من المنتظر أن يوقع لبنان الأسبوع المقبل على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بعد نجاح الوساطة الأميركية في إبرامه، وقبول حزب الله به أمام المعطيات الاقتصادية والسياسية المأساوية في بيروت.
التوقيع من المرجح أن يتم الخميس المقبل في رأس الناقورة وبشكل مستقل بين إسرائيل ولبنان، لعدم الإيحاء بأن لبنان في بادر التطبيع مع الدولة العبرية، وسيحضره الوسيط الأميركي آموس هوكستين وممثلين عن الأمم المتحدة.
مع ذلك فإن الاتفاق بشكله وفحواه هو الأول بشكل سلمي بين الطرفين بعد اتفاق أيار في 1983 الذي انسحب لبنان منه خلال الحرب الأهلية، وقبل ذلك هدنة الـ 1984 والتي انهارت لاحقا مع انتقال مجموعات فدائية فلسطينية إلى بيروت وفتح الجبهة الجنوبية.
اليوم، اتفاق هوكستين هو نتيجة عملية للواقع الاقتصادي الجيوسياسي في لبنان وإسرائيل وفي الجوار الأوروبي بعد حرب روسيا في أوكرانيا واشتعال أزمة النفط والغاز. ولعل أهم ما في الاتفاق هو قبول حزب الله به أو على الأقل عدم الاعتراض عليه علنا وتسويقه أنه مع “فلسطين المحتلة” لحفظ ماء الوجه.
ديبلوماسي أوروبي قال لنا هذا الأسبوع إن حزب الله أبلغ الجانب الأوروبي مباشرة منذ شهور بأنه مع الاتفاق ويراه “في مصلحة لبنان” وأكد هذا الديبلوماسي أن حزب الله لم يكن الطرف المعرقل له. هذا أيضا تؤكده مصادر في الوفد التفاوضي اللبناني وتفسر موقف الحزب بتحالفه مع الرئيس اللبناني ميشال عون، ولأسباب اقتصادية.
هناك أربعة عوامل مهدت لقبول حزب الله بالاتفاق اليوم:
أولا: الأزمة الاقتصادية الخانقة والتي تطال قاعدة حزب الله كما غيرها في لبنان. فالحزب لا يريد انفجارا سياسيا واقتصاديا في بيروت ويسعى إلى تنفيس الاحتقان بشكل أكثر من غيره في السلطة.
ثانيا: جغرافية الاتفاق والمربعات التي سيتم الاستكشاف فيها تفيد حزب الله وكونه متواجد وبقوة في الجنوب اللبناني وبالقرب من الناقورة وحقل قانا. هذا يعزز الفوائد المادية من الاتفاق إذا أخذنا بعين الاعتبار المافيوية السياسية والاقتصادية في لبنان، إنما هو رهن باستكشاف الغاز وهذا أمر غير مضمون اليوم.
ثالثا: الحزب براغماتي في حساباته الداخلية ويريد الحفاظ على غطائه المسيحي وتحالفه مع التيار الوطني بإهداء عون إنجازا أولا وأخيرا في ولايته الرئاسية.
رابعا: الحزب لا يريد مواجهة عسكرية مع إسرائيل في لبنان اليوم ويصب أعينه على الساحة السورية وعلى مكاسب سياسية وتجارية شرعية وغير شرعية في الإقليم. هذا أيضا في مصلحة إيران التي تعطي أولوية لترسيخ نفوذها ومصالحها سواء في بغداد أو بيروت أو دمشق، وليس لشن مواجهات غير ضرورية في الساحة الجنوبية ضد إسرائيل.
هذه الأسباب أوصلت إلى الاتفاق اليوم، إنما لا تعني بالضرورة منعطفا للبنان. فالفساد ما زال مستشر، والسلطة ليست بوارد اتخاذ إصلاحات لتسلم قروض خارجية من صندوق النقد وغيره والفراغ الرئاسي شبه محتم نهاية الشهر المقبل.
في هذا الإطار، يشكل الاتفاق نافذة صغيرة للاستقرار وشراء الوقت للسلطة من دون أن يحد من إمكانية حزب الله أو يقوض قدراته. فالحزب في 2022 يختلف عما كان في الثمانينات والتسعينات وأولويته هي في الامتداد الإقليمي والمالي وفي ضمان سلطة لا تهدد مكاسبه في لبنان.
جويس كرم – الحرة