربح فيها الصناعة العسكرية فقط، بل هى حرب عالمية، تشنها على جميع الاصعدة شركات خاصة على حساب الاموال الفيدرالية العامة، حرب لا نهائية ضد “الشر”، تشن لحماية الاراضى الامريكية، خارج الاراضى الامريكية، لتتوسع خلال سنوات من مكافحة الارهاب، الى حفظ السلام العالمى، منتزعة، دون اذن، دور الامم المتحدة. ان الهدف النهائى هو ليس فقط الاستيلاء على ادوار الدولة، خصخصة الحكومة، بل الاستيلاء على ادوار الامم المتحدة، ايضاً، خصخصة العالم.
كانت الشركات العراقية تقفل ابوابها تباعاً، بسبب عجزها عن منافسة الواردات المتدفقة عبر الحدود المفتوحة، قال احد مساعدى برايمر لمجموعة من رجال الاعمال العراقيين: “ان الكثير من اعمالكم لن تتفوق على المنافسة الاجنبية، لكن هنا بالذات تكمن روعة السوق الحرة .. الافضل من بينكم، هو من سيبقى على قيد الحياة”، يذكر كلامه هذا بكلام ييغور غايدا الذى قال عن رجال اعمال روس افلسوا بسبب السياسات النيوليبرالية “، وان يكن؟ من يموت هو بكل بساطه من يستحق الموت”!.
خلال عملية الاعمار فى العراق، تم رصد 175 دولار للمتر المربع من القماش المشمع الذى توفره الحكومة، لتغطية السقوف المتضررة، حصل من قام بالتنفيذ على دولاران عن المتر المربع، بعد ان استنذفت سلسلة العمولات باقى المبلغ.(8)
“المناطق الحمراء” تغذى “المنطقة الخضراء”!
هل سبق لك ان سمعت عن تفجيرات فى غير الاسواق الشعبية؟! .. تشكل المنطقة الخضراء فى بغداد المثال الصارخ على هذا النظام العالمى الجديد، تحظى هذه المنطقة بسياج مكهرب وبشبكة اتصالات وانترنت، وشبكة نفط، وشبكة تغذية وصرف صحى، خاصة، ويحمى هذه المنطقة سياج عازل تبلغ سماكته خمسة امتار، ليبدو المشهد كسفينة عملاقة محصنة يجرى على متنها مهرجان كبير، وهى راسية فى بحر من العنف واليأس، اى فى المنطقة الحمراء الملتهبة التى يمثلها العراق. ان تمكنت من الصعود الى متن السفينة، يمكنك ان تحصل على مشروب منعش بالقرب ن حوض السباحة، بالاضافة الى افلام هليود السيئة، كما يمكنك ان تتلقى رصاصة فى صدرك، لانك تقف بالقرب من الجدار، ان لم تكن من المصطفين. فتقسمت العراق الى ساحة قتال بين المنطقة الخضراء المحصنة، والمناطق الحمراء الملتهبة التى ولدها التطبيق الفعلى للشعار المزيف “الديمقراطية والاسواق الحرة”. هذه المنطقة الخضراء لا تختص بالعراق فقط، المناطق الخضراء تظهر حيث تظهر الرأسمالية النيوليبرالية، ويظهر معها الشرخ الشاسع بين المصطفين والمستثنين، المباركين والملعونين.
ليس هناك من وظيفة للاستبداد، سوى حماية الاستغلال!
من يعتقد ان امريكا تخشى على “ديمقراطيتها”، فتسعى لنشر الديمقراطية فى دول العالم الثالث، هو كمن يعتقد ان الثرى الذى يخشى على ثروته، سيسعى لجعل الفقراء اثرياء!. فى الانظمة الديمقراطية يستطيع الناس ان يدافعوا عن مصالحهم، اما فى الانظمة الاستبدادية، لا يستطيعون، وهذا افضل لقوى الاستغلال، المحلية، واكثر للعالمية.
للاسف العديد من مثقفينا المحترمين يشكلون أرائهم ووجهات نظرهم بناء على تصريحات المسئولين الزائفة والمضللة، التى ترد فى الصحف والاعلام ونشرات الاخبار، ان من يعتقد ان اى مستغل سوف يصرح على الملأ، بحقيقة سياساته وطرائقه واساليبه، ليس فقط فى الاستغلال، بل والاهم، فى التغطية الاعلامية على سياساته واساليبه المجرمة، “اهم من الشغل تظبيط الشغل”، كمن يعتقد ان اللص سيخبر ضحاياه عن ماذا وكيف سيسرقهم!. لأصدقائنا الاعزاء، لاحظوا كلمة السر “تغيير السياسات”، انها ترفع الغطاء عن كل التضليل ونشر الاوهام وتشويش العقول وتشتيت الاذهان، لا تؤخذ حقائق السياسة من افواه السياسيين، انهم يكذبون!
The.Post.2017.
هام جداً
الاصدقاء الاعزاء
نود ان نبلغ جميع الاصدقاء، ان التفاعل على الفيسبوك، انتقل من صفحة سعيد علام،واصبح حصراً عبر جروب “حوار بدون رقابة”، الرجاء الانتقال الى الجروب، تفاعلكم يهمنا جداً، برجاء التكرم بالتفاعل عبر جروب “حوار بدون رقابه”، حيث ان الحوار على صفحة سعيد علام قد توقف وانتقل الى الجروب، تحياتى.
لينك جروب “حوار بدون رقابه”
https://www.facebook.com/groups/1253804171445824
سعيد علام – اعلامى مصرى وكاتب مستقل.
المصادر:
1-“خريطة طريق نحو الحكم المدنى فى السودان فى حال تراجع الانقلابيون العسكرييون”، يزيد صايغ، مركز مالكوم كير-كارنيجى للشرق الاوسط.
https://carnegie-mec.org/2021/11/10/ar-pub-85748
2-“العين المغمضة لمراكز الابحاث الغربية، مركز كارنيجى للسلام، نموذجاً.”، سعيد علام.
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=601412
3-“أولياء الجمهورية: تشريح الإقتصاد العسكري المصري.”، يزيد صايغ، مركز كارنيجى للسلام.
https://carnegie-mec.org/2019/12/14/ar-pub-80489
4- ملاحظات اوليه على كتاب يزيد صايغ الجديد: “أولياء الجمهورية: تشريح الإقتصاد العسكري المصري، سعيد علام.
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=660438
5-كلمة الرئيس السيسى، https://www.youtube.com/watch?v=YK9JYXECtPU
6-” أخيراً، بدء خصخصة اقتصاد الجيش، كيف؟!، حقاً، لقد بدأت مرحلة الجهاد الاعظم.”، سعيد علام.
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=655458
7-“عقيدة الصدمة”، صعود رأسمالية الكوارث، ناعومى كلاين.
https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%AF%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AF%D9%85%D9%87-%D8%B5%D8%B9%D9%88%D8%AF-%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AB-pdf
8-المصدر السابق.