طرد فاغنر والسيطرة على النفط: عربون الثقة بين الدبيبة والغرب

العودة إلى الاقتتال في ليبيا سيناريو أكثر من متوقع ويتحدث البعض عن عملية خاطفة للناتو لطرد فاغنر ويرى هؤلاء أن الوقت مناسب في ظل انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا.

انتهت المدة المحددة للاتفاق السياسي الليبي في الثاني والعشرين من يونيو دون أن تتمكن المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز من إقناع الفرقاء الليبيين بقاعدة دستورية تجرى على أساسها الانتخابات وهو ما يضع البلد أمام تحديات أمنية من جديد.

العودة إلى الاقتتال في ليبيا سيناريو أكثر من متوقع والحرب هذه المرة إن قامت فستكون بين نفس اللاعبين تقريبا لكن مع تغير التحالفات. ويتوقع المحللون أن يقود تحالف من الميليشيات في المنطقة الغربية بقيادة اللواء أسامة الجويلي هجوما على طرابلس خلال الأيام القادمة لطرد حكومة عبدالحميد الدبيبة التي تصر على البقاء في السلطة وعدم تسليمها إلا لحكومة منتخبة.

سعى فتحي باشاغا لتحويل حكومته التي لم تحظ باعتراف دولي إلى حكومة أمر واقع. وفشل في دخول طرابلس وبدأ العمل من سرت بدعم من الجيش وقائده خليفة حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح، لكن ذلك لا يكفي بالتأكيد. تحولت نشاطاته إلى ما يشبه الحملة الانتخابية أكثر منها نشاطات حكومية وهذا أمر طبيعي طالما لا تملك الحكومة ميزانية.

باشاغا لا يدرك أن علاقاته الجيدة مع الولايات المتحدة والبريطانيين والأتراك أصبحت أمرا من الماضي

يتصرف باشاغا منذ ديسمبر كما لو أنه شخص آخر لم يتعامل من قبل مع الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا. وتبدو فكرة إقناع المجتمع الدولي بالاعتراف بحكومة تشكلت خارج اتفاق سياسي أمرا شبه مستحيل فما بالك لو كانت هذه الحكومة مشروعا روسيا – مصريا، من غير المستبعد أن تكون قد شاركت فيه فرنسا أيضا، التي تتضارب مصالحها مع مصالح دول غربية في ليبيا.

لا يدرك باشاغا أن علاقاته الجيدة مع الولايات المتحدة والبريطانيين والأتراك أصبحت أمرا من الماضي منذ أن اختار أن يكون حليفا لأطراف لا تثق بها تلك الدول، ومنذ أن قبل بوجود فاغنر في ليبيا. ما يثير الاستغراب حقا أن الرجل كان أكثر من استخدم فزاعة فاغنر لتغيير موقف الولايات المتحدة من حرب طرابلس، بالتالي من المفترض أن يكون على بينة من خطورة أن يزج برصيده السياسي في معركة كهذه ستكون خاسرة لا محالة.

التصريحات الأخيرة للرجل كانت تحديا وابتزازا واضحا للغرب: لن نعيد ضخ النفط قبل صرف ميزانية للحكومة.

استخدام ورقة النفط للضغط من أجل الاعتراف بحكومته لم يزد الأمر إلا تعقيدا. لم تفد الورقة حفتر عندما استخدمها مرارا فهل من الممكن أن تفيد هذه المرة؟ يبقى الأمر غير معروف. فربما يعتقد حفتر وعقيلة ومعهم باشاغا أن الضغط سيحقق هدفه هذه المرة في ظل أزمة الطاقة التي يعيشها العالم بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية.

لنفترض أن الولايات المتحدة وأوروبا خضعتا لتلك الضغوط وقبلتا بمطالب باشاغا وحلفائه الجدد، من سيضمن عدم تكرار الأمر مرة أخرى خاصة وأن مفاتيح الإنتاج والتصدير باتت بيد روسيا التي من مصلحتها بقاء أسعار النفط مرتفعة وفشل خصومها الأوروبيين في إيجاد بدائل لغازها.

