أهمية الدراسة تكمن في أنّها تُقارب بشكل موسّعٍ ودقيق حالة النظام الإقليمي العربي قبل مرحلة الثورات والانتفاضات الشعبية وتأثيرها في بُنية نُظم الحكم العربية.
فوضى عارمةٌ وفقدانٌ غير مسبوق لـ”الوزن الاستراتيجي” تشهده المنطقة العربية منذ أواخر عام 2010. لم يسبق للأنظمة العربية على تعدّد واختلاف تركيباتها، أن شهدت كمّاً هائلاً من أزماتٍ متلاحقةٍ ومتشابكةٍ تعصف بقواها وأركانها في توقيتٍ واحد، وبالعمق الذي يُصيبها، ولا في أيّ مرحلة من مراحل تطورّها.
فقدان “الوزن الاستراتيجي”، شكّل فرصةً ذهبيةً لنشوء تصارُعٍ جديدٍ على انتزاع موطىء قدمٍ في قلب الوطن العربي. فأُطلقت الطموحات والأطماع لدى القوى الإقليمية والدولية، المختلفة الأيديولوجيات ومتشابكة المصالح في آنٍ معاً. وأصبح العالم العربي مسرحَ تجاربٍ لإعادة تشكّل نظام إقليمي جديد، ومختبراً لموازين قوى عالمية تعيش حالة من عدم الاستقرار والثبات في ظلّ نظام ٍعالمي يعيش حالةً من الفوضى و”اللانظام”، أو على الأقل حالة من “السيولة” الدولية. (لإحاطة مفيدة في الشأن، نُحيل القارىء إلى كتاب “النظام العالمي”، هنري كيسنجر، 2015.)
دوّامةُ القتلِ وحمّامات الدّم الذي إنزلقت إليه بلدان عربية، وتفجّر حدّة الانقسامات الداخلية مع تصارع عمليات الاستقطاب الأيديولوجية والطائفية في العديد من المجتمعات، واقعٌ يهدّد وحدة الوطن العربي وتماسكه. أمّا تنامي قوّة وخطورة التنظيمات الإرهابية المتنقلّة وتفاقم مستوى تغلغل قوى إقليمية ودولية في الشؤون العربية، فيُهدّد الخريطة السياسية على امتداد المنطقة العربية.
ولعلّ القول بأنّ الإقليم العربي يُمثّل اليوم “رجل العالم المريض”، يتصارع الآخرون على تقسيم تُركته وفرض الوصاية عليه، فيه من الدقّة الكثير. فعلى الرغم من مرور عقد كامل على اندلاع ثورات وانتفاضات شعبية عربية، إلاّ أنّ التداعيات فاقمت من أزمات وجودية في معظمها. أمّا الحديث عن نتائج نهائية واستنتاجات قاطعة في شأن تأثير ما حدث ويحدث، وما قد يترتّب عليه من تطورات ونتائج على الواقع العربي، فهو حديث يفتقر للدّقة والموضوعية. وطالما أنّ عملية التغيير والتحوّلات التي نشهدها لا تزال في حالة تفاعل وسيولة في مختلف الدول العربية، فإنّ الأمر يستوجب استكمالاً متواصلأً في البحث خلال مراحل متلاحقة. وقد يستغرق الأمر سنوات، وربما عقود عدّة حتى تتضح الصورة كاملة، كحال الثورات الكبرى التي شهدها العالم على مدى القرون الماضية.
“تأثير الثورات العربية في النظام الإقليمي العربي”
في سياق مقاربة ما يشهده العالم العربي من تحوّلات خطيرة لاتزال قيد التشكّل، بفعل موجة حراك لا تزال في حالة سيولة، يقدّم كتاب “تأثير الثورات العربية في النظام الإقليمي العربي 2010-2019″، دراسةً قيّمةً للباحث الدكتور “فتوح أبو دهب هيكل”، من إصدار مركز درسات الوحدة العربية – نيسان 2021.
