يعيش الملايين من الشبان حول العالم على أمل أن يصبحوا لاعبي كرة قدم عالميين. حقيقة يستغلها العديد من تجار البشر، مظهرين وجهاً قبيحاً لهذه الرياضة التي تدر المليارات حول العالم. في البرتغال، استغلت أكاديمية “بي سبورتس” لكرة القدم، نحو 40 شاباً من أفريقيا وأمريكا الجنوبية، واحتجزتهم وصادرت جوازات سفرهم حتى أطلقت الشرطة سراحهم.
بعد أشهر طويلة من التحقيق، أنقذت الشرطة الوطنية ودائرة الأجانب والحدود البرتغالية، حوالي 40 شابا، من بينهم 36 قاصرا، حيث كانوا محتجزين قسرا في أكاديمية كرة قدم، في “Riba d’Ave” بالقرب من “Vila Nova de Famalicao”.
هزت هذه الواقعة الوسط الرياضي في البرتغال، خاصة بعد تحديد خمسة متهمين حتى اللحظة، من بينهم أحد الشخصيات البارزة في كرة القدم البرتغالية، ماريو كوستا، رئيس الجمعية العامة للدوري. وجلب تجار البشر عشرات الأشخاص الموهوبين، ووعدوهم “بمستقبل مشرق” وحياة مهنية، لكن سرعان ما تحول الحلم إلى كابوس للشبان المحتجزين الذين تعرضوا للاستغلال بسبب عشقهم لكرة القدم.
وقال بيدرو سانتوس، العامل في اتحاد “إسبيرانكا” الذي يعمل مع المهاجرين القصر، ومنهم من كانوا في أكاديمية “بي سبورتس”، إن “هذا النوع من الممارسات شائع جدا في عالم كرة القدم”. وأضاف “تعمل شبكات كبيرة من مهربي البشر، غالبا ما تكون قريبة من المسؤولين عن الأندية أو الاتحادات أو الوكلاء، بطريقة منظمة لتجنيد آلاف الشباب، ثم جلبهم إلى أوروبا، معظمهم من أفريقيا ومن أمريكا الجنوبية، مما يمنحهم الوهم بأن يصبحوا لاعبي كرة قدم محترفين”.
وأضاف “الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن عدد هذه الحالات في ازدياد مستمر، وأن المهربين والمتجرين ليس لديهم حدود، وسيحاولون تجنيد الشباب ومصادرة وثائق هؤلاء القصر وجوازات السفر وأوراق الهوية، من أجل الاحتفاظ بهم بأي ثمن”. وبهذا، يصبح هؤلاء الشبان معزولين وتحت رحمة المتجرين بهم.
“عدد الشكاوى في ازدياد، حوالي 500 منذ بداية 2023”
وفي اتصال مع مهاجرنيوز، قال المفتش باولو ب.، من الشرطة القضائية في بورتو، والذي كان يعمل على القضية منذ عدة أشهر، “إن هذه الممارسات باتت متكررة أكثر فأكثر. يتجلى ذلك في تزايد عدد الشكاوى الواردة بشأن قضايا القصر المحتجزين ضد إرادتهم في هياكل تدريب كرة القدم. السلطات قلقة وتحاول مكافحة هذه الظاهرة على الرغم من محدودية الإمكانيات”.
وشرح “منذ عام 2010، تلقينا أقل من 50 شكوى كل عام من شباب يشكون من وضعهم في مراكز تدريب أكاديمية كرة القدم الخاصة، وحاولنا التحقيق في الأمر مباشرة، حتى لو تراجع بعض الشباب عندما أردنا استجوابهم”.
واستدرك المفتش “ولكن منذ حوالي عامين، تضخّم عدد الشكاوى، تلقينا بالفعل حوالي 400 إلى 500 شكوى منذ بداية عام 2023. وقادنا بعضها إلى أكاديمية بي سبورت، لكنني أعتقد أن هذا هو الجزء المرئي فقط مما يحدث، ظاهرة الاتجار بالبشر في كرة القدم تأخذ نطاقا مجنونا، ويجب علينا حماية شبابنا الضعفاء والذين يتلاعب بهم المجرمون”.
عبده، من حلم كرة القدم إلى المعاناة في أكاديمية “بي سبورت”
تحت رعاية الخدمات الاجتماعية البرتغالية، يحاول لاعبو كرة القدم الشباب ممن كانوا في أكاديمية “بي سبورت” إعادة بناء أنفسهم، والعثور على حياة طبيعية بعد المحنة التي مروا بها في الهيكل الرياضي الخاص.
