قالت أسرة عبد المنعم أبو الفتوح (69 عاما)، زعيم “حزب مصر القوية” المعتقل، إنه عانى من أعراض تشبه نوبة قلبية حادة في الليلة السابقة أثناء حبسه انفراديا في سجن طرة السيئ الصيت بالقاهرة. وبحسب الأسرة، طرق أبو الفتوح، وهو طبيب، باب زنزانته طوال الليل طالبا المساعدة من حراس السجن دون جدوى.
أبو الفتوح، المحتجز ظلما دون محاكمة منذ 2018، شخصية سياسية تحظى باحترام واسع، حيث احتل المركز الرابع في أول (وآخر) انتخابات رئاسية حرة ونزيهة في مصر في 2012، بأكثر من 4 ملايين صوت.
قال أقارب أبو الفتوح لـ “هيومن رايتس ووتش” إنه يعاني من عدة أمراض خطيرة ومزمنة من قبل حبسه، منها ارتفاع ضغط الدم والسكري، وإن السلطات رفضت طلبه إجراء جراحة البروستاتا التي كانت مقررة قبل اعتقاله بفترة وجيزة. كما أصيب بانزلاق غضروفي في العمود الفقري في السجن.
تُبرزُ قضية أبو الفتوح نموذجا لعمليات الانتقام التي يتعرض لها كل من يجرؤ على انتقاد الحكومة المصرية المستبدة، بما في ذلك الحرمان الانتقامي وغير القانوني من حقوق السجناء في الحصول على رعاية طبية مناسبة.
اعتقلت قوات الأمن أبو الفتوح في فبراير/شباط 2018 بعد أن أدلى بتصريحات ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي يدعو فيها إلى مقاطعة انتخابات 2018 الرئاسية بسبب “غياب المنافسة”. أبقته السلطات منذئذ محتجزا دون محاكمة، بل إنها تجاوزت الحد الأقصى للحبس الاحتياطي بموجب القانون المصري، وهو عامان.
بعد أن قاد السيسي انقلابا عسكريا في يوليو/تموز 2013 حين كان وزيرا للدفاع، غصت السجون المصرية بالمعارضين السياسيين من جميع الأطياف، ومر الكثير منهم بما يرقى إلى الموت البطيء بسبب الحرمان المتعمد من الرعاية الطبية الكافية.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بعد وفاة الرئيس السابق محمد مرسي في محبسه المخالف لأبسط القواعد، كتب خبيران من “الأمم المتحدة” أن ظروف الاحتجاز في مصر “قد تعرّض صحة آلاف السجناء الآخرين وحياتهم لخطر شديد”. وثّق تقرير حديث لـ “منظمة العفو الدولية” بعنوان “ما تموتوا ولا تولعوا” روايات احتجاز 67 شخصا في 16 سجنا، وجد أن “مسؤولي السجن يبدون استهتارا تاما بحياة السجناء وسلامتهم”، وأن السلطات تتعمد حرمان المعتقلين السياسيين من “الرعاية الصحية والطعام والزيارات العائلية الكافية”.
برغم عشرات المقابلات التي أجريتها كباحث في حقوق الإنسان مع المعتقلين وذويهم في مصر، ، شعرت بالذهول عندما قرأت ما رواه خالد داود، الصحفي والرئيس السابق لـ “حزب الدستور” العلماني (والذي عمل أيضا فترة طويلة مراسلا في واشنطن) في مذكراته المروّعة عن 19 شهرا قضاها في سجن طرة. كتب داود أن السلطات وضعته في زنزانة مساحتها مترين بثلاثة أمتار مع أستاذَي العلوم السياسية البارزين حسن نافعة وحازم حسني، اللذَين اعتُقلا في نفس الوقت تقريبا.
وقال إنه لم يُسمح لهم إلا بـ “سترة بيضاء متسخة” تسلمهم إياها إدارة السجن وتسبب لهم الحكة، وأُجبروا على المشي حفاة في السجن وإلى جلسات الاستماع في النيابة. وصف داود كيف أنهم أُجبروا على تناول الطعام من أكياس بلاستيكية في غياب الملاعق أو الأواني، واستخدام سكاكين مرتجلة مصنوعة من أغطية علب التونة. كان الصابون نادرا والماء الساخن شبه منعدم. كانت الزنزانة سيئة التهوية ولا تصلها أشعة الشمس.
ليس هناك خدمات لغسل الثياب، فيضطر النزلاء إلى غسل ملابسهم بطرق بدائية وتعليقها داخل زنازينهم لتجف، ما يزيد من رطوبتها الخانقة والمضرة بالصحة. كان التريّض يقتصر في الغالب على المشي في ساحة السجن 30 دقيقة في اليوم، وقد يُحرم السجناء من ذلك وفقا لمزاج حراس السجن.
مذكرات داود تنطوي على تذكير صارخ: إذا كانت السلطات تخص معارضين بارزين ومعروفين بهذه المعاملة في الحبس، فالأرجح أن تكون ظروف المعتقلين المجهولين أسوأ بكثير.
