في أول جلسة له خاصة بالمساءلة الشهرية، حول السياسات العامة بمجلس النواب، قال السيد عزيز أخنوش رئيس الحكومة المغربية، تحدث عن المسؤولية الجسيمة التي تقع على عاتق حكومته، فيما يتعلّق باستكمال أسس الدولة الاجتماعية. وأشار إلى أن تنزيل هذا المشروع أي “مشروع الدولة الاجتماعية” يتطلب إصلاحا عميقا، واتخاذ بعض القرارات التي قد تبدو مجحفة بالمنطق السياسي الضيق، لكنها ستكون لها نتائج إيجابية فيما بعد، ولفت السيد رئيس الحكومة إلى أن هذا النوع من القرارات في عدد من المجالات، كالتعليم والصحة، يتطلب تحمل المسؤولية دون تردد، من أجل التأسيس لمرحلة فارقة في تاريخ المغرب.
وبعد أن وجّه انتقادا مبطّنا لبعض السياسات العمومية المتبعة في السنوات الماضية، والتي لم تتمكّن من القضاء على الفوارق الاجتماعية والحد من مظاهر الفقر، رغم الإمكانيات الكبيرة التي تُخصَّص للمساعدات الاجتماعية، قال إنه لا بدّ من حشد كل الإمكانيات المتاحة من أجل منظومة اجتماعية متكاملة، واعتبر أن إرساء أسس الدولة الاجتماعية خيار يعبر عن إرادة سياسية راسخة لدى الحكومة، لأن إعادة الثقة في العمل السياسي تمر عبر تقديم خيارات، وبرامج اجتماعية واقعية، وذات مصداقية، تعالج الأولويات الحقيقية، وتستجيب لانتظارات المواطنين. وبهذه المناسبة أشار السيد أخنوش إلى أن حكومته قد شرعت في تنزيل برنامجها المتعلق بالحماية الاجتماعية، لتمكين الفلاحين وباقي أًصحاب المهن الحرة وكذا الفئات الهشة من الاستفادة من التأمين الإجباري عن المرض. كما أكد أن الحكومة ستعمل على ضمان تعويضات عائلية لكل الأسر للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة ودعم التمدرس في سن مبكر. وبهذا الصدد أشار إلى أن الوزارات المكلفة بذلك ستباشر توسيع الانخراط في أنظمة التقاعد لكافة الناشطين، وكذا تعميم التعويضات العائلية، والتعويض عن فقدان الشغل، وذلك في أفق سنة 2025.
لا بدّ -ونحن نستمع لتصريحات السيد عزيز أخنوش- أن نطرح سؤالا جوهريا يقودنا إلى وضع ما جاء في خطابه على المحكّ، نتوقع من خلاله إلى أي حدّ يمكن ترجمة تلك التصريحات على أرض الواقع. السؤال هو: هل يتوفر المغرب على البيئة الحاضنة للدولة الاجتماعية التي تحدث عنها السيد أخنوش في خطابه أم لا؟
وعندما نقول البيئة، فإننا نقصد بشكل خاص عنصر البيئة السياسية، وهو الحاضن لكل العناصر الأخرى: اجتماعية واقتصادية وحقوقية… والضامن لحماية مصالح المجتمع ككل، وكذا حماية الحريات وحقوق الإنسان، التي تُعتبر أعلى قيمة، وبالتالي الوصول إلى تحقيق العيش الكريم لجميع المواطنين في ظل دولة اجتماعية عادلة لا مكان فيها للاستبداد والفساد.
تحدث السيد أخنوش، في خطابه عن السياسة وعن إعادة الثقة في العمل السياسي، ولكنه مرّ على ذلك مرور الكرام، فهو لم يتطرق إلى الآليات الكفيلة بذلك، وهو يعلم، كما يعلم الجميع، أن هذا العمل يقتضي تقوية الآلية الديمقراطية، ويقتضي كذلك تأهيل الحقل السياسي، ويقتضي -وهذا هو الأهم- تعزيز مصداقية الفاعلين السياسيين. فهل حكومته قادرة على تحقيق هذه المقتضيات؟
إني أشكّ في ذلك، لأن العمل السياسي بالمغرب يعاني منذ سنوات طويلة من أزمة ثقة تتجلى على الخصوص في انخفاض المشاركة في العملية الانتخابية، وفي العزوف الواضح خاصة لدى الشباب المغربي الذي فقد الثقة في العمل السياسي برمّته. لذلك فعملية استرجاع الثقة ليست بالعملية السهلة، بل تقتضي إرادة سياسية قوية لمعالجة الاختلالات والاستجابة لانتظارات الشعب المغربي، واعتماد آليات تعزيز الثقة كآلية المراقبة وربط المسؤولية بالمحاسبة. وكان على السيد الوزير أن يقف طويلا عند هذه النقطة، لكنه تحاشى ذلك، وفضّل تسريع الخطى كي لا يقف هنا.
السيد عزيز أخنوش رئيس الحكومة، وامبراطور المحروقات في المغرب، لم يتطرق كذلك إلى خطة حكومته لمكافحة الفساد، ومكافحة التهرّب الضريبي، والقضاء على اقتصاد الريع ونهب الثروات. فهل يعقل الحديث عن الدولة الاجتماعية دون مكافحة الفساد، ودون تحقيق قدر عالٍ من الشفافية والحكامة الرشيدة؟
يرى المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية السيد عبد الرحيم العلام، أن أخطر ما يهدّد السياسة ويعصف بجاذبيتها الشعبية، ويفسد التشريع ويجعله في خدمة المصالح الضيقة، هو الجمع بين الثروة والسلطة، واستغلال الثانية من أجل الحفاظ على الأولى، وجعل الأولى في خدمة الثانية. كما يرى أن تهافت الأغنياء على احتلال المناصب السياسية، ليس دائما من أجل المصلحة العامة، بل غالبا ما تحضر المصلحة الخاصة؛ وبيّن الى أن جلّهم يتوغل في المؤسسات السياسية من أجل الدفاع عن مصالحهم، ودعم التشريعات التي تحقق أرباحهم.
فلاش: كشفت مجلة “فوربس” الأمريكية في تحديث جديد لها، أنَّ ثروة عزيز أخنوش قفزت إلى 1.9 مليار دولار، وقالت المجلة: إنه على الرغم من أن العام الماضي كان من أصعب الأعوام في التاريخ الحديث، إلا أنه لم يكن كذلك على أثرياء المغرب؛ إذ على نحو مغاير وغير متوقع، أن ثروة الوزير المغربي والملياردير عزيز أخنوش، حققت زيادة مفاجئة. وجدير بالذكر أن عزيز أخنوش هوَ صاحب أكبر حصة في المجموعة العملاقة “أكوا” والتي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات. وتوجه لعزيز أخنوش، اتهامات بالحصول على عدة مليار ات من الدراهم، كأرباح لشركاته التي تهيمن على سوق المحروقات في المغرب، بشكل غير قانوني، كشفَ عنها تقرير اللجنة البرلمانية الاستطلاعية، والذي اثار ضجة كبيرة في المغرب، ومنذ ذلك الحين لا تزال هناك مطالب لأخنوش بإبراء ذمته. فهل بعد هذا هناك عاقل يمكنه تصديق هذا الوزير، وهو يتحدث عن الدولة الاجتماعية، وحقوق المواطنين، والكرامة، إلى غير ذلك من الوعود الأخنوشية؟
انتباه، السيد الوزير لقد انتهت الحملات الانتخابية !