يدفع المدنيون في قطاع غزة ثمنا باهظا للهجوم الإرهابي الذي شنته حماس على إسرائيل، حيث فرّ مئات الآلاف بسبب الغارات الجوية التي تشنها إسرائيل ردا على الهجوم. انطباعات ومشاهد من منطقة تحت القصف، كما ترصدها مراسلة DW من غزة.
“لا يوجد مأوى نلجأ إليه في هذه اللحظة” تقول منى صباح، واحدة من سكان قطاع غزة. منذ السبت الماضي، قضت الشابة البالغة من العمر 29 عاما، جلّ وقتها في قبو المركب السكني حيث تسكن، هي وزوجها وأطفالها وعدد من جيرانها.
“ليلة أمس لم يتوقف القصف، وكان شديدا للغاية في حي الرمال” تضيف سارة، قائلة: “سألنا أنفسنا، أي هدف سيقصف لاحقاً؟ وهل سننجو؟ وهل سنبقى على قيد الحياة حتى نرى فجر يوم جديد”؟
اندلعت أعمال العنف بين إسرائيل وحماس والجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى عدة مرات سابقا، ولكن هذه المرة كل شيء مختلف. في صباح يوم السبت، بدأت حركة حماس، التي تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظكة إرهابية، وتحكم قطاع غزة منذ سنة 2007، بإطلاق الصواريخ على البلدات والتجمعات الإسرائيلية. في اليوم نفسه، قام مئات من الفلسطينيين المسلحين باختراق السياج الحدودي شديد الحراسة واجتاحوا المجتمعات الإسرائيلية المجاورة لقطاع غزة المغلق بهدف القتل والاختطاف بشكل عشوائي.
ونتيجة لذلك، أعلنت الحكومة الإسرائيلية حالة الحرب. ومنذ ذلك الحين، تقصف إسرائيلالقطاع الساحلي المعزول. وفي الوقت نفسه، تتعرض البلدات والتجمعات الإسرائيلية للقصف الدائم بالصواريخ التي تطلقها الميليشيات الفلسطينية المسلحة في غزة.
يسكن في قطاع غزة، هذه المنطقة الصغيرة، حوالي 2.3 مليون نسمة. تحاصر إسرائيل القطاع، وساهمت مصر في ذلك بشكل جزئي، منذ 16 عاما، وتحديداً منذ عام 2007 الذي شهد استيلاء حركة حماس على السلطة. الحرب المتجددة تثير لدى الكثير من الناس في غزة أسوأ المخاوف.
“لا كهرباء.. قليل من الماء”
“إذا كان لديهم مشكل ما، فعليهم أن يحلوا ذلك مع حماس. حاليا هو يقصفوننا، ولا يقصفون حماس”، تقول صباح، وتضيف: “بكيت طوال الليل، جميعنا بكينا وصرخنا. ما يحدث لنا مجدداً أمر لا يصدق، نحن مدنيون ولم نقم بأيّ شيء. وأخيرا نريد أن ينتهي هذا، لا توجد لدينا كهرباء ولا انترنت. فقط القليل من الماء. ألا يكفي أننا نعيش تحت الحصار لـ15 أو 16 عاماً، فماذا سيحدث لاحقاً؟”
يستمر عداد القتلى في الجانب الفلسطيني في الارتفاع، وبلغ (إلى حد صباح اليوم 13 أكتوبر/تشرين الثاني 2023) أكثر من 1800 قتيل وأكثر من 6 آلاف و600 جريح بحسب وزارة الصحة التابعة لحماس في غزة، بينما وصل عدد القتلى في الجانب الإسرائيلي إلى 1300 فضلاً عن 3100 جريح، جلهم سقطوا في هجوم السبت، كما يوجد ما بين 100 إلى 150 رهينة لدى حماس، بينهم أطفال وكبار في السن ومواطنون أجانب.
“حصار كامل”
يوم الاثنين الماضي، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، “حصاراً كاملا” على غزة، أمر بقطع الكهرباء ومنع الطعام والوقود من دخول القطاع من إسرائيل، وهي حاجيات ضرورية غالبا ما كانت تدخل غزة عن طريق معبر كيرم شالوم الإسرائيلي، حيث تخضع جميع الواردات لفحص دقيق. حتى الماء، الذي تؤدي السلطة الفلسطينية فواتيره في إسرائيل ليصل إلى القطاع، تم التوقف عن تزويده.
حتى معبر رفح الذي يجمع قطاع غزة بمصر، أغلقته مصر بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة.
