قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إنّ السلطات السورية لا تحمي عمّال القطاع الصحي في الصفوف الأمامية بوجه فيروس “كورونا” في المناطق تحت سيطرة الحكومة.
قال أطبّاء، وعمّال إغاثة، ومدنيون، بمن فيهم أولئك في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الحكومة، لـ هيومن رايتس ووتش إنّ البلاد مُنهَكة، والمستشفيات تجاوزت قدرتها الاستيعابية، بينما يواجه عمّال القطاع الصحي نقصا خطيرا في المعدّات الشخصية الوقائية، وأضافوا أنّ عددا كبيرا من زملائهم وأقاربهم يموتون بعد أن تظهر عليهم أعراض مرض “كوفيد-19” الناتج عن الفيروس. أُبلِغ عن 2,765 حالة مثبتة و112 وفاة مرتبطة بها حتى 31 أغسطس/آب 2020. لكنّ الأدلّة تشير إلى أنّ الأعداد في مختلف أنحاء البلاد قد تكون أعلى بكثير. قالت سارة الكيالي، باحثة سوريا في هيومن رايتس ووتش: “من المذهل أنّه بينما تتراكم نعوات الأطبّاء وأعضاء الطاقم التمريضي المتصدّين لفيروس كورونا، تتناقض الأرقام الرسمية مع الواقع على الأرض. سبق أن ارتكبت الحكومة السورية جرائم ضدّ البشرية في حقّ شعبها، وللأسف، عدم اكتراثها لصحة عمّال القطاع الصحي في الخط الأمامي في ظلّ وباء عالمي ليس مفاجئا”. أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع ثلاثة أطبّاء، وممرّضة، وموظفَيْ إغاثة، وخبيرَيْن، وراجعت منشورات الناس على وسائل التواصل الاجتماعي أو صفحات تُعتبر مصادر موثوقة، وجمعت تقارير جهات ثالثة موثوقة لتقييم التباينات في تقارير الحكومة السورية عن استجابتها للوباء. قال الذين تمّت مقابلتهم إنّ النقص في المعدّات الوقائية المناسبة والإمكانية المحدودة لاستخدام أسطوانات الأوكسيجين يساهمان على الأرجح في وفاة عمّال القطاع الصحي والسكّان بشكل عام في سوريا. قال عمّال القطاع الصحي إنّ الفحوصات، والأوكسيجن، والرعاية الطبية الأساسية متوفرة فقط للقادرين على تحمّل كلفتها، ما ينتهك الحقّ الأساسي في وصول متساوٍ ومعقول التكلفة إلى الرعاية الصحية. قالت هيومن رايتس ووتش إنّه ينبغي لـ “منظمة الصحة العالمية” وغيرها من المنظمات المكلفة بالعمل على الصحة أن تصر علنا على توسيع قدرات الفحص، والإبلاغ الشفاف والدقيق عن أعداد الإصابات بفيروس كورونا، والتوزيع المنصف للمعدات الشخصية الوقائية الكافية على عمّال القطاع الصحي في البلاد، بما فيها المناطق الريفية. قدّر مصدر مستقلّ، وهو موقع Syria-in-Context، وجود 85 ألف حالة إصابة بفيروس كورونا على الأقلّ في دمشق فقط، وارتكز الموقع في استنتاجاته على صفحات الوفيات المنشورة على الإنترنت من 29 يوليو/تموز حتى 1 أغسطس/آب، وصور الأقمار الصناعية للمقابر، ومقابلات مع أطبّاء، واستكمال البيانات بالاستقراء بناء على نموذج أنشأته جامعة “إمبريال كولاج لندن” حول انتقال فيروس كورونا. أشارت “الأمم المتحدة” إلى أنّها غير قادرة على تأكيد تقارير الأعداد الإضافية للحالات أو التحقّق منها.
قال سكّان إنّ جيرانهم وأقاربهم كانوا يمرضون أو يموتون بعد أن تظهر عليهم أعراض متطابقة كوفيد-19، منها حرارة مرتفعة، وضيق تنفّسي حادّ. أضافوا أنّ أقاربهم الذين حاولوا الدخول إلى مستشفى أو عيادة رُفضوا بسبب عدم القدرة على استيعابهم.
