محمد، مهاجر عراقي متواجد حالياً في مينسك، العاصمة البيلاروسية. حاول عبور الحدود باتجاه بولندا أملا بإكمال طريقه نحو إحدى دول غرب أوروبا. لم يتمكن ابن الـ20 ربيعا من اجتياز الحدود، وعاش تجربة قاسية للغاية تشارك بها مع مهاجر نيوز.
في شقة متواضعة في إحدى ضواحي العاصمة البيلاروسية مينسك، يقبع محمد ورفاقه خائفين، متوارين عن أنظار الشرطة، يحاولون عدم إصدار أي صوت قد يثير انتباه أحد من الجيران فيبلغ عن تواجدهم في الشقة.
“جمعنا كل ما تبقى لدينا من أموال، استأجرنا هذه الشقة بالأسود وننتظر”، يقول محمد (20 عاما)، المهاجر العراقي في بيلاروسيا.
لكن لماذا يعيش ورفاقه بهذا الشكل، وما الذي جاء بهم إلى مينسك؟
“قبل نحو ثلاثة أشهر، جئنا إلى بيلاروسيا من العراق بشكل شرعي. هدفي كان واضحا منذ البداية، الوصول إلى أوروبا. كنت قد سمعت عن ما يحصل مع المهاجرين على الحدود مع بولندا لكني لم آبه، كثيرون قالوا لي إن كل ذلك مجرد دعايات”.
كما أوضح خلال حديثه مع مهاجر نيوز، كان هدفه وهدف معظم من جاؤوا معه الوصول إلى أوروبا. المهربون في العراق رسموا لهم صورة وردية عن الظروف على الحدود، وأقنعوهم أن كل ما يجري هو عبارة عن دعايات لإقناع المهاجرين بعدم المجيء. “في المنطقة الحرام (بين حدود بيلاروسيا وبولندا) رأيت الجحيم”، في إشارة من محمد للمنطقة الفاصلة بين حدود البلدين.
“أمضيت هناك حوالي 30 يوما. البولنديون أخذوا جوازات سفرنا، أموالنا، أغراضنا الشخصية… ضربونا وأهانونا ثم طردونا باتجاه الحدود البيلاروسية”.
يصف المهاجر العراقي القادم من النجف ظروفا معيشية سيئة للغاية في تلك المنطقة، “هناك أكثر من 500 شخص، من بينهم عائلات وأطفال. الجميع في العراء وما من مساعدات تصلهم…”.
وفقا لمحمد، معظم المهاجرين المتواجدين حاليا في تلك المنطقة هم “من السوريين، ثم اليمنيين ثم المصريين ثم العراقيين. هناك جنسيات أخرى من أفريقيا ودول آسيوية”.
لحظة صمت قصيرة سادت الهاتف قبل أن يكمل حديثه، “لن أنسى السوريين الثلاثة”.
ثلاثة مهاجرين قضوا تحت الضرب
“المشهد الذي أرعبني وأقض مضاجعي حتى يومنا هذا كان مقتل ثلاثة مهاجرين سوريين على أيدي البولنديين. الثلاثة قتلوا تحت الضرب، أحدهم مريض بالسكري لم يحتمل جسده كل تلك الضربات فانهار. الآخر قضى اختناقا من غاز الفلفل، كان مطرحا أرضا ويترجى رجال الشرطة أن يتوقفوا، استمروا برشه حتى مات. أما الثالث فكان يحاول الهرب منهم، بسبب الضرب المبرح خسر توازنه ووقع عن جسر خشبي مطل على واد صخري. كل ذلك حصل بغضون دقائق قليلة، أنا كنت هناك، لم أصدق عيناي. بعد قليل جاءت سيارة تابعة للأمن، حملت الجثث الثلاث وانطلقت، لا أعلم إلى أين”.
ما من أحد تمكن من عبور الحدود إلى بولندا، وفقا لمحمد، كل من يصل الحدود “يعود للجهة البيلاروسية. أنا وأصدقائي أعادونا بعد الضرب، البيلاروسيون لم يستقبلونا بالورود، منعونا من العبور أيضا، ضرب وإهانات، وأطلقوا علينا الكلاب البوليسية”.
“لم أجد جهة تساعدني”
استمر المهاجر الشاب على تلك الحال أكثر من 24 يوما، إلى أن تمكن وآخرين من التسلل إلى السياج الحدودي البيلاروسي، وحفر خندق من تحته للعبور للجهة الأخرى، “لم يكن أمامنا خيار آخر، حفرنا وعبرنا. سرنا مسافة أكثر من 20 كلم حتى وصلنا طريقا عاما. أوقفنا سيارة أجرة أخذتنا إلى مينسك. سائق السيارة ساعدنا في إيجاد المنزل الذي نحن فيه الآن”.
طلب سائق الأجرة مبلغا كبيرا من محمد، واشترط عليه البقاء هناك بسرية تامة، وإلا فستأتي الشرطة لاعتقالهم جميعا. “هذا ما لا نريده، لا نريد أن يتم ترحيلنا إلى العراق، أنا لا أريد ذلك، مستعد لطلب اللجوء هنا أو في روسيا حتى. المشكلة أنه ما من جهة أو منظمة أستطيع التواصل معها بهذا الشأن. أبحث بشكل دائم عن مساعدة هنا في بيلاروسيا لكن دون فائدة”.
ميادين – مهاجر نيوز