أقرت الحكومة المصرية قانونًا جديدًا لـ”لجوء الأجانب”، مع إعلان القاهرة استضافتها لـ9 ملايين لاجئ، وسط تعالي أصوات بين المصريين مناديةً بعودة السوريين خصيصًا إلى بلادهم بعد أصبحوا عبئًا، لكن هل بالفعل ينهك السوريون الاقتصاد المصري؟
في 8 حزيران/ يونيو 2023 أقرت الحكومة المصرية، مشروع قانون ينظم اللجوء، بالإضافة إلى إنشاء لجنة لإدارة شؤون اللاجئين، وذلك بهدف إجراء حصر رسمي لأول مرة عن أعداد اللاجئين في مصر لبحث أوضاعهم خلال عام من إقرار اللائحة التنفيذية للقانون، ولإعداد قاعدة بيانات معلوماتية دقيقة عن أعداد اللاجئين في مصر وجنسياتهم وسبب اللجوء، بما يسهم في تقديم الدعم والمساندة للمستحقين، وفي الوقت نفسه سداد مستحقات الدولة عن الخدمات والموارد التي تقدم لهم.
ونص مشروع القانون على أن يلتزم اللاجئون وطالبو اللجوء بتوفيق أوضاعهم طبقا لأحكام هذا القانون خلال سنة من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية به، بينما تكون “اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين الجهة المهيمنة على كافة شؤون اللاجئين بما في ذلك المعلومات والبيانات الإحصائية الخاصة بأعدادهم.
فالمنظمة الدولية للهجرة قدرت في عام 2022، أعداد المهاجرين الدوليين الذين يعيشون في مصر بـ9 ملايين شخص من 133 دولة، يتصدرهم السودانيون بـ4 ملايين مهاجر، والسوريون بـ1.5 مليون، واليمنيون والليبيون بمليون مهاجر، لكن معظم المهاجرين الذين يعيشون بمصر غير مسجلين بصفة لاجئين، خاصةً السوريين منهم والسودانيين.
تزايد خطاب الكراهية بمصر.. والسوريون في مرمى النار
منذ العام الماضي، يتعرض الاقتصاد المصري لضغوط شديدة مع انخفاض قيمة الجنيه وشُحّ العملات الأجنبية وارتفاع التضخم، ما جعل الأصوات من بعض المصريين تطالب بإعادة النظر في آلية التعامل مع اللاجئين وبخاصة من الجنسيتين السورية والسودانية، ورغم أن العديد من الحسابات التي تتحدث عن رفضها لوجود اللاجئين في مصر لا تحمل أسماء مستخدمين حقيقين، إلا أن تغريداتها وجإذ ألقى مصريون باللوم على اللاجئين بارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع في الأسواق، وارتفاع أسعار العقارات والإيجارات، معتبرين أنهم يضغطون على موارد الدولة ويتسببون بنقص العرض وزيادة الطلب في السوق.
نادى آخرون، وبشكل صريح ومباشر اللاجئين السوريين بمغادرة مصر، بدعوى “أنهم يشكلون عبئاً كبيراً عليهم”، مرجعين ذلك إلى “تصرفاتهم السلبية” على حد تعبيرهم، واشتكى آخرون من حالات احتكار يعانون فيها في القطاع الزراعي مع تجار سوريين.دت تفاعلًا من قبل العديدين بمصر.
بينما كانت مطالبات البعض بعدم استقبال اللاجئين مدفوعةً بأسباب قومية للحفاظ على هوية مصر وأمنها، وذهب البعض الآخر أبعد من ذلك، معتبرين أن السوريين يشكلون خطرًا كبيرًا على مصر.
