في خطاب بعد إعلان فوزه بالرئاسة التركية، قال الرئيس أردوغان إن الديمقراطية التركية هي الفائز اليوم وأكد أنه سيتم تنحية الخلافات جانباً وأن الأتراك سيتحدون على القيم والأحلام الوطنية داعياً الأتراك إلى “الوحدة والتضامن”.
وخاطب أردوغان مؤيديه الذين احتشدوا أمام القصر الرئاسي قائلاً: “سنترك الخلافات السياسية جانباً وندعو إلى الوحدة والتضامن”، مؤكداً “ندعو إلى ذلك من كل قلبنا”.
وشكر أردوغان الشعب على مشاركته بالتصويت وقال إن الناخبين منحوه مسؤولية الحكم للسنوات الخمس المقبلة وأضاف: “الفائز الوحيد هو تركيا”. وأكد أن التضخم سينخفض مثلما انخفضت أسعار الفائدة.
وتابع في خطاب النصر إن إطلاق سراح صلاح الدين دمرداش، الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد غير ممكن في ظل حكمه.
ودمرداش مسجون منذ 2016 في انتظار محاكمته بتهم مرتبطة بالإرهاب ينفي ارتكابها.
“عودة طوعية للسوريين بشكل آمن”
وأكد أردوغان أن بلاده ستقوم بتأمين عودة مليون لاجئ سوري إضافي إلى بلادهم. ونقل موقع قناة “الجزيرة” القطرية تأكيد أردوغان في خطابه أن “العودة الطوعية إلى بلادهم بشكل آمن جزء مهم من سياستنا”، مشيرا إلى أن هناك تعاونا مع دولة قطر عبر مشروع سكني جديد سيؤمن العودة لمليون لاجئ سوري، بحسب ما ذكرت الجزيرة.
وتركيا هي أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم، حيث يوجد بها حوالي خمسة ملايين مهاجر، منهم 3.3 مليون سوري، وفقا لبيانات وزارة الداخلية.
ومدد أردوغان بقاءه في سدة الحكم في تركيا المستمر منذ عقدين بعد فوزه في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية اليوم الأحد (28 مايو/ايار 2023)، ليحصل على تفويض لمواصلة حكمه الذي أخذ منحى استبدادياً على نحو متزايد وأحدث استقطابا داخل البلاد لكنه عزز مكانتها كقوة عسكرية في المنطقة.
المعارضة تقر بالهزيمة
ووصف منافسه كمال كليجدار أوغلو الانتخابات بأنها “أكثر انتخابات غير عادلة منذ سنوات” لكنه لم يشكك في النتيجة. وعلى الرغم من خسارته، فقد أظهرت النتائج الرسمية أن كليجدار أوغلو فاز بنحو 47.9 بالمئة من الأصوات ، مما يشير إلى الانقسام الشديد داخل البلاد.
وقال كليتشدار أوغلو إنه سيواصل قيادة النضال وإنه خسر ما قال إنها “أكثر انتخابات غير عادلة منذ سنوات” في مواجهة الرئيس الحالي. وأضاف في تصريحات من أنقرة أن النتائج أظهرت رغبة الناس في تغيير الحكومة الاستبدادية. وعبر عن حزنه بسبب “المشكلات” التي ستواجهها تركيا.
كما هنأت ميرال أكشينار زعيمة الحزب الصالح التركي المعارض الرئيس على فوزه اليوم لكنها قالت إنها ستواصل مسيرتها كمعارضة.
وأضافت أكشينار في تصريحات من أنقرة أن النتائج أظهرت أن هناك درساً كبيراً يحتاج أردوغان إلى تعلمه، مشيرة إلى أنها تأمل في أن يكون أردوغان رئيساً لجميع الأتراك.
الانتخابات الأهم
كان يُنظر إلى الانتخابات على أنها واحدة من أهم الانتخابات في البلاد، إذ كانت المعارضة تعتقد بأن لديها فرصة قوية للإطاحة بأردوغان بعد أن تضررت شعبيته جراء أزمة تكاليف المعيشة.
ويمثل فوز أردوغان بخمس سنوات أخرى في الحكم ضربة قوية لخصومه الأتراك الذين يتهمونه بتقويض ديمقراطيتهم بشكل مطرد مع اكتسابه المزيد من السلطة، وهي تهمة ينفيها.
لكن فوزه يعزز صورته كزعيم لا يقهر بعد أن أعاد بالفعل رسم السياسة الداخلية والاقتصادية والأمنية والخارجية في الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي التي يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة ورسخ وضعها كقوة في المنطقة.
ولا يبدو أن فوز أردوغان يدق ناقوس الخطر في أنحاء الشرق الأوسط بعد أن كان توصل إلى تسويات مع عدد من الحكومات التي كان على خلاف معها.
احتفالات بالفوز
وتجمع المؤيدون عند مقر إقامته في إسطنبول انتظارا لفوزه بعد أن أشارت بيانات وكالتي الأناضول الرسمية وأنكا المعارضة للأنباء إلى فوزه مع فرز ما يقرب من 99 بالمئة من صناديق الاقتراع.
وجذب أردوغان، زعيم حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية، الناخبين بخطاب قومي ومحافظ خلال حملة شهدت خلافات وصرفت الانتباه عن المشكلات الاقتصادية العميقة. وردد أنصار أردوغان الذين تجمعوا أمام مقر إقامته في إسطنبول هتاف “الله أكبر”.
فوز أردوغان وبقاؤه رئيسا لتركيا – ماذا يعني للعالم العربي؟
فوز الرئيس التركي أردوغان بولاية ثالثة يطرح تساؤلات حول تأثير ذلك على العالم العربي. وفيما يتخوف البعض من “استمراره في استعراض قوته”، يرى خبراء أن بقاءه لم يعد يقلق الكثير من الدول العربية بعد المصالحات الأخيرة معها.
