إذا كان أغلب الشعب اليمني يعاني من الفقر وغلاء الأسعار والانقطاع المتواصل للكهرباء، فإن المرضى هم الأكثر معاناة خاصة في ظل نقص الأدوية وتفشي وباء كورونا. ويتجلّى هذا المشهد بأكثر قتامة في مركز غسيل الكلى الوحيد في تعز أين يواجه المرضى صعوبات في تلقي العلاج والمواظبة عليه بسبب صعوبة التنقل ونقص الأجهزة الطبيّة.
يشكو مرضى الفشل الكلوي في مدينة تعز اليمنية من تفاقم معاناتهم الصحية جراء نقص الأدوية وتقليص جلسات الغسيل، وتدهور الوضع المعيشي للعديد منهم في ظل الحصار، ما جعلهم يتجرعون أوجاعا متعددة في ظل انتشار وباء كورونا في صفوفهم ما زاد من مخاوف الطاقم الطبي في مركز غسيل الكلى.
وتخضع مدينة تعز (جنوب غرب) لسلطة الحكومة اليمنية، ويفرض عليها الحوثيون حصارا أدى إلى تدهور أكبر للوضع الإنساني والصحي في المدينة المكتظة بالسكان.
ويوجد في تعز مركز رئيسي واحد للغسيل الكلوي يقع في مستشفى الثورة العام، أكبر مستشفيات المحافظة، بعد أن فاقم غلاء المعيشة واستمرار الحصار والانقطاع المتواصل للكهرباء من معاناة مرضى الفشل الكلوي.
ويقول مهيوب قائد، أحد المرضى المترددين على مركز الغسيل الكلوي في “مستشفى الثورة العام”، إنه يتلقى جلسات الغسيل منذ 13 عاما.
وشكا مهيوب من الظروف الصعبة التي يعانيها قائلا “كانت الحالة المعيشية قبل الحرب متيسرة، لكن الآن أصبحت الأوضاع المعيشية صعبة جدا بالنسبة إلى مرضى الفشل الكلوي”.
وتابع “لا نستطيع أن نقوم بشراء العلاجات التي ارتفع سعرها إلى 5 أضعاف جراء الحرب”.
الفقر وغلاء الأسعار يفاقمان معاناة أهالي تعز في مركز الغسيل الوحيد.
وأردف قائلا “هناك من يعانون من أمراض الكلى، لكنهم لا يستطيعون الذهاب للطبيب من أجل العلاج بسبب الفقر وارتفاع الأسعار وظروف التنقل الصعبة”.
مراكز غسيل الكلى تعاني نقصا حادا في الأدوية والوقود، فضلا عن نقص الأموال اللازمة لدفع أجور العاملين بانتظام
وأضاف “قبل الحصار كنا نصل قريتنا في ريف تعز خلال ساعة، لكن حاليا قد تستغرق يوما كاملا حتى تصل إلى بيتك، وبعض المرضى يستغرق يومين حتى يصل إلى أهله”.
وشكا من ارتفاع أجرة المواصلات إلى أربعة أضعاف، ما زاد من المعاناة التي يتجرعها مرضى الفشل الكلوي في رحلة علاجهم.
ويعيش معظم اليمنيين تحت خط الفقر، فيما تشير التقارير الأممية إلى أن الصراع أدى إلى إغلاق قرابة نصف المرافق الصحية في عموم البلاد.
وألقت هذه الأوضاع بظلالها على مصابي الأمراض المزمنة، خصوصا مرضى الفشل الكلوي.
ويتلقى هشام علي سعيد، أحد أبناء مديرية “شرعب الرونة” في ريف تعز، جلسات الغسيل الكلوي في مستشفى الثورة العام.
ويقول سعيد، إنه أصيب بمرض الفشل الكلوي قبل 3 سنوات، وإنه تعرض لانفجار قذيفة بجواره أفزعته وفاقمت من وضعه الصحي.
