تشكّل محاولة تجنب نزاع جديد في أوكرانيا موضوعاً طارئاً سيطرح في المحادثات المرتقبة في جنيف بين الولايات المتحدة وروسيا. ولن تغفل المباحثات موضوعات خلافية أخرى مثل الأمن في أوروبا ونزع السلاح.
استبعدت روسيا الأحد (التاسع من يناير/ كانون الثاني 2022) تقديم “أي تنازل” قبيل بدء محادثات في جنيف بينها وبين الولايات المتحدة في محاولة لنزع فتيل الأزمة المتفجرة بشأن أوكرانيا. وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف الذي يشارك في المفاوضات، في تصريحات لوكالات الأنباء الروسية (تاس)، “لن نقبل بأي تنازل. هذا أمر مستبعد تماما”. وأكد “خاب ظننا بالإشارات الصادرة في الأيام الأخيرة من واشنطن وبروكسل أيضا”.
وينطلق الأسبوع الدبلوماسي البالغ الحساسية، بلقاء ثنائي بين نائبي وزيري خارجية البلدين، الأميركية ويندي شيرمان والروسي سيرغي ريابكوف. ويتواصل بعدها باجتماع بين حلف شمال الأطلسي وروسيا الأربعاء في بروكسل ومن ثم بلقاء الخميس في فيينا مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بغية إشراك الأوروبيين الذين يخشون تهميشهم. وأوضح مسؤول في البيت الأبيض أن الروس والأميركيين “سيجرون مباحثات تمهيدية على الأرجح مساء اليوم الأحد” قبل عقد “الاجتماع الرئيسي الاثنين” في سويسرا.
وتتهم الدول الغربية وكييف كذلك، روسيا بحشد نحو مئة ألف جندي عند حدود أوكرانيا تحضيراً لغزو محتمل. وقد هددت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعقوبات “هائلة” وغير مسبوقة في حال هاجم جارته. وقد تصل هذه الإجراءات إلى حدّ منع روسيا من التعامل مع النظام المالي العالمي أو منع وضع خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الذي تريده موسكو وضعه في الخدمة بقوة. وتريد الدول الغربية إظهار المزيد من الحزم مقارنة بما حدث في عام 2014 حين ضمت موسكو شبه جزيرة القرم الأوكرانية من دون أن ينجح التحالف الأميركي-الأوروبي في إجبارها على التراجع.
من جهته، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أجرى محادثات مع نظيره الأميركي جو بايدن مرتين منذ بدء الأزمة الجديدة، فرض عقوبات جديدة “خطأ فادحا”، وهدد بدوره بردٍّ “عسكري وتقني” في حال استمرار خصومه فيما أسماه “النهج العدائي”.
ويؤكد الكرملين أن الغرب هو الذي يستفز روسيا من خلال نشر قوات عسكرية عند حدودها أو من خلال تسليح الجيش الأوكراني الذي يحارب انفصاليين مؤيدين لموسكو في دونباس في شرق أوكرانيا. ويطالب بوتين باتفاق واسع يمنع كييف من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وسحب كل القوات الأميركية من الدول التي تقع في أقصى شرق حدود حلف شمال الأطلسي.
إلا ان الأميركيين يؤكدون أنهم غير مستعدين لخفض عدد قواتهم في بولندا أو دول البلطيق، لا بل يهددون على العكس من ذلك بتعزيز وجودهم فيها في حال حصول هجوم روسي. وحذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ الجمعة من وجود “خطر فعلي لاندلاع نزاع جديد” مشيرا إلى أن موسكو تطرح شروطا “غير مقبولة” وتكثف التهديدات “في حال عدم قبولها”.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من جهته “بالتأكيد يندرج تقديم لائحة مطالب غير مقبولة، ضمن استراتيجيتهم للادعاء بعد ذلك أن الطرف الثاني لا يدخل في اللعبة ما سيسمح باستخدام ذلك كمبرر لشنّ عدوان”. وأكد أن الولايات المتحدة “لن تلهى” بـ”النقاش حول حلف شمال الأطلسي” لأن “موضوع الساعة هو العدوان على أوكرانيا”. وأوضح بلينكن أنه “من الصعب جدا إحراز تقدم فعلي” مع “مسدس موجه إلى رأس أوكرانيا”. في الوقت ذاته أعرب على أن “الحل الدبلوماسي لا يزال ممكنا” في حال أرادت روسيا ذلك.
ويرى جون هرست السفير الأميركي السابق في أوكرانيا أن الانتشار العسكري الروسي “هو خدعة كبيرة” من بوتين للحصول على تنازلات. ويضيف هذا الخبير في معهد الأبحاث أتلانتيك كاونسيل (Atlantic Council)، أنه “كلّما حافظت إدارة بايدن على حزمها الحالي، سيكون ذلك كافيا للجم بوتين عن غزو أوكرانيا، لكني لا استبعد عملية محدودة أكثر”.
وإلى جانب الأزمة الأوكرانية تأمل واشنطن استغلال فرصة هذه المحادثات لتعيد العلاقات الأميركية الروسية التي تراجعت إلى أدنى مستوى لها منذ الحرب الباردة على مسار اكثر استقرار، فضلا عن أملها بتسجيل تقدم على صعيد ملفات أخرى مثل نزع الأسلحة.
إلا ان الدعوات كثرت من باريس إلى برلين مرورا ببروكسل لإشراك الدول الأوروبية فعليا في المحادثات ولا سيما الاتحاد الأوروبي، في مواجهة الكرملين الذي يفضل على ما يبدو لقاء ثنائيا روسيا-أميركيا.
وتشكل هذه المحادثات اختبارا لإدارة بايدن التي أثارت رغم وعودها بالتنسيق، خيبة أمل في صفوف حلفائها الأوروبيين بسبب تفردها في أفغانستان أو على صعيد استراتيجيتها لمواجهة الصين. لكن أنتوني بلينكن يقول “لن يكون هناك أي شيء عن أوروبا من دون أوروبا”.
فضاء الآراء / أ.ف.ب / د ب أ / DW