في ظلّ وبعد الكورونا: انجازاتنا ومكانتنا عشية الثامن من آذار تتراجع

الثامن من آذار يوم المرأة العالمي هذا العام مختلفًا في ظلّ أزمة الكورونا وتحت غطاء هذا العام الذي سوف يكتب عنه الكثير لاحقًا وعن تأثيرات هذه الجائحة على المجتمع بأكمله، تأثيراتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية أيضًا. من المتعارف عليه الاحتفال بيوم المرأة العالمي كيوم نضالي تعيد فيه النساء قضايا المرأة وحقوقها ومكانتها إلى مقدمة الأجندة النضالية لمجتمعاتنا، بهدف إعادة رسم حدود هذا النضال الانساني والمجتمعي وصياغة أجندته بما يتلاءم، والتشديد على المنجزات وارساء قواعد المطالب الجديدة والمتناسبة والظرف الموضوعي وقدراتنا النضالية.

لقد أكدنا، في كل عام وفي كل يوم، وخاصة عشية يوم المرأة، أننا نعي بأننا ما زلنا نعيش في مجتمع يسيطر عليه التمييز على أساس النوع الاجتماعي، مجتمع لا يضمن المساواة بين أفراده رجالا ونساء، هذا هو الواقع الذي حطت عليه جائحة الكورونا، وعمليًا ساهمت بشكل واضح في تعميق الفجوات داخله الأمر الذي سوف تتضح أبعاده بشكل جليّ أكثر عندما نتجاوز الأزمة الصحية.

من شأن الأزمات التي تمر بها المجتمعات على مدار التاريخ أن تعزز من الفوارق والفجوات بين البشر وأن تؤثر عليهم بطرق مختلفة، ومن ضمن ذلك تعزيز الفجوات القائمة بين الرجال والنساء، خاصة وأن تفاعل البشر مع الأزمات مختلف ويتأثر بالأدوار المنوطة بهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وعام كامل تحت طائلة الكورونا لا بد له أن ينعكس في مراجعاتنا ومقارباتنا النسوية على شرف الثامن من آذار، وتحديدًا في ثلاث مستويات أساسية: تأثيرات الأزمة مباشرة والفجوات التي تعمّقت بفعلها، الحلول المقترحة من المؤسسات الرسمية وتأثيرها، ونظرة بعيدة المدى لما بعد الجائحة.

وقبل الغوص في التفاصيل لا بدّ من الاشارة الى حقيقة ناجزة لها تأثيرها وتفاعلاتها عندما نتحدث عن مكانة المرأة وتأثير الأزمة عليها، وهي السياق السياسي العام الذي تدور به أحداث الأزمة وهو السياق الاسرائيلي بكل تعقيداته وخلفياته العسكرية والعنصرية والذكورية المسيطرة على المؤسسة الحاكمة وتعاطيها مع النواحي المدنية في أي وضعية وحدث، اذ لا بد من التنبيه وفورًا الى الخطاب العسكري الذكوري والقمعي الذي سيطر على التعاطي مع الأزمة منذ بدايتها، حيث غزا هذا الخطاب ومصطلحاته الحياة المدنية فأصبحت الجائحة “حربًا” والطواقم الطبية صاروا “جنودًا على الجبهة” والجهد الجماعي المطلوب يسمى “الدخول تحت النقالة” وإن لم يكن كل ذلك كافيًا، أضيف للخطاب مصطلحات من الحكم العسكري أو لغة الاحتلال في فرض “منع التجول” وتقررت “إغلاقات ” وأدخلوا المواطنين إلى “العزل”. هذا الميل الواضح الى التعاطي مع الأزمة بعقلية عسكرية أقصى النساء بالضبط كما في الحروب من مواقع اتخاذ القرار والتعاطي مع تفاعلات الأزمة على كل المستويات. وكما أثبتت كل التجارب السابقة اقصاء النساء من هذه الدوائر يقصي تأثيرات الأزمة عليهن واحتياجاتهن من الأبحاث والقرارات ويعمق الفجوات أكثر وأكثر.

ومن تبعات السياق على التفاعلات مع الأزمة سيطرة اليمين العنصري على مقاليد الحكم وإدارة الدفة قبل وخلال الأزمة، اليمين ذاته الذي أضعف أجهزة خدمات الدولة المختلفة من تعليم وصحة قبل الأزمة وجعل مناليتها أصعب على الفئات المهمشة والمستضعفة وبالأساس العرب والنساء في هذه الدولة، هو اليمين ذاته الذي استغل أزمة الكورونا لتعزيز قبضته وسيطرته على البلاد من خلال مجموعة قرارات توسع الفجوات وتكرس التمييز وفي الوقت ذاته تنتهك حقوقًا أساسية للمواطنين مثل قانون التعقب الالكتروني وادخال الشاباك إلى الحيز المدني وخصوصيات المواطنين الأمر الذي يشرعن لاحقًا انزلاقات أخرى وأكثر حدة في مجال انتهاك حقوق الانسان والمواطنين ومن ضمن ذلك حقوق النساء كجزء من منظومة حقوق الانسان والمواطن.