لكن هل السوريون مشكلة حقيقية على الاقتصاد المصري؟
منذ عام 2011، استقبلت مصر مئات الآلاف من السوريين، كان بقاؤهم القانوني في مصر وفقًا لأربع طرق إدارية رئيسية، كالحصول على تأشيرة سياحية تجدد كل ثلاثة أو ستة أشهر، أو الحصول على تصريح عمل، أو الحصول على تصريح طالب، أو التسجيل كلاجئين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وبحسب دراسة بعنوان: “رجال الأعمال والمستثمرون السوريون في مصر وعلاقاتهم بسوريا”، الصادرة عن مركز روبرت شومان الأوروبي، فإن السوريين الحاصلين على تأشيرة سياحية أو تصريح طلب، لا يمكنهم الوصول لخدمات معينة كالقدرة على فتح حسابات مصرفية وتسجيل أرقام الهواتف المحمولة بأسمائهم، بينما يعتبر الحصول على تصريح عمل للأجانب، والذي يمكن إصداره لمدة عام أو أقل، أمرًا شاقًا إلى حد ما.
بينما لا يمكن للسوريين المسجلين كلاجئين بمصر لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، والذين قدر عددهم عام 2022 بنحو 144000 لاجئ مسجّل، الحصول على تصاريح إقامة، وبالتالي لا يمكنهم الحصول على تصاريح عمل.
رغم ذلك يعمل في مصر نحو 30 ألف مستثمر سوري، أكثر من نصفهم مصنعون، استثمروا في قطاعات اقتصادية متعددة، من الصناعات التحويلية إلى قطاع الخدمات، يعمل لديهم عشرات الآلاف من المصريين، إذ عادة ما توظف الشركات السورية الصغيرة أقل من 10 موظفين والشركات متوسطة الحجم لديها ما بين 10 و50 موظفًا. الفئة الثانية تضم أصحاب الأعمال الكبيرة، والتي توظف في المتوسط أكثر من 50 فردًا، ويشترط على هؤلاء ضمان ألا يشكل الأجانب أكثر من 10٪ من إجمالي عدد الموظفين في مشروعهم الاستثماري وألا يتنافسوا مع المصريين على فرص العمل.
بينما وبحسب صحيفة الجمهورية أشارت التقديرات أن 80% من المعامل السورية التي افتُتحت خارج البلاد منذ العام 2011 تركّزت في مصر، خاصةً معامل النسيج، فيما قدرت الاستثمارات السورية في مصر بين عامي 2011 و2018 بنحو مليار دولار أمريكي، ويرجح أن يكون المبلغ أكبر إذ أن معظم الاستثمارات السورية مسجلة باسم مواطنين مصريين بسبب الصعوبات الإدارية.
ماذا لو أعيد السوريون من مصر؟
خلال مؤتمر “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” الذي عقد في العاصمة البلجيكية بروكسل، في 15 حزيران/يونيو 2023، قال السفير المصري ببروكسل بدر عبد العاطي إن مصر تستضيف نحو مليون مهاجر سوري وهم يحظون باستقبال كريم، مشيرا إلى أن مصر لا تعتبر السوريين لاجئين، وتابع “لدينا نهج بالتعامل مع السوريين بقدر من المساواة مع المواطن المصري.. مسألة اللاجئين السوريين تحتاج لعناية من قبلنا وجهد كبير للحل ثمة حاجة لحل شامل يقوده السوريون بالوصول إلى تسوية سياسية وفقا لقرار مجلس الأمن 2254”.
بينما تعهد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية ومانحون دوليون بتقديم 9.6 مليار يورو للشعب السوري والدول المستضيفة للاجئين السوريين، بختام المؤتمر.
لكن بحال لم يتم التوصل لحل سياسي قريب في سوريا، ومع ارتفاع خطاب الكراهية غير المرحب بالسوريين يتوقع أن يتوجه عددٌ منهم إلى طرق غير شرعية للوصول إلى أوروبا، إذ ذكرت تقارير حديثة عن توقيف 9 أشخاص يحملون الجنسية المصرية يشتبه بأنهم مهربون في اليونان، بينهم قبطان مركب المهاجرين الذي غرق قبالة السواحل اليونانية، منذ أيام، وأسفر عن مصرع المئات، بينهم سوريون.
المصدر: مهاجرنيوز