ويوضح أن لديه أربعة أبناء وهو بعيد عنهم ويزورهم كل شهرين بسبب الظروف المعيشية الصعبة وتكاليف المواصلات.
ويبيّن المواطن اليمني أن بعض مناسبات الأعياد تفوته ولا يشعر بها كونه يذهب حينها إلى المركز لأخذ جلسات الغسيل.
ويشكو من أن راتبه منقطع منذ فترة، ولم يستطع إيجاد سكن له ولأسرته في مدينة تعز قرب مركز الغسيل الكلوي بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات.
وتعاني المرافق الصحية التي ما زالت تعمل في اليمن من ضعف شديد في الخدمات ونقص في الأجهزة والأدوية
الرئيسية كما تعاني من أزمة المشتقات النفطية وانقطاع التيار الكهربائي، ما قد يعرض العديد من المرضى لخطر الموت.
وقالت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة إن “مراكز غسيل الكلى تعاني نقصا حادا في الأدوية والوقود، فضلا عن نقص الأموال اللازمة لدفع أجور العاملين بانتظام”.
ونقل التقرير عن مسؤول الأمراض غير المعدية بالمنظمة في اليمن عبدالوهاب النهمي قوله إن “الوصول المحدود لجلسات غسيل الكلى والعلاج يعرض حياة المرضى المستضعفين للخطر، وسيؤدي إلى نتائج مُهلكة، ناهيك عن المعاناة التي يمرون بها وأسرهم بسبب نقص العلاج”.
وتقول أثير حمود (16 عاما) بينما كانت تخضع لجلسة غسيل كلوي في ردهة المركز “الأدوية غير متوفرة وأسعارها غالية، نحن بالكاد نوفر قوت يومنا، فكيف سنوفر تكاليف علاجنا”.
وتضيف الشابة التي تعيش منذ ولادتها بكلية واحدة، أنها لم تعد راغبة في الحياة بعد أن اضطرت مؤخرا إلى التوقف عن متابعة تعليمها بسبب تداعيات إصابتها بالفشل الكلوي.
ويقول فهمي الحناني مدير مركز الغسيل الكلوي في مستشفى الثورة بتعز “إن هناك 280 مريضا بالفشل الكلوي يتلقون جلسات الغسيل في المرفق الطبي”.
ويضيف “نقوم بعمل جلسات الغسيل الكلوي لحوالي 80 إلى 88 مريضا في اليوم الواحد”.
ويشكو من أن “المركز يعاني من احتياجات شديدة في مادة الوقود خصوصا هذه الأيام، ما قد يؤدي إلى توقف المركز عن القيام بعمليات الغسيل لهؤلاء المرضى”.
ويردف “نحن في أمسّ الحاجة إلى أجهزة جديدة وقطع غيار للأجهزة الموجودة ومحطات خاصة بالغسيل الكلوي، منذ فترة طويلة لم نستبدل هذه الأجهزة ومحطات الغسيل الكلوي”.
وزاد تفشي وباء كورونا من تردي الأوضاع في مركز الفشل الكلوي في هيئة مستشفى الثورة في تعز. ولفت الحناني إلى أن المركز يعاني من عدم توفر وسائل الوقاية والحماية الشخصية للطاقم الطبي العامل فيه، وكذلك للمرضى الذين يترددون على المركز لإجراء عمليات غسيل يوميا.
وناشد الحناني الجهات المعنية والمانحين بمحاولة توفير احتياجات المركز في حدود المستطاع، مشيرا إلى أن “هناك من المرضى من يأتي من محافظات أخرى كالحديدة (غرب)، وإب (جنوب غرب)، وعدن (جنوب)”.
ويذكر مدير المركز أن المرضى يعانون من مرارة بُعد مكان الغسيل الكلوي وارتفاع الأسعار وعدم القدرة على التواصل بشكل منتظم إلى مراكز الغسيل.
فضاء الآراء – العرب اللندنية