بين البابا والسيستاني والمتشرد وجاسم الحلفي

ما أن تمر في منطقة الكرادة وخصوصا بالقرب من كنيسة سيدة النجاة وصولا إلى ساحة التحرير مرورا بكهرمانة والفردوس حتى تشاهد الشوارع النظيفة والمصبوغة وأنواع الورود التي تزين الجزرات الوسطية والأرصفة، في سابقة لم يتعود سكان بغداد على مشاهدتها، فلأول مرة منذ عقود نشاهد شوارع نظيفة وخالية من الإرباك حيث عملوا على إزالة كل البسطيات والجنابر على جانبي الطريق الذي من المقرر أن تطأه قدمي البابا أو ربما يقع نظره عليه.

بالمقابل فأن القائمين على استقبال البابا صرفوا ملايين الدولارات على هذه الحملة، من عمليات رفع صور عملاقة على البنايات وفي التقاطعات. مرة تجمع السيستاني مع البابا وأخرى للبابا لوحده وثالثة للمرجع بدون البابا ومكتوب مع هذه الصور عبارات تعبر عن إن المنقذ للبشرية هم رجال الدين والأمل الحقيقي للبشرية. في محاولة لإعادة إنتاج المنظومة الدينية الطائفية في العراق، والتي اهتزت كثيرا بفعل التحول الاجتماعي الذي خلقته انتفاضة أكتوبر، فالبابا ومن معه يعلمون جيدا، ان رجال الدين والمرجعيات كانوا اهم الداعمين للحكومات المتعاقبة، التي جاء بها الاحتلال الأمريكي والتي نهبت وقتلت وهجرت وأفقرت الملايين من المواطنين.

فات القائمين على حملة استقبال البابا والترويج له، معالجة حالة المتشرد العجوز الذي افترش الرصيف بالقرب من ساحة كهرمانة، والذي لا يغطي جسده غير أسمال بالية وبالقرب منه كومة من الخبز اليابس، في حالة صارت معتادة في مختلف ساحات وشوارع بغداد، وهذا المتشرد المسكين ليس سوى واحد من الآلاف بل الملايين الذين يعيشون بلا مأوى أو في منزل من الصفيح لا يصلح حتى لعيش الحيوانات، وفي أفضل الأحوال في مدن كاملة بلا ماء أو كهرباء أو خدمات أخرى.

رافق زيارة البابا إلى العراق حملة إعلامية منقطعة النظير، فالكل مشغول بوصوله… القنوات الفضائية والإذاعات والصحف ومواقع التواصل جميعها تطبل وتهلل لمجيء المنقذ! وكأننا سنعيش بعد هذه الزيارة برفاهية ورغد وستنتهي الطائفية ونطوي صفحة الأمية والبطالة، ولن نشاهد مقتدى الصدر أو قيس الخزعلي أو محمد الكربولي بما تبقى من أعمارنا التي حولوها إلى بؤس ورعب ومرض.

ان احد الشيوعيين وهو الرفيق جاسم الحلفي انبرى مدافعا بشراسة عن هذه الزيارة المسرحية، كاتبا على صفحته في الفيس بوك ان زيارة هذه الشخصية “الأسطورية اليسارية” يجب التعويل عليها كثيرا، مؤكدا إن البابا تابع ما يجري في العراق من أحداث وخصوصا انتفاضة أكتوبر، وانه سيوصل رسالة بالضد من السلطة، ولا ندري كيف للرفيق جاسم التفكير بهذه الطريقة وهو يعلم جيدا إن البابا جاء وعلى رأس جدول زيارته إلى العراق لقاء السيستاني الذي يعد راعي النظام في العراق!! ويغيب العجب ان رجعنا قليلا الى الوراء ونحن نشاهد الرفيق وهو يدافع عن احد اقطاب الحرب الطائفية بل والدخول معه في قائمة واحدة للانتخابات السابقة.

إن خلاص الجماهير هو في جزء مهم منه، الخلاص من مروجي الخرافات ومخدري الشعوب الذين مارسوا طوال قرون من الزمان دور الداعم والمجمل لأفعال الأنظمة التي تستغل وتسرق الشعوب عن طريق هيمنة فئة قليلة على مقدرات الأكثرية، فالجماهير الرافضة لهذا النظام أخذت تتندر حول هذه الزيارة التي لن تخدم سوى بقاء النظام لأطول فترة ممكنة، وأخذت صفحات المواطنين والناشطين تطالب البابا المرور بمدن مثل الحسينية وحي طارق في الثورة ومناطق ما يسمى بالحواسم التي يسكنها ثلاث ملايين إنسان بحسب احصائية وزارة التخطيط ، في إشارة إلى خلو هذه المناطق من ابسط شروط العيش بينما الشوارع المنسية والتي من المقرر مرور البابا عليها تم تبليطها في حركة مسرحية تعطي صورة ايجابية عن الواقع في البلاد كما حدث في الناصرية والموصل.

جلال الصباغ

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

مظاهرات الجامعات الأميركية.. مراجعة وعِبَر

يتظاهر طلبة أميركا مطالبين بالحرية لفلسطين، ووقف ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية واستلاب للحقوق منذ 76 عامًا وتتوسع مظاهراتهم إلى أوروبا وغيرها، ولا تجد لها صدى في بلدان وجامعات المَوات العربي. فإلى أي مدى تفيد تلك المظاهرات في الزمان والمكان في نصرة فلسطين، وتغيير السياسات الإمبريالية الأميركية المنحازة للكيان الصهيوني انحيازًا تامًا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
28 − 4 =