لن يقبل الغرب باستمرار هذا الوضع وسيتحرك بطريقته لاستعادة السيطرة على قطاع النفط الذي خسره منذ أن سيطر عليه حفتر في 2016 عندما انتزع الحقول والموانئ النفطية من خصمه إبراهيم الجضران، وتعزّزت سيطرته بعد الاستيلاء على الحقول الرئيسية جنوب البلاد (فزان)، وهو ما يعني أن الأمور قد تنقلب في أيّ لحظة ويتحوّل مخطط الهجوم على العاصمة إلى خطة دفاع مستعجلة عن حقول النفط.

يتحدّث البعض عن عملية خاطفة للناتو خلال الفترة المقبلة لطرد فاغنر من ليبيا، مستندين في ذلك إلى تفريغ طائرات عسكرية أميركية وبريطانية لشحنات من الأسلحة في القاعدة العسكرية – مصراتة قبل نحو أسبوعين، كما يرى هؤلاء أن الوقت مناسب في ظل انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا.

يبدو واضحا أن الدبيبة قد وافق على المهمة وبدأ الترتيب للعملية العسكرية التي لا يستبعد أن يشارك فيها الطيران الأميركي بضربات جوية

وشارك الكثير من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي وصحافيون ليبيون ما مفاده أن الناتو يستعد لعملية كبرى لطرد فاغنر من ليبيا، لكن الأمر يظل مستبعدا طالما أن ثمة بديلا يمكن أن يقوم بالمهمة.

لن يجد الغرب أفضل من الدبيبة للقيام بهذه المهمة فالرجل في وضع لا يسمح له بالرفض حيث انتهت ولاية حكومته في ديسمبر الماضي، وانتهت مدة الاتفاق الذي جاء بالحكومة ولم يبق أيّ مبرر لبقائه في السلطة، بالتالي ستكون هذه فرصته للظفر بفرصة ثانية ولإثبات نفسه كحليف يستحق الثقة.

ويبدو واضحا أن الدبيبة قد وافق على المهمة وبدأ الترتيب للعملية العسكرية التي لا يستبعد أن يشارك فيها الطيران الأميركي بضربات جوية، حيث تتواتر الأنباء بشأن تحشيدات عسكرية غرب البلاد وخاصة في مصراتة مسقط رأس كل من الدبيبة وباشاغا.

ويحظى الدبيبة بشعبية كبيرة داخل مصراتة مقارنة بباشاغا الذي فقد رصيده الشعبي وباتت الأغلبية تنظر إليه “كخائن” للشهداء الذين سقطوا في معارك مع قوات موالية لحفتر في المنطقة الغربية.

وقاتلت مجموعات مسلحة من مصراتة تنظيم داعش بدعم الطيران الأميركي وتمكنت بعد أشهر من طرده من المدينة وهو السيناريو الذي سيتكرر في معركة إخراج فاغنر من البلاد والتي يبدو أنها قد بدأت بالفتاوى التحريضية للشيخ الصادق الغرياني.

التمديد التركي لوجود القوات في ليبيا مؤشر أوّلي على أن رجب طيب أردوغان بصدد الاختيار بين حليفين، باشاغا والدبيبة. ولعل هذا الاختيار سيكون لحظة انطلاق المواجهة.

منى المحروقي – صحافية تونسية

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

مظاهرات الجامعات الأميركية.. مراجعة وعِبَر

يتظاهر طلبة أميركا مطالبين بالحرية لفلسطين، ووقف ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية واستلاب للحقوق منذ 76 عامًا وتتوسع مظاهراتهم إلى أوروبا وغيرها، ولا تجد لها صدى في بلدان وجامعات المَوات العربي. فإلى أي مدى تفيد تلك المظاهرات في الزمان والمكان في نصرة فلسطين، وتغيير السياسات الإمبريالية الأميركية المنحازة للكيان الصهيوني انحيازًا تامًا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
28 + 18 =