ما إن تدق الساعة السابعة مساء بتوقيت العاصمة الأردنية وتغرب شمس نهار يوم رمضاني جديد وتبدأ سماعات المساجد بتلاوة آيات من القران الكريم وابتهالات روحانية حتى يتهيأ العسكري الأردني إسلام المومني لإطلاق مدفع رمضان إيذانا بإفطار الصائمين.
يملأ المومني المدفع بالبارود والمواد المتفجرة، ومع أول تكبيرة من أذان المغرب يدوي صوت المدفع الرمضاني، تختلط معه أصوات التصفير والتصفيق من المشاهدين للمدفع الموجودين حوله والمتابعين من على شرفات المنازل والجبال القريبة المحيطة به.
وفي ساحة أمانة عمّان بمنطقة رأس العين يلتف أطفال وكبار وعائلات أردنية حول مدفع رمضان الذي خصصته القوات المسلحة لهذه المهمة، يلتقطون الصور التذكارية مع المدفع، ويصافحون العسكريين الموجودين في المكان.
تقليد رمضاني
مدفع رمضان -الذي طالما انتظرت الأجيال السابقة سماع دويه إيذانا بالإفطار بعد صيام يوم رمضاني- بات اليوم يمثل تقليدا رمضانيا وعادة توارثتها الأجيال الأردنية وتحافظ عليها منذ تأسيس المملكة قبل 100 عام، بعدما ورثته من التقاليد والعادات العثمانية القديمة إبان الحكم العثماني للأردن وبلاد الشام.
توفر وسائل تكنولوجية حديثة من منبهات وأجهزة خلوية تغني الأجيال عن انتظار سماع مدفع رمضان دفع السلطات الأردنية لوقف إطلاق المدفع لسنوات، حتى أعادت وزارة السياحة وأمانة عمّان والقوات المسلحة إحياء تلك العادة العثمانية عام 2019.
تغيرت العادات
اصطحب الأربعيني يوسف السبتي زوجته وطفليه لمشاهدة إطلاق مدفع رمضان، ويقول للجزيرة نت “المدفع الرمضاني يشعرنا بالأجواء الرمضانية التي نفتقدها بسبب الإغلاقات وحظر التجول الليلي”.
ويضيف أن “هناك الكثير من العادات والتقاليد الرمضانية نفتقدها نتيجة التغيرات التكنولوجية التي طرأت على مدى الأعوام الماضية، فلم نعد نلتم كعائلة ممتدة نحضر مسلسلا أردنيا نتيجة توفر الأجهزة الخلوية التي تمنح الشخص حرية ما يريد مشاهدته، وبتنا نفتقد الأجواء الروحانية في صلاة التراويح بسبب حظر التجول الليلي”.
وفرضت السلطات الأردنية حظرا للتجول خلال شهري رمضان الماضي والحالي يمتد من قبيل أذان المغرب الساعة السابعة مساء وحتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي، وتم منع أداء صلاتي العشاء والتراويح في المساجد، وذلك لتجنب المزيد من الاختلاط بين الأردنيين لمواجهة تفشي فيروس كورونا.
رمضان زمان
وتتوافق زوجة السبتي منال العرجا مع زوجها بأن “رمضان قديما كان أجمل، فقد كان أكثر ألفة ومحبة وتقاربا بين الأرحام والجيران والأقارب، كنا نتبادل أطباق الطعام والسلطات والحلوى قبل أذان المغرب، حتى تمتلئ المائدة بأصناف الطعام، وبعد الإفطار تتوجه العائلة للمسجد لصلاة التراويح، نقوم بعدها بزيارة الأرحام أو الاجتماع في الحدائق العامة، وشراء حاجيات السحور”.
ودأب الجيران في المناطق القروية والأحياء الشعبية على تبادل أطباق الطعام قبل أذان المغرب في رمضان في عادة اجتماعية تسمى “المساكبة” وفق من عايشوها، حتى تغدو سفرة الإفطار “بوفيها مفتوحا” لتنوع الأطباق القادمة من الخارج، وشكلت هذه العادة الرمضانية حالة من الألفة والمحبة والتماسك بين أبناء الحي والمنطقة على اختلاف منابتهم.
لكن تلك العادة الحميدة غابت بين الأجيال الجديدة بحسب مختصين، حتى أن البعض بات يعتبرها نوعا من الإساءة الشخصية، وزاد من ذلك حالة الغربة بين سكان العمارة الواحدة والشقق المتجاورة في المبنى الواحد.
التكنولوجيا والعادات
ويتحسر الستيني أبو مصطفى الديسي على أجواء رمضان القديمة، ويقول للجزيرة نت “كلما تقدمت التكنولوجيا وتطورت تغيرت عادات الناس وتقاليدهم تبعا لذلك، فالاجتماع قديما حول جهاز تلفزيون وحيد في مقهى القرية أو الحي بات يقابله جهاز خلوي يمكنك من مشاهدة ما تريد وترغب من المسلسلات والأفلام”.
ويتابع “كنا نجلس في مقاهي وسط البلد قديما نستمع لقصص الحكواتي، أما الآن فالحكواتي وقصصه الجميلة والتربوية في المقاهي القديمة لم يعد يجد من يسمعها، وكذلك ورق الشدة وطاولة لعب الزهرة والدومينو بات زبائنها في تراجع”.
الجيل الجديد يجتمع في المقاهي لكن على ألعاب إلكترونية- مقهى في منطقة تلاع العلي بالعاصمة عمّان (الجزيرة)
ويضيف أن “الجيل الجديد يجتمع في المقاهي لكن على ألعاب إلكترونية، يصطحب كل واحد منهم شاحنا لجهازه الخلوي مخافة الانقطاع عن اللعب”.
وبين مدفع رمضان وعادة المساكبة والسهرات الرمضانية التي تغيرت نوعياتها وتبدلت جلساتها يبقى شهر رمضان الفضيل مختلفا عن باقي الشهور، بانتظار زوال غمة كورونا ليعود الأردنيون إلى طقوسهم وشعائرهم الرمضانية الجميلة بكل تفاصيلها القديمة والجديدة.
المصدر : الجزيرة