العدالة الانتقالية في تونس.. مطالب الضحايا تغيبها تجاذبات السياسة

أيام قليلة وتمر سنة على نشر التقرير الختامي لهيئة “الحقيقة والكرامة”، وهي الهيئة الدستورية المستقلة المعنية بملف العدالة الانتقالية في تونس، حيث يعتبر كثيرون أن هذا الملف شهد عثرات وتأثر بتجاذبات سياسية، جعلت مطالب أغلب المتضررين معلقة إلى اليوم.

تزامنا مع ذلك، تتفاقم التحركات الاحتجاجية لآلاف ضحايا عهود الاستبداد التي عاشتها البلاد لعقود، للمطالبة برد الاعتبار لهم لما عانوه من ظلم وقهر وتعذيب داخل السجون وما خلفه ذلك من تأثيرات سلبية على حياتهم اليومية وعائلاتهم.

وينص الفصل 70 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية: “على الحكومة، وخلال سنة من تاريخ صدور التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة، إعداد خطة وبرامج عمل لتنفيذ التوصيات والمقترحات التي قدمتها الهيئة”.

كما يدعو القانون لتقديم هذه الخطة إلى “لجنة برلمانية خاصة تستعين بالجمعيات ذات الصلة”، من أجل القيام بعملها.

وفي 24 يونيو/ حزيران من العام الماضي، نشرت رئاسة الحكومة التونسية التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة في الجريدة الرسمية.

ومن التوصيات التي جاءت في التقرير، القيام بالإصلاحات الضرورية لضمان عدم تكرار الانتهاكات، وضرورة جبر الضرر (التعويض) للضحايا، وحفظ الذاكرة الوطنية وحماية المساءلة القضائية ومن ثم المصالحة مع التاريخ والدولة.

وانطلق في تونس مسار العدالة الانتقالية ببدء هيئة الحقيقة والكرامة (دستورية مستقلة) مهمتها، حيث أنشئت بمقتضى قانون صادر في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2013، يتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها.

مكاسب رغم العثرات

كاتب عام “شبكة العدالة الانتقالية” (مستقلة) حسين بوشيبة، اعتبر أنه “رغم تعثر مسار العدالة الانتقالية فإنه تم تحقيق بعض المكاسب، أولها صدور التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة وتوصياتها في الجريدة الرسمية”.

وأضاف بوشيبة للأناضول: “كما أن العدالة الانتقالية أصبحت واقعا ومسألة ملزمة للدولة (..) وهناك مكسب آخر تحقق ويتمثل في صدور قائمة شهداء وجرحى الثورة التونسية التي ضمت 129 شهيدا، و 634 مصابا”.

وأفاد بأن “إرادة السلطات في تفعيل مطالب العدالة الانتقالية ضعيفة خاصة مع ما تعيشه البلاد من تجاذبات وأزمة سياسية وجائحة كورونا”.

بدوره، يقول عبد الحميد الطرودي، المتحدث باسم “اللجنة الوطنية لضحايا الاستبداد” (مستقلة): “كضحايا استبداد استبشرنا خيرا من الثورة التونسية وأملنا بأن يكون ملف العدالة الانتقالية من أولويات الحكومات المتعاقبة ولكن وجدنا العكس”.

واعتبر الطرودي أن “هذا الملف شهد عثرات كثيرة ولم يكن له حظوة لأنه أُخضع للتجاذبات السياسية (..) ذلك أن الأحزاب الموالية للثورة لم تكن لها إرادة سياسة لجعله أولوية”.

وزاد: “لا بد أن يحظى ملف العدالة الانتقالية بالأولوية لدى الحكومة فذلك يعتبر إشارة منها تتضمن رد اعتبار للضحايا الذين يعانون من مخلفات الاستبداد إلى غاية اليوم بأنهم من أولويات السلطات”.

مهلة على وشك الانتهاء

وذكر الطرودي، أن “البلاد على موعد مهم يوم 23 يونيو (حزيران الجاري) وهو تاريخ انتهاء الآجال القانونية لتقديم الحكومة برنامج عمل يجسد كيفية تفعيل توصيات هيئة الحقيقة والكرامة”.

وتابع أن “البرلمان ملزم بتشكيل لجنة خاصة لمناقشة هذا البرنامج تعمل بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني لمناقشة وتفعيل تلك التوصيات”.

وأردف: “في هذه المرحلة وبعد أن أوشكت المهلة الممنوحة للحكومة على الانتهاء لتستعد وتعد ورقة عمل وتصور لكيفية استكمال إدارة ملف العدالة الانتقالية كان من المفترض على المسؤولين أن يتجهوا نحو إجراءات عملية لتنفيذ قانون العدالة الانتقالية”.

وزاد: “نحن اليوم لو كنا نبحث عن القيمة المادية للنضال (..) كما يتهمنا البعض لكنا لم نتعذب ولم نجع ولم يتم اغتصاب عدد من المناضلات وتعذيب المساجين”.