عبده*، يبلغ 17 عاما يتحدر من غينيا بيساو، تم جلبه من قبل وسيط جاء لاصطحابه إلى البرتغال في صيف عام 2021. انطلاقاً من إيمانه بحلمه بأن يصبح يوما ما نجما في ناديه المفضل، برشلونة، انضم في سن الـ14 إلى أكاديمية محلية في بلاده يقودها مدرب برتغالي.
يتذكر قائلاً “بعد بضعة أشهر، أخبرني أنه ليس لدي ما أفعله هنا، وأنه يتعين علي الذهاب إلى أوروبا للتقدم وأن لدي موهبة هائلة”. ويضيف “أخبرني بعد ذلك عن أكاديمية في البرتغال، تربطه بإدارتها علاقات جيدة للغاية، كما أنه التقى بوالدي حتى أتمكن من السفر وبالتالي محاولة تحقيق حلمي”.
اقتنع عبده ووالداه بخطاب المدرب الأوروبي، الذي تمكن من الحصول على تأشيرة لبضعة أشهر للطفل في حينه. وبدأ عبده في رؤية مستقبل أفضل له ولأسرته. يقول “كنت متحمسا للغاية، ومستعدا لبذل كل شيء للعمل الجاد ولجعل عائلتي فخورة. لقد ساهم الجميع في دفع ثمن تذكرة الطائرة، بالإضافة إلى المبلغ الذي طلبه منا المدرب لتغطية التكاليف الإدارية للتأشيرة. والديّ أخذا قرضا من المصرف، ووجدت نفسي في شمال البرتغال في تموز/يوليو 2021، عندما كان عمري 15 عاما”.
“تكاليف إضافية”
في “أكاديمية بي سبورت”، التقى عبده بحوالي 50 شابا من السنغال وغينيا وأنغولا وبوركينا فاسو، وكذلك كولومبيا والبرازيل. مضت الأسابيع الأولى بشكل جيد، ولكن بدءا من شهر أيلول/سبتمبر، ظهرت أولى العلامات المقلقة.
وقال “ذات يوم، جاء أحد المسؤولين لرؤيتي وليخبرني أنه يتعين علي دفع مبلغ إضافي للبقاء، على الرغم من أنه لم يتم إخباري بذلك قبل مجيئي إلى هنا. اعتقدت أنه كان هناك خطأ، لكن طلب مني الاتصال بأسرتي لدفع حوالي 1000 يورو كتكاليف إضافية، كنت قلقا للغاية لأنه مبلغ كبير، وأعلم أن والديّ غارقان في الديون”.
دفع والدا عبده المبلغ، واستمر الشاب في التدريب الجاد، على الرغم من نقص الطعام في بعض الأيام. وتعرض الشبان لضغوط من بعض المدربين، بالإضافة إلى الإهانات والانتقادات. والأسوأ من ذلك، صادرت إدارة الأكاديمية جوازات السفر وغيرها من وثائق الهوية الخاصة بهم، مما منعهم من التنقل أو رؤية عائلاتهم إذا سنحت لهم الفرصة.
“الأكاديمية بدت وكأنها سجن”
يتابع عبده “لعدة أشهر، منعوني من التحدث إلى عائلتي. أراد ابن عمي شراء تذكرة لي للعودة إلى بيساو لبضعة أسابيع لرؤية عائلتي، لكن الإدارة لم تسمح لي بالحصول على جواز سفري. لقد استسلمت لفكرة أنني كنت محاصرا، وأن علي مغادرة هذه الأكاديمية التي بدت وكأنها سجن أكثر من أي شيء آخر”.
فقد عبده وزنه، وبدأ يعاني من الاكتئاب، بالتوازي مع محاولاته لإيجاد مخرج للهروب مع بعض رفاقه. استمر الشبان على هذا الحال، حتى منتصف حزيران/يونيو 2023، عندما تمكنت الشرطة البرتغالية أخيرا من إطلاق سراح 47 شابا كانوا تحت وطأة المتجرين بالبشر.
يصف عبده شعوره قائلا “كان ذلك بمثابة الضوء في نهاية النفق. قضيت ما يقرب من عامين في هذه الفوضى، ولم أستطع رؤية نهاية معاناتي. الآن، يجب أن أعيد بناء نفسي وأجد الأمل من أجل محاولة عيش حياة طبيعية، وربما أصبح لاعب كرة قدم إذا أتيحت لي الفرصة “. ويكمل مبتسماً “لكنني أريد أيضا أن تكون شهادتي هذه مفيدة، وأن يتم نشر كلماتي حتى يتم فضح هذا النوع من القصص من أجل مكافحة هذه الممارسات الإجرامية. الأرواح والأحلام تحطمت، والشباب وأسرهم يتعرضون للاستغلال. هذا غير إنساني، ويجب عمل كل شيء لمنع ذلك”.
ميادين – مهاجر نيوز