أهمية الدراسة تكمن في أنّها تُقارب بشكل موسّعٍ ودقيق حالة النظام الإقليمي العربي قبل مرحلة الثورات والانتفاضات الشعبية وتأثيرها في بُنية نُظم الحكم العربية. وتغوص بمنهجيةٍ دقيقةٍ ومُحكمةٍ في بحثٍ متعدّدٍ ومتشابك الوقائع والأحداث وتشعبات ارتباطات المنطقة العربية وعلاقاتها المعقّدة إقليمياً ودولياً. تستفيض الدراسة في البحث عن تأثير الأحداث التي شهدها بعض البلدان العربية منذ أواخر عام 2010 في النظام الإقليمي العربي، من حيث: طبيعة النظام وبُنيته الداخلية، هويته ومؤسساته وقضاياه الرئيسة، توازنات القوى داخله، أنماط تحالفاته الداخلية والخارجية، وعلاقاته ببيئته الإقليمية والدولية. ويحاول الباحث جاهداً إيجاد إطار تفسيري لفهم التحولات التي شهدها النظام العربي في سياق موجة الحراك الشعبية، فضلاً عن محاولة استشراف مستقبله في ضوء النتائج والتطورات التي أفرزتها.
يقدّم الكتاب قراءةً جدّيةً وعلى قدرٍ عالٍ من الأهمية، لتأريخ أحداثٍ معاصرةٍ ووقائع متشابكة لاتزال قيد التفاعل والتأثير. يتبنّى مقاربةً يُبنى عليها في ربط الأحداث التي تجري في المنطقة وما يمكن أن تُنتجه من تداعياتٍ دقيقةٍ وخطيرةٍ على مجمل المنطقة العربية.
لا شكّ في أنّ المقاربة تّتسم بالدّقة في تناول الوقائع وكثافة المعلومات، إلاّ أنّ الجهد البحثي يحتاج الى عملية تقصٍّ عن المزيد من الحقائق لإدراكِ فهمٍ أكثر شمولية للوقائع المعاصرة، ويستوجب استكمال البحث في مراحل لاحقة. وبالتالي، فإنّ المقاربة العلمية والمتابعة الحثيثة تبقى مفتوحة على مصراعيها ومتاحة لاستخلاص نتائج أكثر موضوعية وخاصة لدى مقاربة تشابك بعض العلاقات العربية مع القوى الإقليمية وانعكاساتها على المشهد العربي.
ويحضر هنا، على سبيل المثال لا الحصر، دور السعودية وحيثيات التحالف مع الولايات المتحدة في المنطقة بخاصة في سوريا والعراق، وحيثيات الحرب والتنسيق السعودي-الأميركي ضدّ اليمن، والعلاقات الأميركية- الإيرانية وانعكاساتها على الدول العربية، والتحشيد الإقليمي والدولي ضدّ إيران الداعمة لقوى المقاومة في المنطقة ومغزى اتهامهما بالإرهاب في مقابل “التسامح” مع الإرهاب الصهيوني والدخول بتحالفات مع العدو الإسرائيلي، فضلاً عن إزدواجية المعايير المعتمدة في تصنيف الإرهاب وخضوعه لمعايير سياسية إنتقائية.
يعتمد الباحث ثنائية “الثورات والانتفاضات العربية” لتوصيف الأحداث التي وقعت منذ أواخر 2010. ويوضح أنّ ما جرى يمكن أن ينطبق على بعضه وصف “ثورة” شعبية، ولا سيما في الدول التي تمكن فيها الحراك من الإطاحة بالنظام الحاكم والتأسيس لنظم حكم جديدة كلياً أو جزئياً. في حين أن بعض الدول الأخرى التي شهدت احتجاجات محدودة أو تمكّنت النظم القائمة عليها من احتوائها بالإجراءات السياسية والاقتصادية، لا ينطبق عليها المفهوم، ويمكن عدّها مجرد إنتفاضات أو حركات احتجاجية مطلبية.
أمّا وبغية تحقيق الأهداف التي تصبو إليها الدراسة، تمّ تقسيم الكتاب المؤلف من 350 صفحة، إلى خمسة فصول رئيسية، إضافة إلى مقدمة الدراسة وخاتمتها والمراجع والفهرس.
أولاً:
اختلف الباحثون حول تحديد المعايير التي يمكن من خلالها تعريف النُظم الإقليمية ومستويات تحليلها والعناصر المميزة لها. واختلفوا حول تحديد طبيعة العلاقة بين النظام الدولي والنظم الإقليمية من حيث درجة التأثير والتأثر، والتبعية والاستقلالية، ومن ثمّ تعدّدت التعريفات المقدّمة للمفهوم. في العموم، ثمّة اتفاق بين أغلب الباحثين على ضرورة توافر مجموعة من المعايير لقيام النظام الإقليمي، أبرزها: الارتباط بمنطقة جغرافية معينة، شمل ثلاث دول على الأقل ليس من ضمنها أيّ من الدول الكبرى المهيمنة في النظام الدولي، وجود تجانس اجتماعي واقتصادي وثقافي يُحدّد الشعور بهوية الانتماء الإقليمي، واعتراف الدول الكبرى بأنّ “الإقليم” يمثّل منطقة لها خصائصها المتميزة. وأيّاً كان التباين في شأن تعريف النظم الإقليمية والمعايير التي يستند إليها، فإنّها تنطبق جميعها على النظام العربي.
