فلسطين.. عن الشهيد الطفل نسيم أبو رومي

في تاريخ المقاومة الفلسطينية نوعان من العمليات الفدائية التي يكون احتمال موت المنفذ فيها عاليا جدا واحتمال نجاته ضئيلا، النوع الأول هو نوع العمليات الذي انتشر منذ أواخر الستينات وحتى اواخر الثمانينات، وفيه يتوجه مقاتل فرد أو مجموعة قليلة من الأفراد لتنفيذ عملية قتالية ضد هدف لجيش الاحتلال أو المستوطنين، وفي الغالب يكون هدفه أسر عدد من أفراد العدو لمبادلتهم بالأسرى في سجون الاحتلال..

في تاريخ المقاومة الفلسطينية نوعان من العمليات الفدائية التي يكون احتمال موت المنفذ فيها عاليا جدا واحتمال نجاته ضئيلا، النوع الأول هو نوع العمليات الذي انتشر منذ أواخر الستينات وحتى اواخر الثمانينات، وفيه يتوجه مقاتل فرد أو مجموعة قليلة من الأفراد لتنفيذ عملية قتالية ضد هدف لجيش الاحتلال أو المستوطنين، وفي الغالب يكون هدفه أسر عدد من أفراد العدو لمبادلتهم بالأسرى في سجون الاحتلال، في الغالب تتحول هذه العمليات إلى “عمليات انتحارية” وتكون فرصة نجاة المنفذين به معدومة، لأن إسرائيل مستعدة للتضحية بعدد غير محدود من مواطنيها وجنودها في سبيل قتل المجموعة الفدائية المنفذة وعدم وقوع اي أسير في يد المقاومة، النوع الثاني هو ذاك الذي انتشر مع صعود حركتي حماس والجهاد الإسلامي والذي يقوم على تفخيخ جسد المنفذ أو تفخيخ سيارة، والدخول إلى قلب مجموعة من المستوطنين أو الجنود، وفي هذه الحالة فإن احتمال النجاة قريب من الصفر إلا إذا وقع خلل في عملية التفجير.

في السنوات الأخيرة انتشر نوع جديد من العمليات الذي يقوم على تنفيذ عمليات طعن يقوم بها أفراد في العادة شبان صغار أو أطفال من دون اي خبرة قتالية أو عسكرية، وفي ضوء تعليمات إطلاق النار وعقيدة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المستندة للتراث التوراتي الأسطوري ” من جاء لقتلك سارع أنت لقتله” والنتيجة معروفة وهي استشهاد المنفذين من دون إعطائهم اي فرصة للنجاة من تحييدهم أو إطلاق النار عليهم بهدف إصابتهم ثم القبض عليهم ومحاكمتهم.

شخصيا لم اكن يوما مؤيدا لتنفيذ العمليات الاستشهادية من قبل الأطفال والفتيات فهؤلاء في النهاية أطفال ومن حقهم ان يعيشوا طفولتهم، ولكن قليلون خارج فلسطين من يدركون حجم القهر والغضب والسخط الذي يتراكم يوميا في نفوس الفلسطينيين ويعتمل في صدورهم فيدفعهم للقيام بمثل هذه العمليات التي تبقى في نظرهم اشرف من حياة الذل والهوان، كما لا يملك أحد ان يحكم على النوايا لهؤلاء الفتية والشباب الذين يعبرون عن وطنيهم واستعدادهم للتضحية من أجل الوطن بطريقتهم، وتتسع هذه الظاهرة في ضوء الأزمات البنيوية التي اصابت أطراف الحركة الوطنية فجعلتها غير قادرة على استيعاب طاقات الشباب وطموحاتهم، يلجا هؤلاء الأطفال لمثل هذه العمليات التي أعرف أحد منفذيها الطفل نسيم مكافح ابو رومي ( 14 عاما) حق المعرفة واعرف والده وهو صديقي ورفيقي امضى في سجون الاحتلال أكثر من سبع سنوات وهو من بلدة العيزرية المجاورة للقدس، وقد نفذ الشهيد نسيم عملية بطولية وثقتها كاميرات المراقبة على إحدى بوابات المسجد الأقصى، فقد هاجم نسيم وزميل له مجموعة من الجنود وحرس الحدود بسكاكين بسيطة واستطاعا طعن عدد من الجنود وإصابتهم بجروح، قبل أن يأتي جنود ىخرون ليطلقوا وابلا من اسلحتهم القاتلة، واكملوا ما يعرف “بإجراءات التأكد من القتل” من خلال إطلاق النار على الفتى وسيم المضرج بدمائه من المسافة صفر فأجهزوا عليه، سلطات الاحتلال بمستوياتها الأمنية والسياسية لم تكتف بذلك بل احتجزت جسد الشهيد في ثلاجات الموتى كنوع من العقاب لذوي الشهيد وللمجتمع الفلسطيني بشكل عام، ولم يفرج عن جثمان نسيم إلا بعد ضغوط سياسية وقانونية محلية ودولية مكثفة.

التشييع

اليوم تراب القدس الدافىء احتضن هذا الجسد الغض، والعيزرية ودّعت فتاها في عرس لم تشهد له ضواحي العاصمة مثيلا من قبل. ثماني رصاصات حاقدة اخترقت جسم “نسيم” الضئيل حجما والكبير أثرا، الصغير عمرا والعظيم مجدا وخلودا في وجدان شعب كامل.

اليوم رأيت مئات الفتية من عمر نسيم وأصغر قليلا أو أكبر قليلا، يلبسون قمصانا وبلايز كتب عليها “مجموعات الشهيد نسيم أبو رومي” …

سيخلدونك باقتفاء اثرك يا نسيم، ورأيت وسمعت عشرات النسوة والفتيات يطلقن الزغاريد فور دخول موكب “نسيم” بلدته العيزرية قادما من أبو ديس.. أي قشعريرة سرت في أبدان آلاف المشيعين، واي نموذج للبطولة هذا الذي تجتمع القرى والمدن والبلاد بأسرها من أجل وداعه.

وإذا كانت التقاليد تحرم النساء والفتيات من المشاركة في الجنازات إلا على استحياء، فإن “صمود” الفتاة الصغيرة الشجاعة .. شقيقة نسيم .. التي صرخت في وجه الجنود تطالب بجثمان أخيها وبصقت على أحدهم.. كانت محمولة على الأكتاف كأبيها “مكافح” تماما تهتف وتصيح فتؤجج في النفوس الغضب والحماسة.

أما مكافح الذي تعرف البلاد والسجون شجاعته وصلابته، ورفيقة دربه دارين فقد تحملا كل ما جرى ببطولة استثنائية.. أفاضا على جثمان نسيم الصغير حبهما كما فعلا في حياته، اسلما قلبهما وروحهما للتراب لينتهي فصل من معاناة الثلج والاحتجاز وتبدأ بعدها معاناة من نوع آخر سترافقهما مدى الحياة لن يخففها إلا أولئك الذين سيقتفون أثر نسيم على طريق الحرية.

نهاد ابو غوش

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

الشاب الذي هزم فرنسا… وطرد الفرنكفونية

ظلّ طيف من الأدباء والمثقفين العرب يتغنّى طوال حياته بانتمائه للثقافة الفرنكفونية. أعرف روائيًا مصريًا لم يكمل تعليمه الثانوي بقي يردّد حتى مماته أنه ابن الثقافة الفرنكفونية البار، رغم أنه لا يستطيع أن يتحدّث جملتين باللغة الفرنسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
30 + 4 =