تونس: ولادة في القصبة وحشرجة في باردو.. وهل سرق الغنوشي المشيشي من قيس سعيّد

في الساعات الأولى ليوم الأربعاء 2 سبتمبر 2020 كانت صرخة ولادة حكومة هشام المشيشي في تونس ، وقد جاءت خافتة لضعف في الجسد ، بما يفيد أن عمرها سيكون قصيرا ، مثل سابقتها التي لفظت أنفاسها قبل أن تُكمل نصف عامها الأول . أما البرلمان فقد تنفس الصعداء مُتجنبا موتا بائسا في آخر اللحظات ولكن حشرجته لا تزال تسمع في أرجاء البلاد ، وهو الذي تحاول حركة النهضة الإسلامية منذ مدة السيطرة عليه واستعماله قلعة في معاركها ، خاصة تلك التي تخوضها ضد رئيس الجمهورية قيس سعيد .

وعلى مدى يوم كامل هو يوم التصويت على الحكومة الجديدة دوت مدافع باردو حيث البرلمان المنهك بصراعاته وتناقضاته ضد قصر قرطاج حيث الرئيس ولكنها كانت أشبه بمدافع رمضان ، صوت عال و ذخيرة بيضاء.
وكان ذلك رد فعل ضد الرئيس الذي أجبر حركة النهضة على منح أصواتها لحكومة المشيشي والا كان حل البرلمان ، فتجرعت معه الحنظل ، لكنها ما لبثت أن استدارت على نفسها لتخطب ود رئيس الحكومة الجديد ، مقدمة اليه الهدايا ، جالبة معها أقصى اليمين الديني وبعض من اليمين الليبرالي الغارق في الفساد وتبييض الأموال ، مُصورة ذلك التصويت على أنه انتصار في التكتيك فحولت بالكلمات مرارة الحنظل الى حلاوة العسل في حلوق أتباعها .
وسرعان ما ترددت أسئلة مثل: هل سرق الغنوشي المشيشي من قيس سعيد ودق بينهما إسفينه ؟ هل هناك خيانة مبكرة ؟ هل هي حكومة الرئيس أم حكومة النهضة وقلب تونس ؟ وسط ترويج إشاعة مفادها أن الرئيس عرض على الأحزاب الإبقاء على البرلمان مقابل عدم التصويت على حكومة المشيشي لشقه عليه عصا الطاعة ، والإبقاء على حكومة تصريف الأعمال بالاستناد الى الفصل 100 من الدستور ، فإذا بتلك الأحزاب تفضح مساومته ، ولكن أحد من حضروا اجتماعه مع الأحزاب نفي في البرلمان نفسه وقوع ذلك.
و بالعودة الى تلك الأسئلة فإن الإجابة عنها لن تتأخر طويلا ففي حال قبل المشيشي تغيير وزراء وتعويضهم بآخرين مثلما وعد به رئيس قلب تونس فإن الإجابة سوف تكون نعم ووقتها سنكون أمام تحالف باردو والقصبة ضد قرطاج التي لن يبق أمامها من سند غير العمال والموظفين بتوسط اتحاد الشغل الذي ينتظر انجلاء غبار المعركة الحالية وهو قابع في ساحة محمد على الحامي ، فضلا عن قوة شعبية هلامية ينقصها التنظيم .
واذا نظرنا الى ما جرى منذ استقالة حكومة الفخفاخ حتى ميلاد حكومة المشيشي ندرك أن معركة فعلية قد حدثت، ولم يكن خوضها سهلا على الجميع وفي خضمها كان تكتيك الغنوشي في اللحظات الأخيرة قائما على تكرار الجملة التي تقول على ألسنة نواب حزبه أثناء مخاطبتهم المشيشي : لن نمنحكم ” الثقة ” بينما سنمنحكم ” أصواتنا “، وهو ما يعني أن الامر يتعلق بتصويت اضطرار لا اختيار ، ولكن تلك الحركة بارعة منذ زمن طويل في تصوير هزائمها في ثوب الانتصارات بسحر البيان المتلاعب بالمفارقات ، والغرض في واقع الحال كسب ثقته لاحقا ، بمعنى السيطرة عليه وفرض تغيير وزراء والاتيان بآخرين و من ثمة اصابة عصفورين بحجر واحد : تجنب الانتخابات السابقة لأوانها واخضاع حكومته لاستراتيجيتها في التمكين ، وتحريكها من وراء الستار والوسيلة ترهيب بالثقة وترغيب بالأصوات . ولكن المشيشي الماسك بملفات وزارة الداخلية والذي ينسب اليه قيامه قبل مدة بتطهير بعض أسلاكها من مخترقيها الإسلاميين المفترضين لن يكون لقمة سهلة .
أما تكتيك قيس سعيد فاستند الى الإمساك بقوة بالدستور وتطبيق فصوله في الوقت المناسب والضغط بها على خصمه تلويحا بما ينتظره من هلاك ، والتهديد بكشف المتآمرين والمندسين والكذبة والمفترين ومن فتحوا دارا للفتوى وباعوا أنفسهم للصهيونية والاستعمار ، في تعريض بالإسلام السياسي وحلفائه الذين رفضوا تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني في البرلمان ، وصفقوا لغزو الناتو لليبيا وضرب الصهاينة لسوريا الخ .. وخلال ذلك كله بدا سعيد مُدركا أنه : ما نيل المطالب بالتنمني … وانما تُؤخذ الدنيا غلابا ، وأنه لئن كان مُتزهدا في المال واللذات فإنه غير متزهد في حب تونس، مُرددا مع الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود : إما حياة تسر الصديق وإما ممات يُغيظ العدى .

فريد العليبي – كاتب تونسي

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

مظاهرات الجامعات الأميركية.. مراجعة وعِبَر

يتظاهر طلبة أميركا مطالبين بالحرية لفلسطين، ووقف ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية واستلاب للحقوق منذ 76 عامًا وتتوسع مظاهراتهم إلى أوروبا وغيرها، ولا تجد لها صدى في بلدان وجامعات المَوات العربي. فإلى أي مدى تفيد تلك المظاهرات في الزمان والمكان في نصرة فلسطين، وتغيير السياسات الإمبريالية الأميركية المنحازة للكيان الصهيوني انحيازًا تامًا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
3 × 11 =