تأسيس بيت الفلسفة بالإمارات العربية المتحدة وجمعية فلسفية سعودية في الرياض ومبادرة يلا نتفلسف في الأردن ومؤتمر الفلسفة في المملكة العربية السعودية وقبلهما تأسيس تجمع الفلاسفة العرب في ليبيا والمجمع الفلسفي العربي في بغداد ونشاط فلسفي شبه يومي في الجزائر وتونس والمغرب العربي وفي أم الدنيا تعقد الجمعية الفلسفية المصرية مؤتمرها الحادي والثلاثين بعد غدا السبت في جامعة القاهرة بعنوان بالغة الدلالة والأهمية الفلسفة والمستقبل. ماذا يعني هذا؟
إنه يعني استئناف الدهشة والشغف الجديد والشغف الجديد هنا؛ يعني الفلسفة تحديدا وقد استعادة عافيتها وعادت للتألق.. إن الفلسفة تعيش اليوم حالة انفجار لانها تفتقد إلى مرتكز ثابت وإلى منطقة قابلة للكشف ومع ذلك لاتزال هي الطريق الصحيح للتفكير العقلاني في العالم اذا اردنا أن يكون لوجودنا معنى ان نتجاوز التزمت الغريزي والتعصب الانفعالي، المدمر للعقل .فلا تنوير بلا فلسفة ولا تعايش وتسامح بدون حوار فكري فلسفي عميق، فهل ادركنا اهمية الفلسفة؟ والفلسفة حوار مفتوح، حوار بين الأفكار والآراء حوار بين الذات والآخرين، حوار بين الشعوب والثقافات، حوار خصب غايته البحث عن الحقيقة والمعنى في عالم يكتنفه الغموض والفوضى واللامعنى أنها حكمة الشعوب التي تروي ملحمة المغامرة الانسانية وصيروتها على هذه الأرض.
ويكفي الفلسفة فخراً وسمواً أن معناها الحرفي هو«محبة الحكمة» «فيلو» حب «وسوفيا» الحكمة وهي إذ جمعت في بنيتها العميقة بين الحب والحكمة فإنها حميمية الصلة بالانسان أنها وليدة اقتران القلب والعقل ثمرة الزواج المقدس بين أقوى وأنبل عاطفة انسانية «الحب» وأسمى وأجل مزية تميز بها الانسان عن الحيوان العقل «الحكمة» وفعل «أحب» اليوناني يعني وافق وانسجم أو تكلم بلغة العقل.
وإذا كانت الفلسفة ربيبة الدهشة بحسب أفلاطون فما هي الدهشة ؟ هي حالة شعورية تنتاب الكائن الإنساني في لحظة مباغته من تأمُّل العالم على نحو قصدي أشبه بقدح زناد الوعي المتسائل الحائر بإزاء ظواهر الوجود والحياة والموت.
الدهشة حالة اغتراب الوعي الشقي، وكما كتب الفيلسوف العربي أحمد نسيم برقاوي ” يعيش المثقف عادة حال الاغتراب الذي لا يفارقه طوال حياته الإبداعية. بل قُلْ إنَّ الاغتراب هو أسُّ التجربة الكتابية لمثقف أوتي أيَّ حظ من موهبة الإبداع. وآية ذلك أنَّ المثقف هو دائمًا ابن الممكن المتجاوز للواقع، ولهذا فهو يعيش تجربة المايجب أن يكون على نحو مستمر، يعيش تجربة التناقض بين أحلامه وآماله وواقعه، ويُعبِّر عن هذا التناقض في الفن والأدب والفلسفة، بوصفه مُتمرِّدًا، والتمرُّد هُنا هو التعيُّن الحقيقي لاغتراب المثقف”.
نَعَم، الدهشة لا تأتي إلَّا في لحظة اغتراب الكائن، إذ تجعله يرى العالم عن بُعْد بعكس القرب المُدْمَج، فأكثر الأشياء قُرْبًا مِنَّا هي أكثرها بُعْدًا عن فهمنا! فالغارق بالبحر لا يراه والغاطس في الغابة لا يراها، وكلما ابتعدنا مسافة عن الأشياء التي تغرقنا كلما استطعنا رؤيتها بوضوح أكثر وتمكنَّا من تقيمها وتقديرها كما هي عليه بالواقع لا كما نُحبُّها أن تكون! لذا قيل إنَّ الحُبَّ أعمى! لأنَّ المُحبِّين يقتربون من بعضهم حَدَّ الالتصاق والتوحُّد بما يجعلهم عميانًا عن رؤية بعضهم واكتشاف المميزات والعيوب.البعد يكشف والقرب يعمي. إنَّنا نحتاج إلى الفلسفة لكي نستطيع رؤية الاشياء التي نعيشها كل لحظة في حياتنا بحسب (روسو).
والدهشة ليست مُجَرَّد تعجُّب، بل هي أشبه بالكشف والانكشاف، وهي بحسب (جان جرش) في كتابه “الدهشة الفلسفية” لحظة مفارقة في حياة الكائن يتفتح عقله لاستقبال إشارات الحقيقة سواء كانت تلك الحقيقة مرتبطة بالماديات أو بالإلهيات، فالإنسان العارف هو الذي يكون مندهشًا من أبسط وأقل الأشياء الموجودة في العالم، لأنه يرى الأشياء بمنظار الاندهاش، وهذا الاندهاش هو الذي يلهمنا لعبة التساؤل وسط غموض المعنى وصخب الحياة وتمظهراتها الحسية الانفعالية. وهكذا تعاود الفلسفة الحضور في كل عصر من العصور.
لقد كانت الفلسفة لدى اليونان( ومازالت) هي الباثوث pathos، أي الاحساس الانفعالي المفرط الذي يحرك الانسان اندهاشاً نحو التساؤل الحر وكشف المعاني العميقة للحياة. والطفل من تلك الناحية لا يستنكف اندهاشاً متكرراً يأتيه كالبرق طوال الوقت ولو حدث مئات المرات تلو المرات. فليس يوجد كلل ولا ملل لدى الطفل من مشاهدة العالم كما لو لم يره من قبل. الدهشة الفلسفية الطفولية تعد حدثاً، موقفاً حياً، انتاجاً طازجاً حول الأفعال وردود الأفعال.
وليست الدهشة فكرة صورية وجدت موضوعها اتفاقاً في هذا العالم التلقائي. لأن كل دهشة من هذا القبيل تلتقط دلالتها من رحم المعضلات التي تواجه الفكر. وبهذا تتميز تلك الدهشة بالأصالة الإنسانية. لكن: كيف سيجري ذلك الوضع، وما هي تداعياته لدى الأطفال؟