اشتدت حدة هجوم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي “الزعيم الدرزي” على حزب الله خاصة في الأشهر الأخيرة الماضية، وهو خاض المعركة الانتخابية في أيار الماضي ضد حزب الله وسوريا وإيران، معتبرا الاستحقاق النيابي معركة وجودية تهدف إلى النيل منه وتحجيم دوره في الساحة السياسية وهوأحد أهم الزعامات الدرزبة في لبنان, وسعى إلى التموضع مع بقايا قوى الرابع عشر من آذار وأولهم حزب القوات اللبنانية التي يرأسها سمير جعجع الذي حظي بدعم سعودي دفعت جنبلاط إلى نسج تحالف قوي مع جعجع الذي كاد يصبح رجل السعودية الأول بعد ما أبعدت الرئيس السابق سعد الحريري عن المشهد السياسي، ليس هذا فحسب، بل إن جنبلاط اصطف وراء السعودية مفرطاً في هجومه على حزب الله إرضاءً للرياض.
لكن رهان ماقبل الانتخابات تبدد بعد صدمة ماأفرزه الاستحقاق النيابي من خيبات أمل لجعجع أولا, ولجنبلاط الذي علق آماله على القوات والمعارضة (14 آذار) والقوى التغييرية, مادفع جنبلاط إلى إعادة النظر في تحالفاته, وأول الغيث كان الدعوة للحوار مع حزب الله ممهداً لذلك بتصريحٍ له عبر تلفزيون المملكة الأردنية قائلاً إنّه “لا يوافق على كلمة حياد، ومشيراً إلى “أننا اخترعنا النأي بالنفس عندما طلبنا من حزب الله عدم التدخل في سوريا فتدخل وفشلنا. لكن، أن نكون على حياد، والعدو الإسرائيلي على الأبواب، فهذا هرطقة سياسية.
وأعلن جنبلاط أنه “طلب لقاء ممثّلين عن حزب الله من أجل التباحث في قضايا لا علاقة لها بالقضايا الشائكة الكبرى، بل لتذليل بعض العقبات بشأن موضوع الكهرباء والشركة السيادية للنفط”، وهذا ماحصل بالأمس الخميس في لقاء في دارة جنبلاط في كليمنصو- بيروت مع المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل، ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفًا.
وأشار جنبلاط، بعد اللقاء إلى أن الحديث جرى عن النقاط التي يمكن معالجتها في ما يتعلق بالاقتصاد والإنماء، وهذه فرصة والحوار قد يُستكمل للوصول إلى الحد الأدنى من التوافق حول أمور بديهية تهم المواطن”، لافتاً الى أن “هناك نقاط مختلفة بيننا وضعناها جانباً.”
لكن ليس من السهل الاقتناع بأن هذا اللقاء الذي يأتي بعد فراق طويل بين الطرفين هو فقط للتباحث حول قضايا تهم المواطن، فقد سبق اللقاء المباشر لقاءات سرية توجت باللقاء العلني الذي حرك المياه الراكدة في المشهد السياسي وقد يكون له تداعيات على الاستحقاق الرئاسي في ظل الحديث عن إمكانية الوصول إلى رئيس جمهورية مشترك بين الطرفين.
لكن أبعد من رئاسة الجمهورية، والاستحقاقات المصيرية ومنها ملف ترسيم الحدود البحرية، فإن المايسترو السياسي كما يسميه البعض و”البراغماتي” الذي أدرك أن قوة حزب الله مؤثرة بشكل كبير إقليميًا وبالتالي محلياً، يعلم أيضاً أن السياسة اليوم تحولت إلى سياسة القوة والاقتدار، والبقاء فيها للأقوى، فحزب الله بمعزل عن كونه مكون في السلطة اللبنانية هو يمتلك قوة عسكرية رسمت معادلات في المنطقة وشكلت رادعاً للعدو الإسرائيلي، وبالتالي رأى وليد بيك أن عليه الذهاب مع الأقوى، ووجود حزب الله كقوة إقليمية يصعب إزاحتها من المعادلات التي ترتسم اليوم سواء مايحصل في فيينا حول الاتفاق النووي، أو في سوريا، واليمن، وحوار الرياض مع طهران، وحتى في فلسطين، تظهر أن وجود حزب الله صار من المسلمات، وإزاحته من المشهد السياسي المحلي والاقليمي صار من المستحيلات وبالتالي اختار جنبلاط مابين الشرين، وأصغر الشرور لديه هو أن يقوم بربط نزاع مع حزب الله وتقليل الخسائر إلى أدنى حدود، ولتخفيف الخسائر ماكان عليه سوى أن يقوم بهدنة مع حزب الله دون أن يلغي ذلك استكمال سياسته القائمة تحديداً على الخلاف مع النظام السوري، وهذا أخف عبئاً عليه من معاداة سوريًا وحزب الله في آن.
لكن التداعيات لخطوة تقارب جنبلاط-حزب الله قد لاتكون حميدة، فهي ضربة جديدة للقوات التي بنى معها جنبلاط تحالفاً علنياً واضعاً الرهان على رجل السعودية الأول رئيس حزب القوات سمير جعجع الذي فشل رهان الرياض عليه بعدما أخفق في تشكيل كتلة وازنة ضد حزب الله، والسؤال,هل تثير خطوة جنبلاط سخط المملكة عليه، وأيهما أكثر ربحية لجنبلاط حزب الله أم الرياض، اللقاءات المقبلة التي أعلن الطرفات عن استكمالها ستكشف المستور، فلننتظر.