قالت منظمة العفو الدولية اليوم، بعد تأجيل الانتخابات الرئاسية الأولى على الإطلاق في ليبيا، والتي كان من المقرر أن تبدأ في 24 ديسمبر/كانون الأول، بعد إخفاق السلطات في تأكيد قائمة المرشحين المؤهلين، إنّه يجب على السلطات التصدي للانتهاكات العديدة التي اتسمت بها الفترة التي سبقت الانتخابات.
وكانت الاستعدادات للانتخابات تجري في مناخ شديد التقلب يتسم بالاستقطاب السياسي، والخلافات حول القوانين الانتخابية، وأهلية المرشحين. تستعرض منظمة العفو الدولية في التحليل المفصّل الذي نشرته اليوم، كيف قامت الجماعات المسلحة والميليشيات، مراراً وتكراراً، بقمع الأصوات المعارضة، وتقييد حرية المجتمع المدني، والاعتداء على مسؤولي الانتخابات قبيل الانتخابات التي باتت مؤجّلة.
قالت ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “من المستحيل تأمين جوّ انتخابي خالٍ من العنف والترهيب وسط تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب على الجرائم التي ترتكبها الميليشيات والجماعات المسلحة، لا بل دمج هذه الأخيرة في مؤسسات الدولة من دون التحقّق منها لاستبعاد تلك المسؤولة عن جرائم بموجب القانون الدولي”.
“ومن أجل إجراء انتخابات لا يشوبها الإكراه، يجب على حكومة الوحدة الوطنية، والقوات المسلحة العربية الليبية، إصدار تعليمات فورية لجميع الجماعات والميليشيات المسلحة لوضع حد لمضايقاتها وترهيبها لموظفي الانتخابات، والقضاة وموظفي الأمن المسؤولين عن إدارة الانتخابات. كما عليها إطلاق سراح جميع الذين احتجزوا لمجرد التعبير عن آرائهم بشأن الانتخابات”.
في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، أعرب عماد السايح، رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، عن مخاوفه بشأن أمن الانتخابات بعد أن داهم مسلّحون أربعة مكاتب إقليمية للمفوضية، على الأقل، وأغلقوها بالقوة، وعطلوا عملية تسجيل الناخبين، ونهبوا بطاقات التصويت.
كما أفاد العديد من مسؤولي المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، ومسؤولي وزارة الداخلية، الذين يتولّون أمن الانتخابات، بتعرضهم للتهديد من قبل أعضاء الميليشيات والجماعات المسلحة. ففي سبها، حاصر رجال مسلحون محكمة المدينة بهدف واضح هو وقف المراجعة القضائية لأهلية المرشح.
كما اختطفت الميليشيات والجماعات المسلحة ما لا يقل عن 21 محتجاً وصحفياً وناشطاً في مدن مثل طرابلس وبنغازي ومصراتة وأجدابيا وسرت بسبب دعمهم لمرشحين معينين، أو وجهات نظرهم حول العملية الانتخابية.
ففي سرت، اعتقل مسلحون تابعون لجهاز الأمن الداخلي المرتبط بالجماعة المسلحة القوات المسلحة العربية الليبية التي تسيطر على أجزاء كبيرة من شرق وجنوب ليبيا ما لا يقل عن 13 رجلاً، من بينهم صحفيون، بسبب مشاركتهم المزعومة في تجمع حاشد نُظّم لدعم ترشيح سيف الإسلام القذافي في 14 نوفمبر/تشرين الثاني. وقد أطلق سراحهم بعد خمسة أيام.
كما أبلغت ليلى بن خليفة وهنيدة المهدي، وهما المرأتان اللتان تقدمتا للترشح للرئاسة، عن تعرضهما للسخرية والمضايقات القائمة على النوع الاجتماعي، عبر الإنترنت.
وأضافت ديانا الطحاوي قائلة: “ولإجراء الانتخابات، يجب على السلطات الليبية، وأولئك الذين يسيطرون على المناطق بحكم الأمر الواقع، ضمان توفير الحماية لجميع المرشحين والناخبين والنشطاء والسياسيين، من العنف، والتهديدات، والاحتجاز التعسفي. كما على السلطات حماية النساء من الاعتداءات القائمة على النوع الاجتماعي، وضمان السماح للجهات الفاعلة في المجتمع المدني بالتعبير عن آرائها، والمشاركة في العملية الانتخابية من دون خوف من الانتقام”.