وشدد أن “ما هو مطلوب اليوم من رئيس الحكومة الحالي (هشام مشيشي) وضع ملف العدالة الانتقالية ضمن أولوياته رغم وعينا بصعوبة الوضع الصحي والاقتصادي الذي تمر به البلاد”.

وتعرض سياسيون وعدد من نشطاء حقوق الإنسان والسجناء السياسيين في عهدي الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة (1958-1987)، وزين العابدين بن علي (1987-2010) للمضايقات والتعذيب والقمع، وفق تقارير حقوقية.

وفي 2011، أطاحت ثورة شعبية بنظام بن علي، الذي لجأ إلى السعودية، وتوفي بها في 19 سبتمبر/ أيلول 2019.

صندوق “الكرامة” ورد الاعتبار

وبخصوص صندوق “الكرامة” (لتعويض المتضررين)، اعتبر بوشيبة أن “تمويله يتطلب إرادة سياسية فالسلطات لها كل المعطيات لتحديد التكلفة وتقديمها للمنظمات الدولية وللمانحين”.

وأفاد بأن الدولة خصصت “10 ملايين دولار لضخها في هذا الصندوق فيما ستأتي بقية الموارد على شكل هبات ومنح وتبرعات دولية غير مشروطة، كما عبرت دول عن استعدادها لدعم تونس في هذا المجال وهي تنتظر إشارة من الحكومة التونسية”.

وأردف: “صندوق الكرامة سيكون موجها أساسا للجهات والمناطق التي كانت ضحية التهميش، حيث أن جبر ضررها ضروري، والأموال ستنمي اقتصاد تونس وستمكن من توفير فرص عمل للشباب وتعيد الثقة في الدولة التونسية”.

وأفاد بأنهم سيعملون “بكل ما يملكون من قوة بالتعاون وبإسناد من منظمات دولية هامة وبكل الطرق القانونية من أجل تفعيل قانون العدالة الانتقالية واستكمال هذا المسار”.

وزاد: “إذا يئسنا قد نذهب إلى القضاء الدولي وهذا من حقنا في حال استنفاذ كل السبل للضغط”.

وصندوق “الكرامة” تم إنشاؤه بموجب قانون العدالة الانتقالية عام 2013، وفي أواخر العام الماضي، تم الإعلان عن رقم حساب إيداع خاص بالصندوق في الخزينة العامة للدولة، ومن المقرر أن يمنح تعويضات لضحايا الاستبداد في عهدي بورقيبة وبن علي.

إنجاح مسار الثورة

وأفاد الطرودي، بأن “صندوق الكرامة يواجه عراقيل أهمها غياب الإرادة السياسية ما جعل تمويله ومده بالموارد المالية متعطلا، إذ لم يلق حظوة لدى الأطراف المتداخلة”.

واعتبر أن “صندوق الكرامة هو آلية من آليات إنعاش الاقتصاد في البلاد وعبره ستنتعش خزينة الدولة وهناك تمويلات ستأتي من منظمات ودول”.

ولفت أن “الحل الوحيد الذي من شأنه المساعدة في الخروج من هذه الأزمة هو تفعيل القانون 53 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية، إذ لا يمكن الحديث عن إنجاح مسار ثورة ما لم يُستكمل هذا الملف”.

وأضاف: “عارضنا أنظمة الاستبداد حتى يتحرر التونسي (..) ظلم مس الجميع، مناضلين وعائلاتهم وأقاربهم من مختلف المشارب السياسية”.

وأردف: “نحن اليوم نناضل ليس فقط لأخذ الأموال (تعويضات) وإنما لرد الاعتبار (..) نحن نحب استكمال مشوارنا النضالي من أجل تونس”.

وأوضح أن “المنظومة القديمة لا زالت موجودة وتستغل مناخات الديمقراطية، كما أنها تريد تعطيل المسار الانتقالي وهو ما يلاحظ داخل المجلس (البرلمان)، إذ هناك من يريد دفن المسار”.

ولفت إلى أنهم “يريدون في نهاية المطاف الوصول لمصالحة وطنية شاملة مع من مارس الظلم، الذي يجب أن يقدم اعتذارا أولا”.

وفي تصريحات سابقة، أعلن عبد الرزاق الكيلاني، رئيس “الهيئة العامة للمقاومين وشهداء وجرحى الثورة” (حكومية)، أن “ملف العدالة الانتقالية يضم عدة عناصر”.

وأضاف أنه من بين تلك العناصر “جبر الضرر (التعويض) لألفين و950 ضحية، حيث يتطلب صندوق الكرامة حشدا للدعم وتنظيما ماديا لم يتوفر بعد”.

يسرى ونّاس / الأناضول

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

كامالا هاريس تكشف عن تقرير صحي يؤكد قدرتها البدنية والعقلية لقيادة البلاد.. فماذا عن صحة ترامب؟

تعتزم نائبة الرئيس الأمريكي ومرشحة الانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي كاملا هاريس إصدار تقرير يوم السبت حول تاريخها الطبي وصحتها، وقد أوضح أحد كبار مساعدي حملتها أن هذا التقرير سيثبت قدرتها البدنية والعقلية الضرورية لتولي رئاسة البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
18 + 15 =