نشأ النظام الإقليمي العربي رسمياً عام 1945، ومرّ بمراحل تطوّر متعدّدة، ارتبطت بالأساس بأحداث مفصلية فارقة، ألقت بتأثراتها الواضحة على هذا النظام ونمط قدراته وتوازناته الداخلية وعلاقاته بالقوى الإقليمية والدولية. يُجمل الباحث المراحل بـ: الهزيمة العربية الأولى أمام “إسرائيل” عام 1948، العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، موجة المدّ القومي التي تلتها والتي تميّزت بتفرّد مصر بقيادة النظام العربي، ثم الحرب الباردة العربية التي وصلت الى ذروتها في الصراع المصري- السعودي في اليمن عام 1965، والهزيمة العربية الثانية أمام “إسرائيل” في حزيران/يونيو 1967 وما تلاها من تراجع الدور المصري، حرب تشرين الأول/اكتوبر 1973، وتوقيع اتفاقية كامب دايفيد التي أسفرت عن إخراج مصر من معادلة الصراع العربي- الاسرائيلي، والغزو العراقي للكويت عام 1990، والغزو الأميركي للعراق عام 2003، وأخيراً موجة الثورات والانتفاضات الشعبية التي هزّت المنطقة أواخر عام 2010 وما تلاها من تطورات وأحداث.
أمّا التطورات الدرامية التي يشهدها العالم العربي، خلال “عقد الثورات والانتفاضات”، فقد أفضت في مجملها الى دخول النظام في مرحلة جديدة أكثر تأزّماً. أهم ملامح المرحلة وسماتها يوضحها الباحث مستفيضاً في البحث وعرض الوقائع.
“تنامي الاختراق الدولي للنظام الإقليمي العربي”
مهّدت أحداث 11 أيلول / سبتمبر التي ضربت الولايات المتحدة عام 2001، لتحوّلات استراتيجية كبرى على الساحة الدولية وغيّرت كثيراً في مرتكزات النظام الدولي. فقد فرضت سيطرة الولايات المتحدة وهيمنتها العالمية بالقوة العسكرية تحت شعار “الحرب على الإرهاب” من أفغانستان الى العراق. فيما وجدت النزعة الأميركية نحو الهيمنة تطبيقها العملي الرئيسي داخل النظام الإقليمي العربي الذي تعرّض لاختراق أميركي غير مسبوق. وبدأ التسويق الأميركي المهول لفكرة أنّ الأنظمة في المنطقة العربية مسؤولة عن بروز موجة الإرهاب وانتشاره. وحاولت الولايات المتحدة فرض مفاهيم للإرهاب والعمل على تعليمها كمفهوم يُميّز بين أعدائها عن أصدقائها، ليُصار بعدها إلى تصنيف واشنطن كل من يُناوىء هيمنتها، ويواجه الاحتلال الإسرائيلي بأنّه إرهابي ويجب القضاء عليه، لتتصدّر بعدها قضية مكافحة الإرهاب القضايا العالمية.
أمّا أبرز مظاهر الاختراق الأميركي للنظام الإقليمي العربي، فقد تمثّلت في تطورين مهمين، يوضحهما الباحث: المظهر الأول، غزو العراق واحتلاله عام 2003، الذي مثّل نقطة فاصلة في تاريخ علاقة النظام الإقليمي العربي بالقوة الدولية المهيمنة. فمع احتلال العراق، فرضت الولايات المتحدة على النظام العربي نمطاً جديداً في العلاقات بوصفها دولة احتلال. وأتاح لها وجوداً عسكرياً في العراق مجالاً أكبر للتدخّل في مواقف وسياسات دول المنطقة، وساهم في تحرّك النظام العربي باتجاه نوع فريد من الخضوع والتبعية للولايات المتحدة أفقدته قدرته على التحرّك بما يتعارض وسياستها، وبخاصة في غياب موقف عربي موحّد حول كيفية التعامل مع القوة الدولية، وخوف الأنظمة العربية الأخرى من مواجهة المصير نفسه الذي لقيه صدام حسين.