في هذا السياق لا بد من الاشارة إلى ثلاثة تأثيرات بارزة لأزمة الكورونا على حياة النساء عامة في اسرائيل والعربيات خاصة:

المرأة والعمل

شهد العام الأخير ارتفاعًا حادًا بمنسوب البطالة في البلاد حيث خسر أكثر من مليون مواطن عملهم، 58 بالمئة منهم نساء، كل هذا رغمًا عن حقيقة كون أكثرية النساء يعملن في مجالات العناية والرعاية مثل التمريض ورعاية المسنين وجهاز التعليم وغيرها من الخدمات، مما يؤكد أن قرارات تسريح العمال والموظفين تأثرت بشكل مباشر من انماط التفكير الجندرية الشائعة في المجتمع، كما أن تعاطي الحكومة مع الأزمة يؤكد أن التوجه الرأسمالي الذي لا يرى الفئات المستضعفة والطبقة العاملة في أولوياته وتتبناه حكومة اليمين لم ينجح في تقديم الحلول الحقيقية، وفضل سياسة إطفاء الحرائق والاكتفاء بشبكة أمن اجتماعي ممزقة تهاوت منها النساء والفئات المسحوقة، والخطر الحقيقي جراء اغلاق العديد من المصالح التجارية أن لا تنجح النساء وخاصة ممن يتجاوزن الأربعين من العودة الى سوق العمل، سوف يزداد عدد العائلات التي تعيش تحت خط الفقر، مما يحتم علينا التفكير وبعمق لتطوير أجندة نضالية واضحة في هذا المجال.

العنف ضد النساء

فاقمت أزمة الكورونا العنف ضد النساء وجعلت البيت مصيدة للكثير من النساء اللواتي أغلقت الأبواب عليهن مع الرجال العنيفين في حياتهن مما عرضهن وعرض اطفالهن لمخاطر، اذ شهدت البلاد ارتفاعًا حادًا بشكاوى العنف ضد النساء وكذلك الاطفال وصلت في بعض المناطق الى ارتفاع يعادل 60 بالمئة مما كان في السابق وكل ذلك في ظل انحسار اهتمام الرأي العام بقضية العنف ضدهن وتصويب الأنظار كلها للأزمة العامة، ولا بد هنا من الاشارة الى الجهد الخاص الذي بذلته الأطر النسوية للتنبيه الى المخاطر الكامنة وضرورة تخصيص الموارد لحماية النساء. ومن المعروف لكل من يعمل في المجال بأن علاج تبعات العنف يمتد لسنوات طويلة بعد وقوع العنف الأمر الذي يتطلب إعادة صياغة المطالب النسوية في هذا المجال.

تعزيز الأدوار المجتمعية النمطية

ردة الفعل الأولى لحالة الأزمة وجزء كبير من تفاعلاتها كان عودة المواطنين الى البيوت -صغارًا وكبارًا- وازدياد أعباء ادوار الرعاية المنزلية والعائلية في الاساس على كاهل النساء اللواتي وجدن أنفسهن في أغلب الأحيان اما مسرحات من العمل أو يعملن من المنزل في وضعية الحضانات والمدارس مقفلة، ودور الرعاية والخدمات للمسنين من العائلة مقفلة أيضًا وعادت المرأة بشكل مكثف إلى الأدوار النمطية التي أثقلت كاهلها في السابق أيضًا لضعف شبكة الدعم المؤسساتية للعائلات العاملة. وحتى النساء اللواتي يشكلن غالبية بين مقدمي خدمات الرعاية والخدمات الطبية لم يكن لهن دعم مؤسساتي كاف للتعاطي مع عملهن ومع ادوار الرعاية العائلية التي وجدت خلال أزمة الكورونا الأمر الذي يشير بوضوح إلى الخلل الحاصل في اتخاذ القرارات عندما تغيب النساء عن الطاولة.

يوم المرأة العالمي هذا العام، نأمل أولاً وقبل كل شيء أن نبدأ عملية الخروج من الأزمة الصحية وأن نتمكن من محاصرة الوباء بحيث نعود بأسرع ما يمكن وبأقرب شكل الى ممارسة الحياة الطبيعية، الا أنه لا بد من التأكيد أن مخلفات الكورونا التي سترافقنا لا بد لها من مراجعة بعين تعي وتحلل تداعياتها على النوع الاجتماعي والفجوات التي نجمت أو تعمقت في هذا المجال، السياسات التي سوف تصاغ يجب أن تحمل أجندة تعالج التداعيات على مكانة النساء وحقوقهن في المجتمع، وقد يكون من السابق لأوانه الإحاطة بكل التغييرات التي طرأت على مكانة النساء وعلى الخطاب والوعي الجماعي لهذه القضايا، الا أنه وبالتأكيد لا يمكن ألا أن نكون على وعي بأن النساء اليوم وبعد جائحة الكورونا، أكثر فقرًا، أقل اندماجًا في سوق العمل، وهن معنفات أكثر من ذي قبل، يحملن أعباء غياب شبكة مؤسساتية داعمة لرعاية الاطفال والمسنين، وأكثر اقصاء من عملية اتخاذ القرار والتأثير على السياسات.

هذه ليست وضعية النساء فقط، هذه صورة جديدة مختلفة لمجتمعنا وللمجتمع الاسرائيلي عامة، وهذه بالتأكيد عودة خطوة أو أكثر إلى الخلف نحن بحاجة للتعمق بها ولكن بالتأكيد نحن بحاجة الى خطاب واضح وعميق، ثابت غير متلعثم في طرح الحلول ومواجهة كل الميول اليمينية والرجعية التي تحاول اخراس أصوات النساء وأصوات القوى التقدمية في نضالها من أجل مجتمع يسعى للمساواة والعدالة ليس أمام الدولة وأجهزتها القمعية وإنما في داخله أيضًا.

عايدة توما سليمان

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

الغلاء ينهش النازحين اللبنانيين: فريسة السوق الموازية وانعدام الرقابة

يواجه النازحون من المناطق اللبنانية المعرضة للعدوان الإسرائيلي، ظروفاً قاسية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، مع انتشار السوق السوداء للمواد الأساسية التي يحتاجونها في مراكز الإيواء وفي الشقق السكنية الفارغة التي يستأجرونها، خصوصا الفرش والمخدات والأغطية والمواد الغذائية الأساسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
9 + 9 =