مناخ الاستقطاب الشديد يطغى على العملية الانتخابية
لقد انقسمت ليبيا بين جماعات سياسية متنازعة تتنافس على السيطرة منذ عام 2014. شكلت الانتخابات المؤجلة الآن جزءاً من عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة بعد عقد من الفوضى والصراع في أعقاب الإطاحة بمعمر القذافي في عام 2011.
ففي مارس/آذار، بدأت حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية المعينة حديثاً في إعداد الشعب للانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول. ومنذ ذلك الحين، كافحت حكومة الوحدة الوطنية للحفاظ على السيطرة، مع سيطرة القوات المسلحة العربية الليبية على مساحات شاسعة من البلاد وسط الانقسامات السياسية المستمرة.
ومن بين 98 فرداً تقدموا بطلبات للترشح في الانتخابات، رفضت المفوضية العليا للانتخابات في البداية 25 منهم، بسبب إدانات سابقة، أو عدم جمع العدد المطلوب من التوقيعات من الناخبين المسجلين، أو ازدواج الجنسية، أو عدم الأهلية الطبية.
وطعن المرشحون الثلاثة الأوفر حظاً – خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي وعبد الحميد الدبيبة – في قرارات المحاكم لاستبعادهم من الترشح، وما زالوا يواجهون معارضة شرسة.
وقد برأت المحاكم سيف الإسلام القذافي، نجل حاكم ليبيا السابق معمر القذافي، للترشح للانتخابات، على الرغم من كونه مطلوباً من قبل المحكمة الجنائية الدولية، لارتكابه جرائم ضد الإنسانية لدوره في قمع الاحتجاجات ضد والده عام 2011. وقد دعت منظمة العفو الدولية، مراراً وتكراراً، إلى تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية.
أما خليفة حفتر، الذي حاولت القوات المسلحة العربية الليبية التابعة له السيطرة على طرابلس وغرب ليبيا في هجوم استمر لمدة عام، وتم إحباطه في يونيو/حزيران 2020، فقد حكمت المحاكم أيضاً بأنه مؤهل للترشح. وقد وثقت منظمة العفو الدولية، وغيرها، على نطاق واسع الجرائم التي ارتكبتها القوات المسلحة العربية الليبية، والجماعات المسلحة التابعة لها، بموجب القانون الدولي، بما في ذلك جرائم الحرب. وهناك أسباب معقولة للتحقيق فيما إذا كان خليفة حفتر، بصفته قائد القوات المسلحة العربية الليبية، قد تقاعس عن منع الجرائم التي ارتكبتها القوات الخاضعة لقيادته، ومعاقبتها.
كما طُعن في ترشح رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة أمام المحكمة ولكن من دون جدوى. لقد وثقت منظمة العفو الدولية جرائم بموجب القانون الدولي ارتكبتها القوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية – لا سيما ضد المهاجرين واللاجئين – عندما كان الدبيبة في السلطة. وواصلت حكومة الوحدة الوطنية تعيين أفراد يشتبه في ارتكابهم جرائم بموجب القانون الدولي.
قالت ديانا الطحاوي: “على السلطات الليبية الاستفادة من تأجيل الانتخابات واعتبارها فرصة لوقف دوّامة الإفلات من العقاب والحرص على استبعاد المشتبه في ارتكابهم جرائم بموجب القانون الدولي من مناصب قد تتيح لهم ارتكاب المزيد من الانتهاكات، أو التدخل في التحقيقات، أو قد تمنحهم الحصانة”.
خلفية
اعترف رئيس اللجنة البرلمانية الخاصة بالعملية الانتخابية اليوم، في رسالة وجّهها إلى رئيس البرلمان، باستحالة إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول.
أصدرت بعدها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بيانًا قالت فيه إنّ عدم الإفلاح في تخطّي نقاط الاختلاف حول أهلية المرشحين والإطار الانتخابي تسبّب في تأجيل الانتخابات. كما أوصت المفوضية بانطلاق الانتخابات الرئاسية في 24 يناير/كانون الثاني، ودعت مجلس النواب إلى معالجة العقبات.
في 21 ديسمبر/كانون الأول، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقها بشأن حشد عناصر مسلّحة في العاصمة.
فضاء الآراء + منظمة العفو الدولية