“فوز أردوغان بفترة رئاسية أخرى”، خبر كان من شأنه -ربما- أن يدق ناقوس الخطر في فترة من الفترات في كثير من الدول العربية، لكن بعد اتخاذ الرئيس التركي مواقف أكثر تصالحية في السنوات الأخيرة، يرى خبراء أن انتصاره في الانتخابات لن يثير قلقًا يذكر -على الأغلب- بالنسبة لغالبية تلك الدول.
طوال حكمه الممتد لعقدين، تبنى أردوغان سياسة إقليمية قوية واستعرض قوة تركيا العسكرية في الشرق الأوسط وخارجه، فشن عمليات توغل في سوريا أدت إلى الاستيلاء على جيوب حدودية فيها، كما أرسل قوات لمحاربة مسلحين أكراد في العراق ودعم قوات حكومة الوفاق الوطني في ليبيا وتحدى قوى أخرى في الشرق الأوسط.
لكن مع تعثر الاقتصاد التركي، عدّل الرئيس التركي نهجه وتوصل إلى تسويات مع منافسين مثل الإمارات والسعودية، لكن دون سحب القوات التركية على الأرض. وفي حين أن بعض الجماعات الكردية مازالت تعتبر أردوغان عدوًا، باتت معظم حكومات الشرق الأوسط تعتبر الزعيم التركي جزءًا من واقع راهن مقبول في منطقة مضطربة. وقال المعلق السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله: “دول الخليج تفضل الاستمرارية على التغيير.. فالشخص الذي نعرفه أفضل من الذي لا نعرفه”.
واختلف أردوغان مع الإمارات والسعودية ومصر بشأن دعمه للإسلاميين بعد الربيع العربي. كما ساءت علاقات أنقرة بالرياض في 2018 حين قتلت فرقة اغتيال سعودية الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول.
ترميم العلاقات مع الإمارات والسعودية ومصر
لكن مع انتهاء معظم الانتفاضات وضعف جماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء المنطقة، ومع مرور تركيا بأزمة اقتصادية، ضاقت شقة الخلاف بين تركيا والدول الثلاث إلى حد بعيد. وأصلح أردوغان العلاقات مع الإمارات في 2021 ومع الرياض في 2022 مقابل الحصول على الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية. ودشنت تركيا حملة دبلوماسية في 2021 تمخضت عنه زيارات رسمية وصفقات استثمارية في وقت أزمة عميقة للاقتصاد التركي. ووافقت السعودية على إيداع خمسة مليارات دولار في البنك المركزي التركي.
وقد ذكر أردوغان قبل جولة الإعادة بثلاثة أيام أن دولًا خليجية أرسلت في الآونة الأخيرة تمويلًا إلى تركيا، ما ساعد لفترة وجيزة في تخفيف الأعباء عن كاهل البنك المركزي التركي والأسواق، وتابع أنه يعتزم الاجتماع مع قادة تلك الدول وتوجيه الشكر لهم.
وتتحسن علاقات تركيا مع مصر أيضًا بعد سنوات من توترها بسبب معارضة أنقرة إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين عام 2013. وفي آذار/ مارس، زار وزير الخارجية التركي القاهرة للمرة الأولى منذ عقد.
وساعد هذا النهج التصالحي أيضًا على تهدئة الصراع في ليبيا، حيث كانت الإمارات ومصر قد دعمتا القوى المهيمنة على شرق البلاد في مواجهة حكومة طرابلس المدعومة من تركيا.
وفي ظل السلام غير المستقر منذ أن أنهت القوات التركية هجومها في الشرق عام 2020، أصبح لدى أنقرة الآن علاقات عبر خطوط المواجهة القديمة.
ويقول دبلوماسيون إن العلاقات الدافئة جعلت من السهل على الأطراف الليبية المتحاربة الالتزام بوقف إطلاق النار. وقال طارق المجريسي، الخبير في شؤون ليبيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية لرويترز: “الأمور تسير كالمعتاد (بعد الانتخابات) وستظل تركيا القوة المؤثرة التي يتطلع الجميع للعمل معها”.
أردوغان والأسد وقرع باب المصالحة!
حين بدأت الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، دعم أردوغان المعارضة وجهودها، التي باءت بالفشل لاحقًا، للإطاحة بالرئيس بشار الأسد. لكن مع عبور ملايين اللاجئين السوريين إلى تركيا وبعد أن أصبح للمقاتلين الأكراد وجود على الحدود، غيّر الرئيس التركي محور تركيزه. وعمل مع داعمتي الأسد الرئيسيتين، روسيا وإيران، لاحتواء الصراع في بعض الأحيان، بينما كان يرسل قوات إلى سوريا إلى جانب قوات المعارضة المسلحة لانتزاع السيطرة على الأراضي من الجماعات الكردية.
كما استضافت تركيا في ظل حكم أردوغان ما لا يقل عن 3.6 مليون لاجئ سوري يتزايد عدم الترحيب بهم وسط المتاعب الاقتصادية في تركيا.
وفي مناطق المعارضة بسوريا، حيث ساعد الدعم التركي في صد هجمات الحكومة السورية، أعرب البعض عن دعمهم لأردوغان خوفًا من أن ينهي كليجدار أوغلو دعم أنقرة العسكري ويعيد اللاجئين إلى سوريا.
وأعادت تركيا التي تدعم المعارضين المسلحين السوريين الاتصالات مع الأسد بتشجيع من روسيا. لكن الأسد رفض أي لقاء مع ما لم تنسحب القوات التركية من شمال سوريا، وهو ما يطرح تساؤلات عما إذا كان أردوغان سيقدم للأسد ما يريده.
ميادين + وكالات