تسبّب احتلال العراق، في خلق الكثير من عوامل عدم الاستقرار بإطلاقه شرارة الصراعات الطائفية بين الشيعة والسنّة في المنطقة كلها، وزيادة حدّة التنظيمات الإرهابية وخطورتها في المنطقة، وتنامي خطر التنظيمات العابرة للحدود في المنطقة كتنظيمي القاعدة وداعش. فيما شكّل تنامي الدور الايراني في العراق والمنطقة، وفق تعبير الباحث، أهم تداعيات احتلال العراق، فانهيار العراق تسبّب في حدوث فراغ قوة، لم يكن في مقدور البلدان العربية الخائفة من واشنطن والخاضعة لها أن تملأه، ما وفّر الفرصة لإيران لعب دور في ملء هذا الفراغ.
وهنا، لا بُدّ من الإشارة الى أنّ الدور الإيراني تنامى بعد احتلال العراق في ظلّ الصراع المفتوح مع الأميركيين الذين لم يكتموا عدوانيتهم اتجاه إيران، وبموازاة العمل على تمزيق النسيج العراقي ما يؤثّر حتماً على إيران الجارة، بالإضافة الى التخلّي العربي المباشر عن العراق، وتحوّل بعض العرب إلى مطيات أميركية في العراق وإشهار أولئك معاداتهم لإيران من الباب المذهبي والقومي.
أمّا مظهر الاختراق الدولي الثاني، فتمثّل بمحاولة إحياء المشروعات الإقليمية البديلة من قبل الولايات المتحدة وفرنسا وزعماء حلف “الناتو”. مشروعات تمثّل امتداداً لفكرة الشرق الأوسطية، وتندمج فيه “إسرائيل”.
“الإختراق الإقليمي للنظام العربي”
أفسحت التطورات التي شهدها النظام الإقليمي العربي في مرحلة ما بعد احتلال العراق في المجال أمام صعود دول الجوار وتزايد نفوذها واختراقها للنظام الاقليمي العربي. ايران عزّزت من علاقاتها مع العراق وسوريا وحافظت على حضورها السياسي القوي في لبنان ولاسيمّا بعد حرب 2006 ودعمها للمقاومة في التصدّي لآلة الحرب الاسرائيلية. فيما شهدت تركيا تحولاً سياسياً منذ وصول “حزب العدالة والتنمية” الى السلطة عام 2002، بانتهاجها سياسة تقارب مع الوطن العربي. أمّا “إسرائيل”، فكانت من أكبر المستفيدين من التغيرات الجيوستراتيجية في المنطقة والعالم في مرحلة ما بعد أحداث 11 أيلول / سبتمبر. فكثّفت من ممارساتها العدوانية، وسعت الى استغلال الهجمة الأميركية على قوى المقاومة والدول الممانعة للسياسة الأميركية في المنطقة. وسوّقت لفكرة أنّ فصائل المقاومتين الفلسطينية واللبنانية هي “جماعات إرهابية”، ما ساعدها على تصعيد عدوانها تحت شعار “الحرب على الارهاب” الذي رفعته الولايات المتحدة.
أمّا في ما يتعلّق بحالة النظام الإقليمي العربي الداخلية، خلال المرحلة السابقة على اندلاع الثورات، فكانت تعاني من الانقسام والتداعي ما وضع النظام العربي على شفا الانهيار التام. فقد ازداد الانقسام العربي- العربي بحدّة، فيما ضعفت بُينة الدولة الوطنية العربية وتزايدت مخاطر التفكيك والانقسام بفعل ما أشيع من مناخ طائفي تفكيكي بعد احتلال العراق. وسيطر الجمود السياسي مع تزايد مطالب الإصلاح والتغيير الديمقراطي، وضعف دور مؤسسات النظام العربي مع اتساع حدّة التفاوت في موارد البلدان العربية وتحوّل موازين القوى داخل النظام العربي.
