دول عربية تطبع مع إسرائيل، الأزمة الخليجية انتهت، المصالحة الفلسطينية تلوح في الأفق، تركيا تخفف من لهجتها تجاه خصومها.. هل يتعلّق الأمر ببداية مميزة لبايدن في الشرق الأوسط تعود أساسا لعمل إدارة ترامب في آخر أيامها؟
لا توجد ظروف أفضل في الشرق الأوسط بالنسبة للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن لكي يبدأ ولايته الرئاسية بأقلّ صداع رأس ممكن من منطقة الشرق الأوسط التي شغلت السياسة الخارجية الأمريكية على مدار عقود، فالأوضاع في المنطقة ليست هادئة تماما، لكنها ليست كذلك مشتعلة بالشكل الذي ميز حقبة سلفه دونالد ترامب.
وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء لسيث جي فرانتومان، المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليل، يقول هذا الأخير إنه “مع اقتراب تولي إدارة بايدن زمام الأمور، تقوم العديد من الاطراف المتحاربة بتخفيف من حدة نشاطها، في توقع لدور أمريكي أكثر نشاطا في المنطقة”.
مؤشرات إيجابية
ويصف المحلّل السياسي ما يجري في الشرق الأوسط حاليا بـ”حالة من الوفاق”، مشيراً إلى نهاية الأزمة الخليجية بعد عودة العلاقات بين قطر من جهة وبين دول المقاطعة من جهة ثانية، وكذلك إلى سعي تركيا لتحسين علاقاتها مع دول جمعها بها خصام شديد كاليونان وفرنسا من جهة، والدول التي تعلن الحرب على الإخوان كالسعودية والإمارات ومصر.
وحتى فيما يتعلّق بالنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، تلعب عدة قوى إقليمية كمصر والأردن وعالمية كفرنسا وألمانيا أدوارا من أجل عودة المحادثات المتوقفة بين الجانبين، كما يحيل الخبير على الانقسام الفلسطيني الذي قد ينتهي بعد إعلان السلطة الفلسطينية تنظيم انتخابات عامة، وترحيب حماس بهذه الخطوة وتأكيدها على أنها ستشارك فيها.
ويتوقع الكاتب في تحليله تحت عنوان “بايدن قام مسبقا بتهدئة الشرق الأوسط” أن تنضم دول عربية جديدة إلى التطبيع مع إسرائيل، بعد إعلان الإمارات والبحرين والسودان والمغرب إنشاء علاقات أو استئنافها مع الدولة العبرية، ويرجح أن تكون قطر وسلطنة عمان أبرز هذه الدول.
غير أن هذه المؤشرات لم تتحقق لوحدها، بل كانت لإدارة ترامب دور أساسي فيها، وهو ما لم يشر له الكاتب، إذ لعب جاريد كوشنر، مستشار ترامب وصهره دورا رئيسيا في إنهاء الأزمة الخليجية وفي تطبيع العلاقات بين دول عربية وإسرائيل، وإن كان الهدف الرئيسي لترامب من تحقيق هذا التقدم هو المزيد من عزل إيران، خصمه الرئيسي في المنطقة، وفق ما جاء في عدة تقارير أمريكية.
إنهاء لحقبة ترامب “الانعزالية”
تأتي هذه التطورات في مقابل “الاتجاه الانعزالي” الذي تبناه الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، وفق تعبير صاحب التحليل، الذي يرى أن رفع ترامب لشعار “أمريكا أولا” أدى إلى زعزعة استقرار العلاقات التقليدية للولايات المتحدة مع أوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والحلفاء في آسيا، والمواقف متعددة الأطراف بالنسبة للصراعات المختلفة في الشرق الأوسط.
ويستدل الكاتب على كلمة لترامب خلال لقاء مع الجنود الأمريكيين عندما قال “ليس من واجب القوات الأمريكية أن تحل النزاعات القديمة في أراض بعيدة لم يسمع عنها الكثيرون من قبل” كي يخلص إلى أن حقبة ترامب كانت “انسلاخا جذريا عن أسلوب “النظام العالمي الجديد” الذي تبناه الرئيس جورج بوش الأب، وهو الأسلوب الذي جعل واشنطن تلعبا دورا رئيسيا في نزاعات الشرق الأوسط.
غير أن تكلفة سياسة “التجاهل” الترامبية كانت باهظة، إذ أدت إلى “تفاقم حدة النزاعات” في الشرق الأوسط كما جرى في سوريا وغيرها من حروب المنطقة، كما كانت لطهران الحرية في تصعيد العنف في المنطقة ومن ذلك الهجمات ضد منشآت السعودية (عبر جماعة الحوثي في اليمن)، وفي الدعم المادي والعسكري للجماعات المسلحة في أكثر من بلد بالمنطقة وفق المقال ذاته.
وما قد يلعب لصالح إدارة بايدن أن شعوب في الشرق الأوسط تريد وحدة إقليمية واستثمارا في المستقبل بما يجلب الأمن والازدهار، وأنها ملت من الحروب وتريد فرصا للعمل والتعليم والرعاية الصحيةـ وفق ما يكتبه جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي-الأمريكي في مقال على “ذا ناشيون”، مستدلا على استطلاع رأي قام به المعهد. ويضيف أن على إدارة بايدن ألّا تعمل بمفردها، بل في إطار مجموعة خمسة+واحد (الدول الخمس دائمة العضوية مع ألمانميا) حتى تستطيع وضع ثقل ديبلوماسي وراء اللاعبين الإقليميين، فالأمر قد يكون له تأثير كبير على الوضع.
ماذا عن الأطراف الأخرى؟
خففت الأطراف المتحاربة في الشرق الأوسط من من حدة نشاطها، في توقع لدور أمريكي أكثر نشاطا في المنطقة حسب “سيث فرانتزمان” الذي يعمل في قسم تغطية شؤون الشرق الأوسط بصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، مضيفا أنه إن كانت الأعمال العدائية لن تنتهي طبعا، فإن مجيء بايدن قد “ينهي الانطباع بأنه من الممكن للدول استخدام أي وسيلة للحصول على ما تريده”.
وتوجد مؤشرات أخرى على دور أمريكي أكبر في الوساطة وتخفيف التوتر داخل الشرق الأوسط، ومن ذلك تعيين بايدن لمسؤولين يتمتعون بخبرة كبيرة في هذه المنطقة، لشغل مناصب وزارية رئيسية، كأنتوني بلينكين، المرشح لمنصب وزير الخارجية، فضلا عن أن بايدن يملك بدوره خبرات ديبلوماسية في المنطقة حسب الكاتب ذاته.
Read my article in @thenation “Biden Should Think Big in the Middle East”| The interconnected conflicts across the Middle East are the equivalent of a regional/world war. They should be addressed in an international conference under UN auspices. https://t.co/tAT1fMFhyg
— James J. Zogby (@jjz1600) January 12, 2021