المغرب: الانتخابات والأزمات الداخلية والخارجية

أشرنا في مقال “الانتخابات المغربية رموز وقشور.. واستمرار في هدر الموارد و الفرص..”على أن المغرب أمام منعطف تاريخي خطير ردة حقوقية، وتراجع عن المكتسبات التي إعترفت بها الدولة المغربية بعد حراك 2011، تدهور إقتصادي و أزمة إقتصادية خانقة مؤشراتها ارتفاع نسب البطالة و الفقر ، و يكفي كمؤشر لوضع المغرب إقدام الشباب المغربي على ركوب قوارب الموت هروبا من بلاده و مشهد سبتة ليس ببعيد عن الأذهان..

و تبعا لذلك، فإننا نعتقد بأن إخراج البلاد من أزماتها الداخلية و الخارجية، لا يمر قطعا من بوابة الانتخابات بمفهومها الحالي ، و إنما المدخل بنظرنا هو القطيعة مع النموذج المعتمد منذ الاستقلال في تدبير قضايا الوطن مركزيا و جهويا ، و إبعاد الإدارة البيروقراطية و الأسلوب الأمني عن إدارة الشأن التنموي. فمحاربة الفقر و البطالة و الهشاشة الاجتماعية لا تتحقق باستعمال “الهراوة” و القبضة الأمنية، و تكميم الأفواه ، كما لا تتحقق بالشعارات الانتخابية ، وإنما تتحقق بتنفيذ إصلاحات جذرية وجادة ..وبصفتي أحد خبراء التنمية و خاصة بالصين و شرق أسيا ، يمكن لي بكل تواضع المساهمة في صياغة خارطة طريق لإخراج البلاد من أزماتها بعيدا عن المزايدات الانتخابية و الوعود الزائفة..

ففي ظل الأزمة الداخلية الخانقة التي تعيشها البلاد منذ انطلاق حراك الريف 2016، والتي تعمقت بفعل جائحة كورونا و ارتفاع عدد الوفيات، و انهيار المنظومة الصحية المتهالكة أصلا، و في سياق الأزمات الدبلوماسية المتلاحقة و التي تعيشها البلاد مع بلدان الجوار، و تصعيد الجزائر لموقفها العدائي ضد المغرب ، و إعتبار المغرب جار مصدر تهديد.. في هذا السياق العام المتأزم، البلاد في حاجة للوحدة و التكتل وتحقيق المصالحة بين الشعب و النظام السياسي، والسعي نحو صياغة عقد إجتماعي جديد أهم بنوذه :

أولا-ضرورة تحقيق مصالحة سياسية والاعتراف بأن الاحتجاجات السلمية التي عمت البلاد منذ حادث طحن محسن فكري، احتجاجات مشروعة و بأن المعالجة الأمنية الخاطئة فجرت الأوضاع وزادت من حدة تأزمها، و الإعتراف بأن نقطة البدء في أي انفراج سياسي هو الاعتراف بحرية الرأي و التعبير و الاحتجاج، و ضمان حرية الصحافة و حرية الرأي المعارض… فالركن الأساس في البناء الديموقراطي احترام حرية الرأي والتعبير، و تصفير السجون من معتقلي الاحتجاجات السلمية ورد الاعتبار لسلطة النقد و المساءلة.. وبعد ذلك لكل حادث حديث.. و”الحكم على الشيء فرع عن تصوره”..

ثانيا – بعد تحقيق هذا البند يمكن المرور لجوهر الموضوع، بمعنى الرجوع إلى مشكل ضعف الأداء التنموي و الفشل في تحقيق التنمية الفعلية، هذا الضعف التنموي هو السبب في اندلاع الاحتجاجات الشعبية طيلة الولاية التشريعية التي نحن بصدد توديعها، هذا الضعف التنموي هو الذي أخرج “الزفزافي” وغيره للإحتجاج، ألم تكن مطالب حراك الحسيمة بناء مستشفى لعلاج السرطان وجامعة لتعليم الشبات و مصانع ومشاريع لتشغيل العاطلين…وتبين لنا بأن هذه المطالب هي نفسها التي تم الحديث عنها في أكثر من خطاب ملكي وفي تقرير النموذج التنموي، ونبه إلية بوضوح والي بنك المغربي في تصريحه الشهير المعروف إعلاميا بأحزاب “الباكور و الزعتر” معتبرا أن أزمة الثقة هي المشكل الأساسي للعزوف الانتخابي”، وأن الكل الآن يستنجد بالتدخل الملكي سواء مغاربة الخارج أو القطاع السياسي لحل كل أنواع المشاكل”..

والجدير بالإهتمام، أن سقف الاحتجاجات طيلة الفترة الماضية و منذ حراك 20 فبراير 2011 ، اتجه صوب الدعوة لإسقاط الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية السيئة، لكن إذا إستمر الوضع على ماهو عليه، فإن سقف المطالب سيرتفع حتما و سيتجه نحو المطالبة بإسقاط النظام و تجربة تونس ومصر والجزائر والسودان نموذج..

ثالثا- المدخل الطبيعي لحل هذه الأوضاع لا يتم عبر إجراء انتخابات دورية و مؤسسات شكلية ، وإنما بضرورة القطيعة مع النموذج المعتمد منذ الاستقلال في تدبير قضايا الوطن على المستوى المركزي والمحلي، و إبعاد الإدارة البيروقراطية و الأسلوب الأمني في تدبير قضايا التنمية …فمحاربة الفقر و خلق فرص الشغل لا تتحقق بإستعمال الهراوة و القبضة الأمنية ، ولا تتحقق بالشعارات الانتخابية ، و إنما بضرورة القيام بإصلاحات جذرية وجادة، و كقاعدة للانطلاق يمكن التوافق بين جميع مكونات الشعب المغربي على الرؤية الملكية والنموذج التنموي وتعميق النقاش العام حولهما بمشاركة جميع مكونات الشعب المغربي، وعرض هذه الرؤية لإستفتاء شعبي وليكن “الميثاق الوطني من أجل التنمية”..!!

فالإختلالات الكبرى في المغرب لها صلة بفشل الإدارة السياسية وضعف أداءها إلى جانب انحراف السياسات وتحيزها للأقلية بدل الانحياز للغالبية، هذا إلى جانب ضعف الشفافية وغياب المساءلة والمحاسبة، فالبلاد تعرف فسادا إداريا وماليا فاحشا، إلى جانب سياسات توزيعية سيئة وتجعل ثمار النمو على ضعفه حكرا على القلة، كما أن ثروات البلاد تجد طريقها لحسابات وجيوب المسؤولين بدل أن تكون أداة للتنمية، و إشباع حاجيات الأغلبية لذلك فإن الحديث عن القطاع الخاص و الإستثمار و رفع معدلات النمو و تحسين الصادرات ورفع القيمة المضافة لا يستقيم في ظل هذه الأوضاع..و تفاديا للإطالة سنحاول تفصيل ذلك في مقال موالي إن شاء الله تعالى …والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون..

طارق ليساوي – إعلامي و أكاديمي متخصص في الإقتصاد الصيني و الشرق ٱسيوي/ أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة – موقع لكم

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

انتخابات الرئاسة في تونس 2024: هل تعكس تنافساً حقيقياً أم إنها “مجرد إجراء شكلي”؟

تونس مهد "الربيع العربي" تواجه أزمة اقتصادية ومخاوف من تراجع إنجازات الثورة على صعيد الديموقراطية والحريات، أمام تشبت قيس سعيّد بالسلطة وبما يسميه بـ"مهمة إلهية" لإنقاذ تونس وفق تصوره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
26 + 25 =