تغيرت سياسات تحديد النسل في إيران خلال العقود الماضية، وكذلك تغيرت شعارات الحكومة من “أولاد أقل.. حياة أفضل” الذي انتهجته قبل 3 عقود إلى “لا يأتي الربيع بوردة واحدة” (الوردة ترمز إلى الطفل) في عقدنا الحالي، وهو شعار يحث على إنجاب مزيد من الأطفال.
وكان يبلغ معدل نمو السكاني في بدايات الثورة الإسلامية (1980-1990) بحدود 3-4%، وحسب رئيس لجنة السياسة السكانية بالمجلس الأعلى للثورة الثقافية -محمد جواد محمودي- بلغ معدل النمو السكاني 0.6% في العام الماضي، ومن المتوقع أن يصل هذا المعدل إلى الصفر خلال 15 عامًا أخرى، وفي غضون 30 عامًا من الآن قد يزيد عمر ثلث سكان إيران على 60 عامًا.
لذلك سعى المسؤولون في البلاد في السنوات الأخيرة إلى تحسين هذا الوضع وإزاحة الستار عن تطبيق “هَمدَم” (ومعناها الشريك/ة بالفارسية) الذي كُشف عنه أخيرًا كأول برنامج رسمي مرخص للزواج الدائم في إيران، يتماشى مع سياسة تسهيل زواج الشباب والتشجيع على الإنجاب.
عن التطبيق
وتطبيق “همدم” طوّرته مؤسسة تبيان الثقافية التي تصنف نفسها كأكبر مجموعة من منظمة الدعاية الإسلامية (تحت إشراف المرشد الأعلى) في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
ويقدم التطبيق بعض الخدمات كالبحث عن الشريك للعزاب، وخدمات استشارية، واختبارات نفسية، وتوعية ذاتية، ومجلات “أونلاين” (إلكترونية)، كما يقدم محتوى تعليميا عبر مقاطع فيديو وبودكاست ورسوم بيانية ومقالات متنوعة للشباب والعائلات.
ولاستخدام التطبيق ينبغي أولًا التسجيل وإدخال التفاصيل الشخصية والمعلومات الكاملة مثل التعليم، والوظيفة، والظروف الأسرية، والمواصفات الشخصية، والمعايير والرغبات والمهارات الفردية، والحالة الاقتصادية، وكذلك ملء استمارات الاختبارات النفسية، وإنشاء ملف تعريفي للمستخدم.
بعد ذلك وبناء على خصائص الشخص ورغباته، واستنادًا إلى شخصيته وأفكاره واعتقاداته، سيرشح له التطبيق الشخص الأنسب الذي يتمتع بأكبر قدر من الانسجام مع ظروفه ومعاييره، وسيقدم تفاصيل ومعلومات عن الطرف الآخر.
تطبيق هَمدَم (الشريك/ة بالفارسية) الذي أعلن أخيرًا هو أول برنامج رسمي مرخص للزواج في إيران (مواقع التواصل)
الأداء والمصداقية
وأشار نائب رئيس تبيان للابتكار -علي رضا دهفولي- إلى أنه عند تشغيل هذه المنصة يمكن للمستخدمين قراءة مواصفات الطرف الآخر الأساسية، ومن ثم إرسال طلب التعرف إليه.
وأضاف دهفولي “إذا وافق الطرف الآخر، ينتقلان تلقائيا إلى المعرّف، ليقوم بمراجعة متطلبات الطرفين، وفي حالة الموافقة عليها، يتم التواصل مع العائلات لتعريفهم على بعضهم”.
وعن كيفية التحقق من المواصفات التي يدخلها المستخدمون على النظام، ذكر دهفولي أيضًا أن “المصادقة تتم عبر الإنترنت من خلال الأنظمة الحكومية، ولا يمكن لأي شخص تسجيل الدخول بحساب مزيف، ونتيجة لذلك تتم مراقبة أي أداء ولن يتمكن أي شخص من إساءة استخدام البرنامج”.
كما لا يمكن لأي شخص في هذا التطبيق رؤية خيارات مختلفة في الوقت نفسه، بل يظهر له خيار واحد فقط، وإذا رفضه يتم عرض الخيار التالي (وهو متاح لجميع الأديان والمذاهب المختلفة في إيران).
جذور المشكلة
وتقول الدكتورة نازنين زهرا رسولي، اختصاصية نفسية ومستشارة زواج، في هذا الصدد “من الجيد توفير منصة التعرف والتواصل للشباب مع بعضهم بعضا بطريقة منضبطة وقائمة على الواقع والمصداقية، لكن لا يمكنك الاعتماد على هذه البرامج لحل مشاكل زواج الشباب”.
يعد تطبيق “همدم” أشمل برنامج للزواج في إيران، فهل يحل مشكلة 13 مليون عازب في البلاد؟
ونوّهت الدكتورة رسولي -في حديثها للجزيرة نت- بأن “المشاكل الكبرى في زواج الشباب حاليا هي صعوبة الحصول على وظيفة، والاقتصاد المتردي، وعدم الاستقرار المالي، فإذا لم تحل هذه المشاكل فلن يكون لمثل هذه البرامج تأثير كبير، ولعل أهم ما يمكن تقديمه في هذا السياق هو التعليم وشرح فلسفة الزواج للشباب”.
مخاوف وانتقادات
ويرى بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي أنه نظرًا إلى أن الفضاء الاجتماعي في إيران مفتوح بشكل عام والتواصل واسع النطاق، فإن التطبيق يفقد تأثيره في الزواج أو الرغبة فيه، وتكمن المشكلة إلى حد كبير في إدارة الحياة بعد الزواج.
وفي السياق نفسه يشعر آخرون بالقلق من وضع معلوماتهم الشخصية والعائلية والمهنية في البرنامج بشكل عام، والخوادم (server) الإيرانية بشكل خاص خشية اختراق معلوماتهم.
ويقول أمير أرسلان (شاب ثلاثيني)، أحد مستخدمي التطبيق، إن الطريقة التي يستخدمها البرنامج للبحث عن شريك حياة ليست جديدة، إذ كانت ولا تزال هذه العملية تتم عبر اللجان الطلابية في الجامعات، وكانت مقتصرة على بيئة الجامعة وامتدت الآن لتشمل المجتمع بأسره من خلال هذا التطبيق.
وتابع أرسلان في حديثه للجزيرة نت “أن هذا البرنامج مناسب لمن يتمتع بشخصية خجولة أو المتديّن أو من لا تتوفر لديه الخيارات المناسبة، إذ يتّسم التطبيق بدقة عالية في استلام الوثائق، كما أن وجود المستشارين في طلب الزواج يقلل من الخطأ”.
أما النقطة السلبية للتطبيق برأي أمير فهي عدم وجود صور شخصية للمستخدمين في المرحلة الأولى، إذ لن يرى الطرفان صور بعضهما بعضا حتى بلوغهما المرحلة الأخيرة، وهو ما عدّه هدرا للوقت في حال لم يعجب أحدهما بالآخر في نهاية المطاف.
ولا يزال العديد من مستخدمي البرنامج يواجهون مشاكل تقنية، وذلك بعد أيام قليلة من إطلاق التطبيق، ويعزو مطوّروه المشاكل إلى الحجم الكبير للطلبات.
فهل سيتمكن تطبيق “همدم” -وهو أشمل برنامج للزواج في الجمهورية الإسلامية- من حل مشكلة 13 مليون عازب في البلاد؟ وهل سيسهم في وصول عدد السكان إلى 150 مليونا كما يهدف النظام؟ أم ينبغي البحث عن جذر مشكلة الزواج في مكان آخر؟