استحداث هيئة لمكافحة الثراء غير المشروع للموظفين يثير المخاوف خاصة وأن مهام الهيئات السابقة ظلت شكلية ولم تتمكن من التصدي لظاهرة الفساد.
تُراهن السلطة الجزائرية على إحداث الهيئات لمكافحة الفساد، بالرغم من التحذيرات التي يطلقها خبراء من أن هذه الاستراتيجية لن تؤدي إلى نتائج ملموسة.
وأعلنت السلطات مؤخرا إنشاء هيئة للتحقيق في ثراء الموظفين الحكوميين، ما فجر نقاشات ساخنة بشأن قدرة مثل هذه الهيئات على كبح الفساد، خاصة وأن تجارب سابقة فشلت.
وفي الثاني من يناير الجاري وجه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون باستحداث هيئة لمكافحة الثراء غير المشروع للموظفين الحكوميين، تعمل وفق مبدأ “من أين لك هذا؟”.
وجاء في بيان اجتماع مجلس الوزراء الجزائري بحضور تبون، أنه تقرر “التركيز على العمل الوقائي لمحاربة الفساد، بداية من تحديد شروط جديدة ودقيقة للإعلان عن الصفقات العمومية والمناقصات على الصحف”.
ومنذ عقود تخضع الجزائر مناقصات المشاريع الحكومية لإلزامية نشر إعلانها على صفحات ثلاث صحف على الأقل.
إنشاء الهيئة الجديدة أثار مخاوف من تصفية حسابات من قبل المعنيين بها أو بين الحيتان الكبيرة والصغيرة
وتحدث البيان عن استحداث هيئة جديدة للتحري في مظاهر الثراء لدى الموظفين العموميين (الحكوميين) دون استثناء.
وحسب الرئاسة الجزائرية سيتم التحقيق في الثراء من خلال إجراءات قانونية صارمة، لمحاربة الفساد عملا بمبدأ من أين لك هذا؟ دون تفاصيل إضافية.
لكن فرص نجاح هذه الهيئة في استئصال الفساد تبقى ضئيلة، ويرجع البعض ذلك إلى فشل الهيئات السابقة، محمّلين السلطة المسؤولية عن ذلك باعتمادها هذا التمشي.
وتحتلّ الجزائر المرتبة 104 من أصل 180 دولة في التصنيف الدولي لمؤشر مدركات الفساد، وفق تقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر في 2021.
وحسب متابعين، فقد استفحلت مظاهر الفساد لدى موظفين حكوميين في حقبة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، التي تزامنت مع مداخيل قياسية لصادرات النفط والغاز الجزائرية.
وعقب حراك شعبي أطاح ببوتفليفة في الثاني من أبريل 2019، جرى سجن رئيسي وزراء من حقبته هما أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال، إضافة إلى وزراء وولاة (محافظين) ورجال أعمال، إثر تحقيقات في قضايا فساد.
وكان بوتفليقة أجرى في عام 2006 تعديلات على قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، لكنها أتت حسب مراقبين بنتائج عكسية، حيث زادت من عدد قضايا الفساد وأبقت المسؤولين والموظفين الحكوميين بعيدا عن المساءلات.
وطوال فترة حكم بوتفليقة التي امتدت على مدى 20 عاما (1999 – 2019)، جرت مساءلة عدد قليل من الموظفين الحكوميين بشأن قضايا فساد ومظاهر الثراء غير المبرر.
وخلال فترة حكم بوتفليقة تم إنشاء “الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته” بموجب قانون الوقاية من الفساد ومكافحته الذي صدر عام 2006.
إلياس حلاس: استحداث هيئة جديدة لا يضيف الكثير لمكافحة الفساد
وحسب متابعين، فإن مهام “الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته” ظلت شكلية ولم تتمكن من التصدي لظاهرة الفساد، خصوصا في أوساط حكومية رسمية.
وفي الفترة التي أعقبت إنشاء هذه الهيئة، تفجرت فضائح فساد مدوية بالجزائر على غرار قضية “الطريق السيار شرق غرب” وقضيتي “سوناطراك” 1 و2، لكن التحقيقات بقيت بعيدة عن الوزراء، وطالبت أشخاصا من مستويات مسؤولية أقل وفق ما عرف في الجزائر بـ”الحيتان الكبيرة والصغيرة”.
ومصطلح “الحيتان الكبيرة والصغيرة” في الجزائر استعمل شعبيا وإعلاميا للدلالة على ابتعاد تحقيقات الفساد عن كبار المسؤولين، واقتصارها على سلم مسؤوليات أقل.
وفي العام 2018، قامت حكومة رئيس الوزراء المسجون أحمد أويحيى (خلال حقبة بوتفليقة)، بإنشاء هيئة جديدة لمكافحة الفساد حملت تسمية “الديوان المركزي لقمع الفساد”، لكن الفساد تواصل بعدة قطاعات.
ويرى الصحافي الجزائري المتخصص في التحقيقات الاستقصائية إلياس حلاس، أن استحداث هيئة للتحقيق في ثراء الموظفين الحكوميين “لا يضيف الشيء الكثير لمكافحة الفساد”.
وعدّد حلاس جملة من الشروط الواجب توفرها لمكافحة حقيقية للفساد وليس بتعدد الهيئات المتخصصة بحسبه، موضحا أن “من الشروط إجراءات شفافة ترافقها عدالة قضاء مستقل وكذا صحافة حرة ومستقلة”.
وختم بالإشارة إلى أن “مكافحة الفساد ليست بحاجة إلى هيئات متعددة تتداخل فيما بينها من حيث الصلاحيات، وفي نهاية المطاف لا تقوم بفعل شيء”.
وأثار إنشاء الهيئة الجديدة مخاوف من تصفية حسابات من قبل المعنيين بها أو بين الحيتان الكبيرة والصغيرة.
وحذر الخبير والمحلل الاقتصادي فريد بن يحيى من “إمكانية ظهور عمليات تصفية الحسابات، خصوصا عقب إنشاء هذه الهيئة من طرف الأثرياء ضد آخرين (لم يسمهم)، ولذلك وجب الحذر الشديد في عمل الهيئة”.
وتابع بن يحيى أن “استحداث هيئة للتحقيق في ثراء الموظفين الحكوميين أمر إيجابي من حيث المبدأ، لكن تطبيقه صعب وتجب مرافقته بجملة إجراءات”.
ميادين + العرب اللندنية