منظمات حقوق إنسان في إسرائيل، ومنها منظمة “غيشا”، التي تدافع عن حرية تنقل الفلسطينيين، انتقدت رد الفعل الذي اتخذته إسرائيل، واعتبرت الأمر عقابا جماعياً و”تجاهلاً تاماً لحقوق السكان المدنيين”.
يوم الأربعاء الماضي، توقفت محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة بعد نفاد الوقود لديها. رغم تعود السكان في غزة على انقطاعات متكررة في الطاقة، فهذا الانقطاع التام هذه المرة كان تأثيره كبيرا للغاية. “الكهرباء توقفت، ولا يوجد وقود لتشغيل المولدات”، يؤكد صحفي من غزة، يقوم بشحن هاتفه النقال بواسطة أداة صغيرة للطاقة الشمسية.
تحذيرات من وضع مأساوي
الجميع في القطاع يبحث عن مأوى آمن للاختباء من الغارات الإسرائيلية. الإحساس بالعزلة تفاقم ولم يعد للكثيرين سوى الهواتف النقالة للتواصل مع عائلاتهم وأصدقائهم. حتى المستشفيات وغيرها من البنى الصحية الهشة تأثرت بشدة وهي على حافة الانهيار الشامل، في وقت يستمر فيه عدد الضحايا في الارتفاع. ما دفع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى التحذير من أن المستشفيات “ستتحول إلى مشارح في ظل غياب الكهرباء”.
“لم يعد بإمكاني الاستمرار” يقول رائد العثامنة لـDW عبر الهاتف. لسنوات كثيرة عمل رائد سائقاً للصحفيين الأجانب في القطاع، وقد اضطر مؤخراً إلى الفرار من بيت حانون، وهي مدينة تقع شمال القطاع قرب الحدود مع إسرائيل.
حصل رائد مع عائلته على مأوى مؤقت في مخيم للاجئين في جباليا، يقع تحديدا في مدرسة تديرها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا). لم يتبق لرائد وعائلته سوى الملابس التي يرتدونها منذ يوم السبت الماضي. “لم نستحم منذ ذلك الحين، لا ننام. إنهم يقصفون الأهداف في كل مكان حولنا”.
كرائد العثامنة، هناك عدد لا يحصى من الفارين داخل قطاع غزة. لا يملكون الكثير من الخيارات، فالحدود مع مصر أو مع إسرائيل مغلقة، وليس هناك ملاجئ أو مخابئ بمعنى الكلمة.
أين المأوى الآمن؟
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوشا) اضطر أكثر من 340 ألف شخص للفرار من منازلهم منذ يوم السبت الماضي، خصوصاً أولئك الذين يعيشون في شمال وشرق قطاع غزة، وقرابة ثلثي هؤلاء الأشخاص لجؤوا إلى مدارس الأونروا، بينما يحاول آخرون البقاء مع أقاربهم في غرب القطاع، لكن هذه المنطقة بدورها تعرضت لعمليات قصف من القوات الجوية والبحرية الإسرائيلية.
الخوف والصدمة الناجمة عن الحروب السابقة متجذرة لدى كثير من الناس في غزة، يقول العثامنة، الذي فقد منزله لأول مرة في حرب غزة التي دارت عامي 2008 و2009، مشيراً إلى أن الأمر “كابوس متكرر باستمرار”.
يؤكد العثامنة: “نحن لا نشعر بالأمان حتى هنا (يقصد مدرسة الأونروا) ولا ندري ما الذي ينتظرنا”، مشيرا إلى أن الغارات الجوية الإسرائيلية الحالية أكثر كثافة وشدة ممّا عايشه سابقاً. ويظهر أن الخوف الذي يعبّر عنه العثامنة وآخرون مبرر، فالتصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أشار فيها إلى أن “حماس ارتكبت خطأ ذا أبعاد تاريخية”، وإن “ثمن “ذلك سيبقى في الذاكرة لعقود”.
وقد استدعى الجيش الإسرائيلي أكثر من 300 ألف جندي احتياطي استعداداً للمرحلة المقبلة من الصراع، وعلى الرغم من أن مسؤولي الجيش الإسرائيلي لم يعلنوا علناً عن توقيته، إلا أن الهجوم البري على غزة يبدو وشيكاً.
يشار إلى أن حركة حماس هي جماعة إسلاموية فلسطينية مسلحة تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
ميادين + وكالات + DW عربية