مهسا اميني ..اسم سيدون في الاذهان على انها شهيدة الجمال التي تجرأت على حصر حجابها وكشف جزء من شعرها عن قصد او عن غير قصد لتجد نفسها في قبضة شرطة الاخلاق الحميدة في ايران بتهمة التبرج واثارة الفتنة الامر الذي يسمح باعتقالها و اخضاعها “لدورة تعليم و ارشاد ” تنتهي باعلان وفاتها فجأة و يتحول الامر الى جريمة موثقة تؤجج الغضب في الشارع الايراني وتنتشر صورها التي تصدرت بالامس مختلف المواقع والصحف في ايران و خارجها …
مهسا اميني اسم اخر ومأساة تضاف لعديد الضحايا ممن سبقنها الى الموت و التهمة جاهزة و هي التبرج والاعتداء على الاخلاق الحميدة وخرق قواعد اللباس التي تفترض وأن مجرد ظهور المرأة فتنة تستوجب وأدها ..لم تكن اميني الضحية الاولى في ايران و حتى في الكثير من الدول الاسلامية المحكومة بعقلية تسلطية متخلفة حيث لا ترقى الانثى الى الصنف الثاني او حتى الثالث للمواطن الذي يحق له ان يعيش وأن يحظى بالحماية التي يستحق في البلد الذي ينتهي له ..
اميني الفتاة التي استحقت لقب شهيدة الجمال ضحية جديدة لشرطة الاخلاق الحميدة أو ما يعرف يهيئة النهي عن المنكر و الامر بالمعروف التي تعتبر أنها وصية على حماية الاسلام و صورة الاسلام من اهواء المرأة و نزواتها و انها معنية بتطبيق وحماية الاخلاق في المجتمع منذ الثورة الايرانية قبل اكثر من اربعة عقود ..و كأن الله في حاجة لحماية من احد أو كأنه في سفور المرأة أو عدم التزامها بالحجاب ما يمكن ان أن يسيى الى االدين أويقلل من مكانة الاسلام او يحط من شأنه أو كأن بقاء الاسلام و وجوده مرتبط بهذا التفصيل الصغير الذي يعكس هشاشة و عجزا مريبا في التعاطي مع المرأة و هي الام و الاخت و البنت و الزوجة و الرفيقة ككائن بشري مكتمل العقل و له القدرة على التفكير و الاختيار ..
من ايران الى افغانستان وباكستان الى المنطقة العربية الموبوء بجهل و فساد العقلية الامنية الذكورية تتكرر الماسي رغم اختلاف الاسماء و المشاهد وتتشابه الاحداث ..فتاة في عقدها الثاني رأي الوصي على حماية الاخلاق أن شعرها المكشوف يحتمل الفتنة و قد وجب وأدها قبل أن تحدث ..
لكن وفاة الطالبة مهسا أميني ذات الاثنين و العشرين ربيعا لم تمر في صمت فقد أججت الغضب في الشارع الايراني و دفعت الايرانيات و معهن ايرانيون في الداخل والخارج للتظاهروالتنديد بالجريمة ضد القوانين الظالمة التي يتفنن في صياغتها اصحاب الفتاوى من اصحاب السلطة المتسترين بالدين و اصحاب العمائم ممن يعتقدون انه كلما كانت القوانين متصلبة و خانقة كلما امكن التحكم في المجتمع و قيادته كالقطيع الى حياة الزريبة المتعفنة و أنه كلما تم تشديد الخناق حول النساء كلما امكن منع امتداد عدوى التمرد على الاستبداد ورفض القيود المتسلطة …
وكما في كل المجتمعات المحكومة بأهواء رجال الدين المهوسين بخروج النساء عن التقاليد و الاعراف البائسة وعدت السلطات الايرانية بفتح تحقيق في الحادثة و كشف الحقيقة …طريقة مألوفة لطي الصفحة و تجنب مزيد الغضب الشعبي في ظل تواجد الرئيس الايراني في نيويورك لحضور الاشغال السنوية للجمعية العامة للامم المتحدة …
قد تبدو حكاية مهسا اميني التي جاءت من اقليم كردستان الايراني في رحلة الى طهران مع عائلتها قبل ان تتعرض للاعتقال من طرف شرطة الاخلاق الحميدة مجرد حدث غابر في غمرة الاحداث و الجرائم اليومية و لكنها في الحقيقة تفتح الابصار عما يمكن ان يحدث عندما يتحول الدين الى تجارة مفضوحة و تنفرد السلطة الدينية بتفسير ما يلائم اهدافها و يتناسب مع توجهاتها و خياراتها فتحرم ما تشاء و تحلل ما تشاء و تجد المبررات لكل ما يمكن ان يعزز سلطاتها حتى تندفع ال الاقتناع بانها خليفة الله على الارض و انها وصية على تنفيذ و حماية الشريعة لا وفقا للاجتهاد و اعمال الفكر و طرح التساؤلات الجديرة بالطرح لفهم احتياجات المجتمعات في القرن الواحد و العشرين و لكن بما يجعلها تنفرد بقراءة و تفسير احكام الاسلام برؤية أكثر رجعية مما ساد قبل اربعة عشرة قرن ..
مئات الايرانيات خلعن الحجاب بعد حادثة اميني و بعضهم حلقن رؤوسهن احتجاجا على ما حدث … الاكيد ان نهاية اميني ستغير طريقة الكثير من الايرانيات في التفكير مع الاحداث مهما اشتدت قبضة الاوصياء على الدين …و في الوقت الذي يتنافس فيه العالم على اكتساح الفضاء و كسب رهان التقدم و التطور و ضمان رقي المجتمعات و تحقيق المساواة داخل المجتمعات تبقى قضية شريحة لا يستهان بها من المسلمين غارقة للبحث في عدد خصلات شعر المرأة التي يجب ان تظهر أو لا تظهر قبل تطبيق العقاب عليها …
اسيا العتروس – كاتبة تونسية