ولدى مقاربة عوامل اندلاع الثورات والانتفاضات، فتبرز عناوين مختلفة: الجمود السياسي وغياب الديمقراطية، تهميش الشباب اقتصادياً وسياسياً، تنامي ظاهرة الفساد، تعثّر السياسات التنموية وعدم عدالة توزيع عوائدها، ثورة الاتصالات وتراجع قدرة الدولة على التحكّم في الفضاء الإعلامي والاجتماعي، إضافة الى دور العوامل الخارجية. وعلى الرغم من أنّ الثورات تحدث لأسباب داخلية بالأساس، فلا يمكن إغفال دور العوامل الخارجية وتأثيرها في تأجيج الثورات وتسريع وتيرتها من خلال مواقف القوى الدولية والإقليمية التي تدخلت في مسار الثورات والانتفاضات، سواء بدعم الحراك أو بدعم النظام الحاكم. فسِجّل الدول الغربية، لا يشير الى تدخلات لدعم ثورات ديمقراطية في أي مكان، بقدر ما يشير الى أنها تدخّلت تاريخياً لفرض أنظمة استبدادية موالية لها.
ثانياً:
أفضت الثورات الى حدوث تغيرات جوهرية وكبيرة في إمكانات وقدرات الدول الأعضاء في النظام الإقليمي العربي، حيث أدّى عدم الاستقرار السياسي والنزاعات الطائفية وتفاقم ظاهرة الإرهاب والعنف، الى تدهور غير مسبوق في الأوضاع الاقتصادية العربية. فتقلّصت إمكانات النظام العربي الشاملة وقدراته، ما جعله أكثر ضعفاً وانكشافاً أمام القوى الخارجية، وأكثر عجزاً في مواجهة قوى التفكيك الطائفية والإرهابية التي انتشرت في أرجائه. في الموازاة، سُجّلت إختراقات أمنية خطيرة وتفاقمت حدّة الصراعات العسكرية في دول الحراك، حيث تنامى خطر الإرهاب وتنظيماته، وأصاب التأثير القدرات والإمكانات العسكرية العربية التي تفكّك بعضها وأضعفت جيوش بعضها وتمّ استنزافها في صراعات داخلية. فضعُفت القدرات الدفاعية للنظام العربي ما سهّل عملية اختراقه من الخارج. فيما لعبت التطورات التكنولوجية العالمية دوراً مهماً في تزايد انكشاف الوطن العربي وأتاحت اختراق أمنه وسيادة دوله.
“صعود ظاهرة الإرهاب”
سجّلت ظاهرة الإرهاب في الدول العربية صعوداً خطيراً وغير مسبوق، فطغت على ما سواها من قضايا وتهديدات بعد موجة الثورات والانتفاضات الشعبية، نتيجة عوامل عدّة. فقد وفّرت حالة الفوضى والانفلات الأمني في البلدان العربية بعد الثورات بيئة مثالية لنمو وانتشار التنظيمات الإرهابية. فيما أدّت بعض الأنظمة العربية دوراً في تشجيع انتشار الإرهابيين داخل المنطقة. في حين، مثّل الصراع الطائفي الإقليمي الذخيرة التي تحتاجها تنظيمات مثل القاعدة وداعش وغيرها لحرف الصراع في المنطقة بعيداً من مساره السياسي والاجتماعي نحو تنافس جيوستراتيجي وطائفي سهل مهمتها في تجنيد المتطرّفين والارهابيين.
وتوضح الأرقام الصادرة عن قواعد بيانات الصراعات في الفترة 2011-2016، أن منطقة الشرق الاوسط استحوذت نحو 50 في المئة من إجمالي الهجمات الإرهابية في العالم، وعلى نحو 60 في المئة من إجمالي ضحايا الإرهاب في العالم. وحلّت البلدان العربية في مقدمة دول العالم في ارتفاع تكاليف احتواء العنف ومكافحة الإرهاب، حيث بلغت التكاليف أرقاماً خيالية اقتربت من التريليون دولار في عام 2016.
من جهة ثانية، يشير الباحث إلى أن موجة الحراك وما تلاها من تطورات وأحداث تأثيرها الكبير في توازنات القوى داخل القوى العربية التقليدية التي أصبحت هي نفسها مجالاً لممارسة النفوذ الخليجي. وامتدّ التأثير إلى أنماط التحالفات القائمة في المنطقة، والتي شهدت بدورها تغيّرات وتحوّلات سريعة ومتلاحقة. ولعلّ أخطرها تمثّل في إعادة إحياء لمشاريع الشرق الأوسطية من جديد تحت مسمى “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي”.
فضاء الآراء – الميادين الثقافية