في سبتمبر/أيلول الماضي، توفي أحمد عبد النبي محمود (64 عاما) في السجن بعد احتجازه عامين دون محاكمة، رغم المناشدات المتعددة من عائلته المقيمة في الولايات المتحدة للحكومة بإطلاق سراحه أو تحسين ظروف سجنه. كان واحدا من أربعة سجناء ماتوا في أقل من 72 ساعة في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2020. توفي المخرج شادي حبش (24 عاما) في السجن في مايو/أيار 2020، وأفادت تقارير أنه تناول نوعا ساما من الكحول. عانى يوما أو يومين ولم يتلقّ من طبيب السجن إلا تدخلا فاترا، رغم أنه كان من الممكن علاجه بسهولة في أي مستشفى مجهز بشكل معقول.
ينص القانون الدولي بوضوح على أن الحكومات مسؤولة عن صحة السجناء. قواعد الأمم المتحدة بشأن معاملة السجناء (سميت باسم قواعد نيلسون مانديلا، الذي قضى 27 عاما في أحد السجون بجنوب افريقيا) تطالب الحكومات بالسماح للسجناء بالحصول على الرعاية الصحية المعيارية التي يمكن الحصول عليها في المجتمع وضمان استمرارية علاج الأمراض المزمنة. لكن في مصر، حتى أدنى المعايير تبدو سرابا.
الأسباب متعددة. أولا، السجون غير نظيفة، وعندما يُضاف إلى ذلك غياب الرعاية الصحية الكافية، فإنها تخلق بيئة تمس بسلامة أي نزيل، كما ذكر داود. ثانيا، يبدو أنه ليس هناك أي نظام أو إجراءات خاصة بالتدخل العاجل عند تعرض نزيل لطارئ صحي. ما يفعله السجناء، بحسب ما أخبرني كثير منهم، هو أنهم يلجؤون إلى الصراخ والطرق على أبواب زنازينهم حتى يسمعهم أحد الحراس ويتمكن من التواصل مع ضابط لديه المفاتيح. يتطلب الأمر عادة ساعات، غالبا لأن الضابط الذي يحتفظ بالمفاتيح لا يقضي الليلة في مبنى السجن، أو لأن الضباط لا يصدّقون أن الحالة خطيرة حقا، وليست مجرد شخص يدّعي المرض، إلا بعد ساعات.
ثالثا، رغم كون ضباط السجون يشرفون على السجون، فهم غالبا يتبعون أوامر ضابط من “قطاع الأمن الوطني” سيء السمعة، الذي يشرف على سجن معين. الأمن الوطني هو الجهاز الذي يعتقل الناس ويخفيهم قسرا ويعذبهم، كما أنه من الموثق جيدا أن عناصره وضباطه يستخدمون الحرمان من الرعاية الطبية كعقوبة، حتى إن كانت هناك إصابة بالسكري أو ارتفاع ضغط الدم، التي قد تؤدي إلى الوفاة.
في حالة السجناء المحظوظين الذين يُنقلون إلى عيادة خارجية، لا يحترم رجال الأمن المكلفون بمرافقتهم في كثير من الأحيان مواعيدهم مع أطبائهم، ما يؤدي إلى وصول السجين متأخرا فتضيع فرصته لمقابلة أخصائي. سمعتُ هذه القصة مرات عدة من عائلات المعتقلين، وشهدتها مباشرة عندما كنت أعمل طبيبا في “مستشفيات جامعة القاهرة”، حيث يُنقل معظم سجناء المدينة عندما يحصلون أخيرا على إذن لتلقي إجراء طبي خارج السجن.
لكن في نهاية المطاف، فإن غياب الرعاية الصحية في السجون المصرية يعود أولا وقبل كل شيء إلى كون السلطات تعامل المحتجزين وكأنهم ليسوا بشرا. بالتأكيد هي ليست مسألة تتعلق بالموارد أو الإدارة، بل هي ببساطة مسألة إرادة إنسانية وسياسية.
تدرك الولايات المتحدة وشركاء مصر الدوليون الآخرون أن العديد من المصريين ما زالوا يناضلون من أجل الكرامة والديمقراطية، وأن حكومة السيسي تعاملهم بوحشية. بدلا من إطلاق انتقادات متفرقة هنا وهناك مع الحفاظ على علاقاتهم الاستراتيجية مع مصر دون تغيير، عليهم العمل بشكل قوي، مُتسق، ومبدئي للدفاع عما يقولون إنها قيمهم المعلنة: حقوق الإنسان والديموقراطية.
لا تستطيع الحكومات الغربية أن تزرع الديمقراطية في مصر، لكن استمرار العلاقات القائمة على الدعم الأمني والتعاون الاستخباراتي مع الأجهزة المصرية الجائرة بدون شروط تُذكر هي عائق إضافي أمام نضال المصريين الشجعان المدافعين عن الديموقراطية الذين يدفعون أغلى الأثمان: حياتهم.
فضاء الآراء – هيومن رايتس ووتش