لم يعد من السهل الحصول على رغيف الخبز في العاصمة السورية دمشق، في ظل أزمة تتفاقم كغيرها من الأزمات التي تثقل كاهل الدمشقيين جراء العجز عن تأمين أبسط متطلبات الحياة اليومية.
كان الوقت تجاوز منتصف الليل ولحسن الحظ كان التيار الكهربائي موصولاً لساعة ونصف في هذا الوقت، في حين تتأكد أم عدي الحموي (56 عاما)، سيدة منزل، من وجود “البطاقة الذكية” في محفظتها، وتوجهت مسرعة إلى الفرن، وهي ترجو الله أن تجده يعمل، وألا يكون مزدحما كعادته، لكن عندما وصلت كانت لا تزال أبوابه مغلقة، وعشرات الأشخاص من أطفال ونساء ورجال يفترشون الرصيف أمامه عله يفتح ويؤمنون دورا قريباً.
وقالت الحموي التي تعيش اليوم وحيدة مع زوجها بعدما فرقت الحرب شمل عائلتها، بعدما سافر أبناؤها، ولا تزال مقيمة في أحد أحياء جنوب دمشق، في حديث مع “العربي الجديد”: “هذه المحاولة السادسة خلال يومين، في الحصول على ربطة خبز، لكني فشلت، ففي الأمس أكلنا بعض الفتات الذي كان متبقياً لدينا، واليوم طبخت القليل من البرغل وتناولناه دون خبز، فنحن ليس بمقدورنا شراء ربطة الخبز بألف أو ألف وخمسمائة ليرة سورية، في حين ثمنها الرسمي 200 ليرة (الدولار = نحو 3200 ليرة)”.
وفي الجهة المقابلة من دمشق، وفي حي ركن الدين على سفح جبل قاسيون المطل على العاصمة، وصل أبو طارق محي الدين (45 عاما)، وهو موظف في دمشق، إلى الفرن الساعة 3 صباحا وكله أمل في أن يحصل على ربطة الخبز المخصصة له قبل أن يحين موعد عمله، قائلا في حديث مع “العربي الجديد”: “أصبح الوقوف أمام الفرن مهمة يومية لي، حيث يجب أن أقضي ما بين 3-4 ساعات في الطابور حتى أحصل على ربطة خبز، وكم كنت أتمنى لو كانت لدي الإمكانات لشراء ربطة الخبز من السوق السوداء بـ1500 ليرة، أو ربطة خبز سياحي بـ1250 ليرة أو حتى السمون بـ2200 ليرة”.
وأضاف أن “الوقوف على الأفران من أبشع المواقف التي أعيشها يوميا، حيث الازدحام الشديد، دون أي اعتبار لانتشار فيروس كورونا، ويترافق ذلك مع المشادات الكلامية والتي تتحول في بعض الأحيان إلى اشتباكات بالأيدي، والمضايقات وغيرها من المواقف المستفزة، ولكن ليس أمامنا أي خيار آخر”، مبينا أن “الأزمة الأخرى أننا نسرق علناً؛ حيث إن وزن ربطة الخبز أقل من الوزن النظامي، فأكثر من مرة وجدت أن وزن الربطة هو نحو 800 غرام بدلا من أن يكون 1100 غرام”.
النظام يعاني من نقص مادة القمح حيث يقوم باستيراد القمح من روسيا، في حين يتحدث عن وجود هدر كبير في مادة الخبز
من جهته، قال أبو محمد الدادا (39 عاما)، سائق سيارة أجرة في دمشق: “اليوم أحد الهموم اليومية هو تأمين ربطة الخبز اليومية، وخاصة أن الأفران تبيع الخبز عبر البطاقة الذكية، التي أصبحت وسيلة توزيع المحروقات والمواد التموينية وأخيرا الخبز”.
وكشف أنه “في دمشق، لم تحدد بعد مخصصات الخبز للفرد، لكنّ هناك تعميما يحدد عدد الربطات بحسب عدد أفراد العائلة، ولكن بشكل غير كافٍ”. ولفت إلى أن “الاتجار بالخبز من الأعمال الرائجة اليوم، وخاصة أن شبكات الفساد والتهريب متواجدة في كل القطاعات، فجزء من الخبز يباع في السوق السوداء بأضعاف سعره الرسمي”.
يشار إلى أن نظام الأسد يعاني من نقص مادة القمح حيث يقوم باستيراد القمح من روسيا، في حين يتحدث عن وجود هدر كبير في مادة الخبز، حيث إن هناك جهات تقوم بتجفيف الخبز وتحويله علفاً للحيوان.
مصطفى قماس – العربي الجديد