قال ممرضون، وأطبّاء، وعمّال إغاثة يعملون في مستشفيات أو يدعمون عملها من خارج سوريا إنّ أبرز المستشفيات الجاهزة للتعامل مع حالات كوفيد-19، مثل “مستشفى الأسد الجامعي”، تخطّت قدرتها الاستيعابية، في حين لا تملك غيرها من المستشفيات البنية التحتية اللازمة، وعزوا ذلك إلى عدم توفّر قوارير الأكسيجين، وأجهزة التنفس الاصطناعي، والأسرّة. قال العاملون على الخطوط الأمامية إنّهم لا يملكون المعدّات الوقائية اللازمة، أو التدريب، أو البروتوكولات لمعالجة مضاعفات كوفيد-19. في 16 أغسطس/آب، نُشرت لائحة على وسائل التواصل الاجتماعي تضمّ 61 عاملا في المجال الصحي توفّوا منذ ظهور فيروس كورونا في سوريا للمرّة الأولى. تمكّنت هيومن رايتس ووتش من التحقّق من وفاة 33 طبيبا وردت أسماؤهم على اللوائح عبر جمع صفحات الوفيات التي نشرتها “نقابة أطباء دمشق”، والتي أشارت جميعها إلى أنّهم ماتوا خلال استجابتهم لفيروس كورونا. قال طبيبان سوريان إنّهما كانوا على معرفة شخصية على الأقلّ ببعض الأطبّاء على اللائحة. كان قد بلغ العدد الإجمالي الرسمي للوفيات جراء فيروس كورونا حينها 64 وفاة. يلقي عدد الوفيات في صفوف عمّال الرعاية الصحية شكوكا بشأن كون تقارير الحكومة السورية دقيقة أو تمثيلية. قال أطبّاء إنّ الوفيات التي تُنعى على صفحات الوفيات الرسمية للحكومة تنتمي بشكل أساسي إلى النخبة، مثل مديري المستشفيات، أو أساتذة طب سابقين. قدّر الأطبّاء الذين تمّت مقابلتهم أنّ عدد الوفيات بين الأطبّاء والممرضين في الصفوف الأمامية أعلى بكثير على الأرجح بسبب عدم القدرة على إحصاء موظفي الصحة في الأرياف، وبناء على معرفتهم الخاصّة بالأطبّاء والممرضين الذين ماتوا. في حين يصعب تقدير الأسباب المحدّدة لقلّة الإبلاغ، تلعب عوامل عديدة دورا في ذلك، منها قيود الحكومة على إطلاع عمّال الإغاثة على نتائج الفحوصات في مرحلة مبكرة، وغياب الفحوصات على نطاق واسع على الرغم من ضغط منظمات الرعاية الصحية لتوسيع قدرات الفحص. سبق أن وثّقت هيومن رايتس ووتش رفض السلطات لجمع عيّنات فيروس كورونا وفحصها في شمال شرق سوريا. كونها وكالة تابعة للأمم المتحدة، يمكن لمنظمة الصحة العالمية أن تعمل فقط بموافقة الحكومة، والأخيرة تتحكّم بالإبلاغ، بحسب مصدر مطّلع. قالت هيومن رايتس ووتش إنّ البيانات الموثوقة حول عدد الإصابات بفيروس كورونا ضرورية لتأمين استجابة أمتن. يبدو أيضا أنّ التمييز بحسب المكانة والقدرات المادية يؤثر على الحصول على المعدّات الشخصية الوقائية والرعاية الطبية الأساسية. حتى 21 أغسطس/آب، كانت منظمة الصحة العالمية قد أمّنت للحكومة السورية 4.4 مليون عنصرا من المعدّات الشخصية الوقائية، بما فيها كمامات طبية وتنفسية، وقفازات، وألبسة واقية، وأغطية للأحذية، ومعقّمات لليدين. لكنّ الأطبّاء وأعضاء الطاقم التمريضي العاملين في المناطق تحت سيطرة الحكومة قالوا إنّ هناك نقصا حادّا في الإمدادات، لا سيما في الأرياف. قالت ممرضة في منطقة ريفية: “كلّ خميس، تسلّم السلطات 50 كمامة طبية للاستعمال مرة واحدة، ومن المفترض أن تكفينا لأسبوع. أوزّعها إلى حصص كي أستعمل كمامة واحدة خلال المناوبة، بينما ينبغي أن أبدّل الكمامة مع كلّ مريض”. قالت وطبيبان آخران إنّ الأقارب يشترون لهم معدّات شخصية وقائية، بالإضافة إلى أدوية موثوقة لمعالجة أعراض كوفيد-19. أكّد طبيب يترأس برنامجا لاستيراد معدّات وقائية وأسطوانات أوكسيجين أنّ البرنامج يجمع الأموال ويرسل قوارير الأوكسيجين، لكن ليس عبر الحكومة السورية، “لأنّه لا يمكن الوثوق بها”. سبق أن وثّقت هيومن رايتس ووتش عرقلة السلطات للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك من خلال تقييد الوصول إليها، والتوزيع التمييزي، والإصرار على شراكات إشكالية. قال عاملان إغاثيان إنّه، في بعض الحالات، شُحنت الإمدادات إلى مناطق خاضعة للحكومة السورية، لكنّ هذه الإمدادات لم تخرج من مستودعات وزارة الصحة. في 8 مايو/أيار، قال عضو في “جمعية الصداقة الفنلندية-السورية” إنّ شحنة من الإمدادات الطبية إلى محافظة السويداء في جنوب غرب سوريا الخاضعة لسيطرة الحكومة عالقة منذ 14 شهرا وما تزال في مستودعات الوزارة. قال طبيبٌ إنّ الفحوصات، والمعدات الوقائية، وأقنعة الأوكسيجين متوفرة لكنّ “كم تملك من المال يحدّد ما إذا كنت ستخضع للفحص وستحصل على الأدوية التي تحتاج إليها”. قال طبيب وممرّضة إنّ أسطوانة الأوكسيجين تكلّف 700 ألف ليرة سورية على الأقلّ (سعر الصرف الرسمي: 557 دولار أمريكي/السوق السوداء: 321 دولار)، بينما تبلغ كلفة أجهزة التنفس الاصطناعي 12 ألف دولار تقريبا. هذه التكاليف خارج المتناول في بلد يعيش فيه 83% من السكّان تحت خطّ الفقر ويواجهون أزمة اقتصادية متفاقمة. الحكومة السورية ملزمة بحماية عمّال القطاع الصحي والمرضى في المنشآت الصحية من الإصابة، وينبغي أن تؤمّن المعلومات الصحية، والملابس والمعدات الوقائية الملائمة للحدّ من خطر الإصابة. عليها أن تزوّد عمّال القطاع الصحي وغيرهم من المستجيبين للوباء بتدريب مناسب في تقليل خطر الإصابة. يعني ذلك أن تمدّهم بمعدّات وقائية ملائمة في مناطق سيطرتها أو حيث تتحكّم بإمكانية الوصول إلى هذه المعدّات. في 27 أغسطس/آب وجهت هيومن رايتس ووتش رسالة إلى منظمة الصحة العالمية تتضمن النتائج التي توصلت إليها وتوصياتها. في 1 سبتمبر/أيلول، ردت منظمة الصحة العالمية، مشيرة إلى أنها “توفر مجموعات اختبار ومعدات واقية وإمدادات ضرورية لعلاج مرضى كوفيد-19″، وأنه في يوليو/تموز 2020، أوصت المنظمة الحكومة السورية بزيادة الفحوصات وتوسيع شبكات المختبرات؛ وتعزيز الوقاية من العدوى، بما في ذلك زيادة توافر معدات الوقاية الشخصية للعاملين الصحيين؛ وتعزيز قدرة المستشفيات والوعي المجتمعي. ما يزال من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة قد اعتمدت التوصيات التي قدمتها منظمة الصحة العالمية، وما إذا كانت المنظمة قد تطرقت إلى التباين المحتمل في توفير الرعاية الصحية في المدن والأرياف، فضلا عن نقص التدريب والدعم الذي أبلغ عنه عمال الرعاية الصحية. على الحكومة أن تصرّح علنا بالتزامها بزيادة قدرات إجراء الفحوصات في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق خارج سيطرتها وفي الأرياف، وأن تتخّذ خطوات ملموسة لتسهيل تطوير مراكز إجراء الفحوصات تكون متاحة للاستخدام بشكل متساوٍ. إذا لم تتصرف الحكومة السورية بحزم، ينبغي أن تعلن منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات ذات التفويض الطبي عن إصرارهم على توسيع قدرات الاختبار والإبلاغ الشفاف والدقيق عن الإصابة بفيروس كورونا والوفيات ذات الصلة، وتوضيح الأسباب المحددة لعدم الإبلاغ عن الأرقام بدقة، فضلا عن التحديات التي تواجه توزيع كميات كافية من معدات الحماية الشخصية على العاملين الصحيين بطريقة غير تمييزية، بما فيها القيود الحكومية أو رفض الحكومة اعتماد توصيات منظمة الصحة العالمية. في ضوء التاريخ الطويل للحكومة في تغيير وجهة المساعدات، بما فيها الإمدادات الطبية، ينبغي أن تصرّ منظمة الصحة العالمية على تسليم المساعدات من خلال منظمات مستقلّة. على الجهات المانحة أن تضغط على الأمم المتحدة والمجموعات الدولية العاملة في دمشق بشكل فاعل للتفاوض جماعيا مع الحكومة السورية على السماح بإجراءات غير مركزية للفحوصات وتوزيع منصف لمعدّات الوقاية. قالت الكيالي: “في الواقع، تركت الحكومة السورية عمّال القطاع الصحي يحاربون الوباء الناتج عن كورونا وحدهم، وتخلّت عن مسؤوليتها في اتخاذ الخطوات الضرورية لإنقاذ الأرواح. ولو لمرّة، فلتعطي الحكومة الأولوية للشعب السوري وتؤمّن لجميع عمّال القطاع الصحي الموارد ومعدّات الوقاية الملائمة، وتنشر معلومات دقيقة وشفّافة”.
جاء في التقرير: "يعتقد ما يقرب من 40 في المئة من الطلاب في جامعات مجموعة راسل (مجموعة من 24 جامعة ينظر إليها على أنها أفضل الجامعات البريطانية) أن "الهجمات الإرهابية التي وقعت في السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي، على إسرائيل كانت عملاً مُتَفهماً من أعمال المقاومة".